حين نتحدث عن الكويت، فإننا لا نتحدث عن مساحة جغرافية صغيرة أو عن دولة غنية بالنفط فحسب، بل عن شعب صنع لنفسه هوية راسخة عنوانها الكرم والوفاء.
الكويتيون بطبيعتهم شعب ودود، متعاطف، يقدّر العائلة والجيرة والصداقة، ويرى في العطاء مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون عملاً سياسياً أو إعلامياً.
هذا الشعب الذي عاش قرونًا على البحر، في بيئة قاسية قليلة الموارد قبل النفط، تعلم قيمة التعاون والتكافل، فترسخت فيه خصال البذل والمروءة.
ومع اكتشاف النفط وتحوّل الكويت إلى دولة ذات موارد اقتصادية واسعة، ظلّت تلك الروح قائمة: الكويتي لا يستعرض ثراءه، بل يُترجمه في شكل مدارس تبنى، مستشفيات تجهّز، مساعدات تصل إلى حيث يوجد محتاج.
لذلك ليس غريبًا أن تُعرف الكويت في العالم بـ “مركز العمل الإنساني”، وأن يلقب أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد بـ “قائد العمل الإنساني” من قِبل الأمم المتحدة.
الكويت والعمل الخيري: من عادة إلى سياسة دولة..
الكويت جعلت من العمل الخيري ثقافة رسمية. فمنذ ستينات القرن الماضي أسست الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وهو أول مؤسسة تنموية في العالم العربي، مول مئات المشاريع في أكثر من 100 دولة.
هذه السياسة لم تكن مجرد قرار اقتصادي، بل تجسيد لطبيعة الشعب الكويتي الذي يرى أن ما أنعم الله عليه يجب أن يتشارك فيه مع الآخرين، وخاصة مع أشقائه العرب.
الجمعيات الخيرية الكويتية أيضًا لعبت دورًا مهمًا، مثل جمعية الهلال الأحمر الكويتي، الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وبيت الزكاة، التي أوصلت المساعدات إلى فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والسودان وغيرها.
الأخوَّة الكويتية للعرب
لم تتوانَ الكويت عن مد يد العون إلى أشقائها العرب:
اليمن: ساعدت الكويت في إعادة إعمار المدارس والمستشفيات بعد الحرب، وقدمت ملايين الدولارات عبر منظمات الأمم المتحدة.
السودان: شاركت في مشاريع تنموية وإنسانية لمساعدة النازحين والفقراء.
سوريا: منذ اندلاع الحرب، قدمت الكويت عبر مؤتمرات المانحين مليارات الدولارات، واستضافت مؤتمرات دولية جمعت تبرعات ضخمة.
العراق: رغم جراح الغزو، لم تتخل الكويت عن واجبها الإنساني، فقدمت مساعدات للنازحين العراقيين.
فلسطين: القضية الكويتية المركزية
منذ استقلالها، أعلنت الكويت أن فلسطين هي قضيتها الأولى. لم تكتفِ بالخطابات، بل تحركت على أرض الواقع:
1.سياسيًا: الكويت احتضنت منظمة التحرير الفلسطينية، ودعمتها ماليًا ودبلوماسيًا. وكانت من أوائل الدول التي طالبت في الأمم المتحدة بحقوق الشعب الفلسطيني.
2.إنسانيًا: آلاف الفلسطينيين عاشوا في الكويت، أسهموا في بناء نهضتها، بينما كانت الكويت بالنسبة لهم ملاذًا كريمًا.
3.شعبيًا: الكويتيون تبرعوا بسخاء لفلسطين، ونظموا حملات تضامن في كل الانتفاضات، ولم تخلو شوارع الكويت من هتافات الحرية لفلسطين.
4.في الأزمات: بعد كل حرب على غزة، كانت أولى الطائرات الإغاثية التي تصل من الكويت، محملة بالدواء والغذاء. وعبر العقود، قدمت الكويت مئات الملايين من الدولارات لدعم الفلسطينيين.
حتى عندما مرت العلاقات بمحنة بعد غزو العراق للكويت عام 1990 وموقف قيادة منظمة التحرير آنذاك، لم يعمم الشعب الكويتي الموقف على الفلسطينيين كافة، بل بقيت المساعدات مستمرة للفقراء واللاجئين الفلسطينيين.
الكويت ولبنان: محبة متبادلة وعطاء متواصل
لبنان بالنسبة للكويتيين ليس مجرد بلد عربي آخر، بل بلد الثقافة والفن والعلم الذي أسهم أبناؤه في بناء الكويت الحديثة. فمنذ ستينات القرن الماضي، عمل مئات المعلمين اللبنانيين في مدارس الكويت، كما أسهم الإعلاميون اللبنانيون في تأسيس الصحافة الكويتية، وكان الأطباء والمهندسون اللبنانيون جزءًا من نهضة البلاد.
خلال الحرب الأهلية (1975–1990)
الكويت استقبلت آلاف العائلات اللبنانية.
ساهمت في محاولات الصلح العربية.
قدمت مساعدات مالية وإغاثية بشكل منتظم.
بعد الحرب وإعادة الإعمار
موّل الصندوق الكويتي مشاريع بنية تحتية بمئات الملايين.
ركزت الكويت على إعادة بناء المدارس والمستشفيات والجسور.
حرب تموز 2006
الكويت سارعت إلى تقديم مساعدات إنسانية عاجلة.
تعهدت بإعادة إعمار قرى جنوبية مدمرة، وقدّمت عشرات الملايين لهذا الغرض.
انفجار مرفأ بيروت 2020
الكويت أرسلت أولى الطائرات الإغاثية.
تعهدت بحوالي 41 مليون دولار مساعدات مباشرة.
قدمت أطنانًا من الأدوية والمواد الغذائية.
أزمة الكهرباء 2025
الكويت زودت لبنان بـ 132,000 طن من الوقود، نصفها منحة مجانية، في خطوة وُصفت بأنها شريان حياة للبنية التحتية اللبنانية المنهكة.
ليست صدفة أن تُلقّب الكويت بالأخت الحنون. فقد وقفت في محطات فارقة إلى جانب أشقائها، وكانت السباقة في المبادرات الإنسانية. إن ما يجمع الكويت بالعرب ليس فقط اللغة أو الدين أو الجغرافيا، بل هو شعور بالأخوة الصادقة.
من فلسطين الجريحة، إلى لبنان المثقل بالأزمات، إلى اليمن والسودان وسوريا، تظل الكويت الشقيقة التي تسند أشقاءها وتضمد جراحهم. وفي زمن طغت فيه لغة المصالح الباردة، لا تزال الكويت تذكر الجميع بأن التضامن الإنساني هو أساس بقاء الأمة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني