في مسيرة الشعوب الساعية إلى الحرية والكرامة، يظلّ الفارق بين النصر والثبات والهزيمة أكثر من مجرد نتائج عسكرية أو سياسية.
فهو انعكاس لجوهر الإنسان وإيمانه بقضيته المحقة.
النصر ليس دائماً في ميدان المعركة أو على طاولة المفاوضات، بل هو في بقاء القضية حيّة في وجدان وذاكرة كل أمّة، وفي استمرار الأجيال على حمل لوائها بكل همّة.
فأصحاب الأرض والحق يعرفون أن الانتصار يبدأ من صمود الإرادة، قبل أن يُترجم على الأرض من إعداد وعدة.
ففلسطين (شاهد وأبلغ مثال) لم تُحرّر بعد، لكن صمود شعبها عبر أكثر من سبعة عقود جعلها قضية عالمية حيّة، ومنع سقوطها في غياهب النسيان.
أما الثبات، فهو القيمة التي تميّز القضايا العادلة عن غيرها.
قد يُسلب الحق، وقد يُهجّر الناس، لكن الثبات يعني التمسك بالهوية والذاكرة، والإصرار على مقاومة كل أشكال التذويب.
التاريخ مليء بأمثلة الشعوب التي لم تنكسر رغم المآسي:
فالجزائريون صبروا أكثر من 130 عامًا تحت الاستعمار، قبل أن يقطفوا ثمار الحرية.
كذلك، صبر الجنوب الإفريقي على نظام الفصل العنصري حتى أسقطه بثبات لا يعرف المساومة.
في المقابل، تأتي الهزيمة حين يختار الإنسان أن يتخلى عن حقه، أو حين يتحوّل الخوف إلى استسلام والخذلان إلى قناعة.
غير أن الأخطر من الهزيمة العسكرية أو السياسية هو الهزيمة النفسية والفكرية، التي تجعل البعض يبرّر الاستسلام على أنه “واقعية” أو “حكمة”.
هؤلاء المتخاذلون يلبسون ثوب العقلانية ليبرّروا الانكسار، فيصنعون ثقافة هزيمة، أخطر من الخسارة ذاتها.
القيم الدينية والإنسانية ترفض هذا المنحى. وتحمل في مبادئها وتعاليمها دعوة واضحة إلى أن الثبات على الحق هو شكل من أشكال العلوّ الروحي والمعنوي.
كما أن سيرة الانبياء والعظماء والنبلاء مليئة بمحطات تثبت أن التراجع لا يعني الفشل، وأن الثبات بعد الكبوات يصنع النصر في النهاية، وكم من أحداث تاريخية حوّلت الانكسار الجزئي إلى محطة لإعادة بناء القوة والعزيمة.
اليوم، وفي عالم تتنازع فيه المصالح وتُهمَّش فيه المبادئ، تظلّ القضايا المحقة –من فلسطين إلى الشعوب المقهورة في مناطق عدة– شاهدة على أن النصر قد يتأخر، لكن الثبات يمنع الهزيمة. أما المتخاذلون الذين يبرّرون الانكسار، فالتاريخ لا يذكرهم إلا كعبرة على خيانة الأمانة وتضييع الحق.
الفرق الجوهري إذن، أن النصر هو ثمرة، والثبات هو الجذور التي تحفظ الحياة، أما الهزيمة فليست قدَرًا بقدر ما هي خيار من يتخلّى عن قضيته.
وبين هذه المعاني، تبقى الشعوب المتمسكة بالعدل والكرامة أقرب إلى النصر مهما طال الزمن.