في لحظةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقّدة، وبعد أشهرٍ من العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، قدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ردّها على الورقة الأميركية التي طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب، لتفتح بذلك باباً واسعاً أمام قراءةٍ جديدةٍ لموقف الحركة السياسي.
الردّ لم يكن مجرد بيانٍ إعلامي أو ردّ فعلٍ آني، بل جاء محمّلاً بدلالاتٍ استراتيجية تعبّر عن نضج التجربة السياسية للمقاومة الفلسطينية، وعن إدراكٍ عميقٍ لمعادلات القوة والمصالح الوطنية.
ردّ حماس: بين الثبات المبدئي والمرونة السياسية
جاء ردّ حركة حماس واعياً ومسؤولاً وحكيماً، متّسقاً مع ثوابت المشروع الوطني الفلسطيني. فقد أكّدت الحركة تمسّكها بمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، ورفضت كلّ ما يمكن أن يُعدّ تنازلاً أو تراجعاً أمام الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.
وقد تميّز الردّ بوضوح الرؤية وقوّة الموقف، في محاولةٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعبٍ يواجه آلة حربٍ لا ترحم، مع الحفاظ على مكتسبات المقاومة في الميدان.
حماية مكتسبات المقاومة ووحدة الصف الوطني
من أبرز ملامح هذا الردّ أنّ الحركة لم تسمح بتجاوز نتائج عملية “طوفان الأقصى” التي أعادت تعريف الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني، وفرضت واقعاً ميدانياً جديداً. كما تجنّبت حماس الوقوع في فخّ الانقسام الداخلي، فحرصت على أن يكون خطابها موحِّداً، جامعاً للفصائل، ومعبّراً عن الإرادة الفلسطينية الوطنية لا الفصائلية.
اختصارٌ ودقّة في القضايا الجوهرية
اتّسم ردّ حماس بالدقّة والاختصار، مركّزاً على جوهر القضايا: وقف العدوان، وانسحاب جيش الاحتلال، وإنهاء الحصار. ولم تنجرّ الحركة إلى التفاصيل الجزئية التي أرادتها الورقة الأميركية، بل وضعت محدّداتٍ واضحة لأيّ حوارٍ مستقبلي، وأصرّت على أنّ لا نقاش قبل توقّف العدوان ورفع الحصار.
موقف استراتيجي تجاه إدارة المرحلة المقبلة
في خطوةٍ تعبّر عن نضجٍ سياسيٍّ متقدّم، أعادت الحركة تأكيد موقفها التاريخي باستعدادها لتسليم إدارة قطاع غزة إلى هيئةٍ وطنيةٍ من المستقلين، تعكس التوافق الفلسطيني وتمنع أيّ احتكارٍ للسلطة. وبذلك ربطت حماس مستقبل غزة بمصيرٍ وطنيٍّ مشترك، بعيداً عن الحسابات الفصائلية الضيّقة.
إدارة زمن الردّ وآليات صنع القرار
من اللافت أنّ حماس لم تتسرّع في الردّ ولم تتأخّر عنه؛ فقد جاء الموقف بعد مشاوراتٍ داخليةٍ موسّعة، ما يعكس التزام الحركة بمأسسة القرار السياسي والتشاور مع مختلف الأطراف المعنية. وتؤكّد هذه السمة أنّ الحركة باتت تدير ملفاتها الكبرى بقدرٍ من الانضباط المؤسسي، بعيداً عن الارتجال أو الانفعال.
حوارٌ مشروط لا استسلام
أشارت الحركة في ردّها إلى أنّ بعض القضايا المطروحة تحتاج إلى حوارٍ وتوضيحٍ لآليات التنفيذ، ما يبرز حرصها على الحوار دون التفريط بالثوابت. فهي لا ترفض التواصل من حيث المبدأ، لكنها ترفض أيّ إطارٍ يتجاهل القضايا الأساسية: وقف العدوان، ورفع الحصار، وضمان الحقوق الوطنية الفلسطينية.
بين المقاومة والسياسة
يُظهر هذا الردّ أنّ حماس تسعى إلى تحويل الإنجاز الميداني إلى مكسبٍ سياسيٍّ ووطنيٍّ، مستثمرةً اللحظة التاريخية لصوغ رؤيةٍ جامعةٍ للقضية الفلسطينية. وقدّم موقفها درساً في الوعي السياسي المقاوم: كيف يمكن لحركة مقاومةٍ أن تجمع بين صلابة الميدان ومرونة السياسة، دون أن تفقد بوصلتها أو تتنازل عن ثوابتها.
موقع سفير الشمال الإلكتروني