وسط المخاوف التي تظهّرت بين القوى السياسية على خلفية الرفض القاطع لرئيس مجلس النواب، نبيه برّي، إدخال مشروع القانون المعجّل المكرّر، المتعلّق بتصويت المغتربين على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة ما أدّى إلى تطيير النصاب، ورفع الجلسة من دون تحديد موعد آخر لعقد جلسةٍ أخرى، تبقى الأمور على حالها من التشنّج السياسي، وذلك في ظلّ غياب الوساطات وسعاة الخير لإيجاد مخرجٍ ملائم لهذه الأزمة، حتى أنّ نائب رئيس المجلس، الياس بوصعب، والذي كان يتولّى تدوير الزوايا بعد كل أزمة، أطفأ محرّكاته التفاوضية، وآثر الصمت على غير جاري عادته، وكأنّ لبنان لا ينقصه إلّا تعدّد الأزمات والمزيد من التعقيدات العصيّة عن الحل.
مصادر مطّلعة أشارت عبر “الأنباء” الإلكترونية إلى انسدادٍ محكمٍ في الأفق السياسي بين الرئيس برّي بما يمثّل من قوى داعمةٍ له في رفضه إجراء أي تعديل على قانون الانتخابات النافذ، وبين الكتل النيابية الأخرى التي تقدّمت باقتراحٍ معجلٍ مكرّر لتعديل المادتين 112 و 122 من قانون الانتخابات ليصبح من حق المغتربين اللبنانيين المنتشرين في العالم المشاركة في الانتخابات النيابية المقرّرة في ربيع العام 2026.
المصادر أبدت خشيتها أن يؤدي هذا الخلاف إلى تاجيل الانتخابات وتعطيل الحياة السياسية في البلد كما كان يحصل في الماضي، وبالتالي يخسر لبنان مجدداً مصداقيّته تجاه العالم بعد أن حاول منذ انتخاب الرئيس جوزاف عون، وتشكيل الحكومة الجديدة، محو صورة الماضي والتطلّع إلى لبنان جديد، فإذا به يغرق عند أول منعطف، ويثبت للقاصي وللداني بأنّه دولة فاشلة لا مكان لها بين الدول التي تحترم دستورها وقانونها.
سلام
في هذا الصدد شدّد رئيس الحكومة، نوّاف سلام، على وجوب الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدّد من دون أي تاجيل أو تعطيل، مع ضمان حق جميع اللبنانيين، المقيمين وغير المقيمين في الاقتراع العادل والشفّاف ضمن دوائرهم.
سلام عبّر عن موقفه هذا في الكلمة التي ألقتها نيابةً عنه وزيرة الشؤون الاجتماعية، حنين السيّد، أثناء تمثيلها له في الندوة التي نظّمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مؤكّداً على ثوابته لناحية تأمين ظروف انتخابية آمنة وشفّافة تتيح للبنانيين المشاركة بحرية، “لا سيّما أهلنا في الجنوب حيث لا يمكن حرمان مَن فقدوا منازلهم وقراهم مِن الاقتراع”.
كما شدّد سلام على مبدأ الكوتا النسائية بنسبة لا تقل عن 30% لكلا الجنسين في اللوائح ضماناً لتمثيل أكثر عدلاً لجميع مكوّنات المجتمع مع تشجيع النساء على الانخراط في العملية الانتخابية.
وكان الرئيس سلام قد تلقّى جرعة دعمٍ من رؤساء الحكومة السابقين، فؤاد السنيورة، وتمّام سلام، ونجيب ميقاتي، أكّدوا فيها تمسّكهم بقرارَي مجلس الوزراء اللذَين صدرا في جلسة 5 آب و5 أيلول الماضيَين والمتعلّقَين بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وضرورة متابعة هذا الهدف من دون تراجع، عملاً بأحكام الدستور واتّفاق الطائف. وشدّدوا على أنّ مصلحة لبنان العليا تقتضي تجاوب الجميع مع حصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية. فهذا القرار يجب أن ينفّذ عاجلاً لتكون الدولة وحدها المسؤولة عن أمن البلاد.
الرؤساء الثلاثة استنكروا استمرار العدو بالاعتداءات على جنوب لبنان، ضارباً بعرض الحائط التفاهمات التي تمّ التوصّل إليها لتنفيذ القرار 1701، لجهة وقف الأعمال العدائية، وضرورة التزام إسرائيل وقف اعتداءاتها ضد لبنان، وإنهاء احتلال النقاط الخمس. كما استنكروا حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل في غزّة والضفّة الغربية، وأشادوا بخطة ترامب لوقف حرب الإبادة في غزّة والضفة الغربية، وضرورة الإفراج عن جميع الرهائن.
ضغط عربي على حماس
إلى ذلك، أشارت وكالات الأنباء العالمية إلى أنّ قطر ومصر وتركيا حثّت حركة حماس على تقديم ردٍ إيجابي على مقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في غزّة، ونقلت عن أحد المصادر أنّه بينما كان ترامب يعرض خطّته على العالم مساء الإثنين، كان رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، يعرضانها على قادة حماس في الدوحة، وقد حثّ كلاهما الحركة على قبولها.
كما أضاف المصدر أنّ آل ثاني شدّد على أنّه بناءً على محادثاته مع ترامب واثقٌ من جديّة التزام الرئيس الأميركي بإنهاء الحرب.
الحشيمي
في تعليقه حول ما جرى في ساحة النجمة وتطيير النصاب، أشار النائب بلال الحشيمي في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّ المسار مسدودٌ، وليس هناك من أفقٍ معيّن. وكل فريقٍ ينظر إلى ما قد يحصل عليه من عدد الحواصل، وليس مهتماً باقتراع المغتربين. فكلٌ يريد مصلحته لناحية الأعداد.
وعمّا إذا كان هذا الخلاف قد يؤدي إلى تطيير الانتخابات، لفت بأنّه لم يسمع من أحد أنّه يريد تأجيل الانتخابات، واصفاً ما جرى في ساحة النجمة بأنّه تشنجٌ قوي. وقال، “كان يجب أن يكون هناك تعاون من قِبل النواب لتعديل مادة وحيدةٍ في قانون الانتخاب، فللرئيس برّي حساباته، وهو يقول أنتم من وضع هذا القانون ووافقتم عليه بالإجماع، وهو ليس مستعداً لتعديله”.
الحشيمي نقلَ عن رئيس الحكومة إصراره على إجراء الانتخابات بموعدها وفق القانون النافذ. ولا علاقة للحكومة بتعديل قانون الانتخابات. فالتعديل هو من صلاحية مجلس النواب، ولا علاقة لمجلس الوزراء به، ولا بكيفية اقتراع المغتربين، وأين، وكيف ستقسّم القارات على الطوائف والمذاهب.
وفي موضوع تسليم السلاح دعا الحشيمي إلى ممارسة ضغوط شديدة محليّة وخارجية كي يقتنع الحزب بتسليم سلاحه، لأنّ لبنان لا يمكن له أن يرتاح إلّا بعد أن يسلّم حزب الله سلاحه. فإذا كان الحزب لم يعد بمقدوره المقاومة فهذا يعني إصرار الحزب على استخدامه في الداخل، ومنع قيام الدولة، فبسبب هذا السلاح وصل لبنان إلى ما هو عليه.
وعن موقف رؤساء الحكومة السابقين الداعم للرئيس سلام وصف الحشيمي هذه الخطوة بالجيّدة والمطلوبة، لأنّ مِن الخطأ في ظلّ هذه الأوضاع الحرجة تصوير الأمور وكأنّ هناك خلاف بين رئيس الجمهورية، جوزاف عون، والرئيس سلام الذي يعمل على تطبيق الدستور. الحشيمي أكّد دعمه للجيش باعتباره الملاذ الأخير في حماية الوطن. لكنّه في الوقت نفسه غمزَ من قناة منح رئيس الجمهورية قائد الجيش، رودولف هيكل، وسام الاستحقاق اللبناني، إذ كان من الأفضل تأجيل هذا التكريم إلى ما بعد هدوء عاصفة الروشة، وذلك في ظلّ الحديث عن عدم قيام الجيش والأجهزة الأمنية بما يلزم لمنع ما حدث. وعن رأيه بمبادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في غزة أبدى الحشيمي خشيته من انقلاب إسرائيل على هذا الاتّفاق لأنّ ليس لديه ثقة بنتنياهو المتعطّش للدم، واصفاً إيّاه بعدو السلام.
مؤتمر دعم الجيش
في سياق الجهود التي تبذلها السعودية وفرنسا لعقد مؤتمرٍ لدعم الجيش، أشارت مصادر أمنيّة إلى أنّ وزير الدفاع، ميشال منسّى، الموجود في مدينة العلا السعودية، يُجري مشاورات على هامش مشاركته في مؤتمر قادة ميونيخ مع أعضاء الوفود المشاركة بهدف تأمين أكبر قدرٍ ممكن لدعم الجيش والمؤسّسة العسكرية. وبحسب المصادر فإنّ منسّى سيعقد سلسلة لقاءاتٍ مع عددٍ من المسؤولين المشاركين بهدف عرض العلاقات الثنائية، واستكمال البحث في تطبيق القرار 1701، وحصرية السلاح بيد الدولة، وضبط الحدود السورية- اللبنانية، ومكافحة المخدّرات، والتحضير لمؤتمر دعم الجيش.