في ظل اجواء التوتر الإقليمي والدولي، جاء كلام الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أمس، بمثابة موقف محوري يعكس قراءة الحزب للمرحلة المقبلة، سواء في الداخل اللبناني أو على مستوى الإقليم. فالمنطقة، بحسب وصفه، تقف على «منعطف سياسي خطير»، عنوانه إعادة ترتيب الأولويات، ومحاولة فرض وقائع استراتيجية جديدة بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات من حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة.
ففيما يبدو ان منطقة الشرق الأوسط على اعتاب مرحلة جديدة من التوترات والتحديات، قد تكون أكثر تعقيداً من سابقاتها، مع اعلان الرئيس الفرنسي عن اعادة العقوبات الاممية ضد ايران نهاية الشهر الحالي، في قرار لا يُقرأ فقط من زاوية قانونية تتعلق بالامتثال للاتفاق النووي أو انتهاكه، بل يُفهم باعتباره جزءاً من صراع أوسع بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، يتجاوز البعد النووي ليشمل الأدوار الإقليمية، والتحالفات العسكرية، ومسارات النفوذ في ملفات اليمن وسوريا ولبنان والعراق وحتى الخليج.
فمن زاوية أعمق، تفتح هذه التطورات الباب أمام إعادة تشكيل ديناميكيات الصراع في الشرق الأوسط، في وقت يشهد الإقليم انتقالاً استراتيجياً دقيقاً، ومحطات مفصلية ستؤثر على توازنات الطاقة، وحركة التجارة، وأمن الملاحة، واحتمالات الانفجار الأمني في أكثر من ساحة.
فخلال كلمته في الذكرى السنوية الأولى «للقائد الحاج إبراهيم عقيل ورفاقه»، أطلق الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم مواقف وُصفت بـ»النوعية»، عكست مقاربة سياسية واستراتيجية للأحداث المتسارعة في المنطقة. فقد رأى قاسم أن إسرائيل، بعدما تخطت كل الخطوط الحمراء باستهدافها قادة حركة حماس على الأراضي القطرية، تعمل بدعم أميركي مكشوف على فرض هيمنتها الكاملة على العالم العربي. ومن هنا، شدد على أن الرد لا يكون بتوسيع الشرخ بين الدول العربية، بل بتوحيد الصفوف وفتح صفحة جديدة عنوانها التعاون والمواجهة المشتركة.
وفي هذا السياق، توجه قاسم بدعوة واضحة إلى المملكة العربية السعودية لتجاوز الخلافات السابقة والانتقال إلى مرحلة جديدة من التنسيق، انطلاقاً من كون إسرائيل عدواً مشتركاً يستهدف الجميع من دون استثناء. فكما دعا قاسم اللبنانيين سابقاً إلى التوحد في وجه العدوان، ها هو اليوم يوسّع نداءه ليشمل العرب قاطبة، وفي مقدمتهم السعودية بما تمثل من ثقل سياسي وديني. وأكد أن اللحظة الراهنة تتطلب مسؤولية عربية جامعة، خصوصاً بعدما أثبتت واشنطن انحيازها المطلق لإسرائيل عبر موقف مندوبتها في الأمم المتحدة مورغان أورتيغاس، التي رفضت قرار وقف حرب غزة رغم تأييد 14 دولة له.
بهذا المعنى، أعاد الشيخ نعيم قاسم التأكيد أن الفرصة سانحة لبناء معادلة عربية جديدة، تضع الخلافات جانبا، وتفتح المجال أمام شراكة استراتيجية تكون السعودية أحد أعمدتها الأساسية، بما يعيد للعرب القدرة على الإمساك بمصيرهم في مواجهة المشاريع الإسرائيلية ـ الأميركية.
حركة اقليمية يواكبها لبنانيا دفع جديد باتجاه تفعيل العمل الحكومي بعد فترة طويلة من الشلل المؤسساتي والجمود السياسي الذي عطّل العديد من الملفات الأساسية، خصوصًا أن الاستحقاقات الداهمة، من التفاوض مع المؤسسات الدولية، إلى تنفيذ الخطط الإصلاحية، وصولاً إلى الاستعداد للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة، تتطلب مؤسسات فاعلة قادرة على اتخاذ قرارات وتنفيذها.
فتفعيل العمل الحكومي لا يُعدّ مجرد خطوة تقنية، بل هو حدث سياسي بامتياز، يعكس توازنات القوى الداخلية، ومدى تجاوب مختلف المكونات مع الضغوط الدولية، لا سيما الفرنسية والعربية، لإخراج لبنان من حالة الشلل، كما يُنظر إليه كاختبار جدّي لإرادة الطبقة السياسية في تقديم تنازلات من أجل إنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة ومؤسساتها.
هذا النشاط الحكومي، يفترض ان تستكمله ورشة تشريعية، مع انطلاق العقد التشريعي العادي، في ظل الأزمات المتداخلة التي يعيشها لبنان على المستويات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، كخطوة محورية يُعوَّل عليها لتفعيل دور السلطة التشريعية واستعادة ثقة الداخل والخارج بالمسار الإصلاحي للدولة اللبنانية.
«ورشة»، لا تأتي بمعزل عن المناخ الإقليمي والدولي الضاغط، ولا عن التحذيرات المتكررة من المجتمع الدولي، لا سيما من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، حول ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية تبدأ من تحديث المنظومة القانونية والتشريعية في قطاعات مفصلية كالكهرباء، القضاء، المالية العامة، المصارف، والحوكمة، كفرصة لردم الهوة بين المؤسسات والمجتمع، وتحقيق حد أدنى من الإنتاجية البرلمانية، في بلد مثقل بالفساد والانهيار المؤسسي.
ورغم أن العناوين المعلنة قد تحظى بقدر من الإجماع، فإن ما يُقلق المراقبين هو مدى التزام القوى السياسية بجعل هذه الورشة منصة فعلية للإصلاح، لا مجرد محاولة لتجميل المشهد السياسي أمام الخارج، فالاختبار الفعلي يكمن في نوعية القوانين المطروحة، وجدية النقاشات، وآليات التصويت، ومدى قدرة البرلمان على تجاوز الحسابات الفئوية والطائفية.
وسط هذا المشهد تبرز العودة لملف قانون الانتخابات النيابية، الذي كان تراجع في الفترة الاخيرة، قبل ان تحرك الاطراف المسيحية مياهه الراكدة، وهو ما قاد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاطه ونجله تيمور الى عين التينة، لمناقشة الموضوع، في ظل «عدم راحته» لنتائج الانتخابات البلدية، وسط حديث عن مسعى «صديقه»، لتامين تحالف درزي متين عماده ثنائية جنبلاطية – ارسلانية.
وليس بعيدا، وفي اطار اللقاءات التنسيقية الدورية، بعد عودة المياه الى مجاريها، زار «كبير مستشاري» رئيس الجمهورية، اندريه رحال، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، الحاج محمد رعد، اذ كشفت مصادر مواكبة أن اللقاء كان صريحًا وواضحا، أعاد إطلاق مسار «الحوار المباشر» بين بعبدا وحارة حريك، حيث جرى مناقشة جميع القضايا والملفات المطروحة على الساحة الداخلية، من «استقرار» العمل الحكومي، الى الموازنة واعادة الاعمار التي يوليها حزب الله اهتماما كبيرا، رغم ان الطبق الاساس على الطاولة كان قانون الانتخاب والصراع حول مسالة «آلية» اقتراع المغتربين، حيث يسعى رئيس الجمهورية لتامين الدعم السياسي لوجهة نظره في هذا الخصوص، وسط «حرص» الفريقين على انجاز الاستحقاق في موعده الدستوري.
وتتابع المصادر انه في موازاة هذا الخط، ثمة خط آخر مفتوح مع اليرزة، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان واتساع رقعتها، نتيجة عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار على الرغم من كل ما التزم لبنان به، خصوصا مع تفعيل عمل لجنة «الميكانيزم».
رؤية لم تكذبها تل ابيب، اذ جاء التصعيد العسكري الإسرائيلي على الحدود الجنوبية عشية اجتماع لجنة «الميكانيزم» ووصول المسؤولة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، ليشكل محطة خطيرة تعكس عمق التوتر الاستراتيجي الذي يسبق أي محاولة لترتيب الأوضاع في الجنوب اللبناني ضمن أطر أمنية دولية.
ففي الوقت الذي تتكثف فيه المساعي الأميركية والدولية لاحتواء التصعيد المستمر تظهر تل أبيب إصراراً على فرض وقائع ميدانية جديدة، تجعل من أي نقاش حول مستقبل الوضع الحدودي مفخخاً بميزان قوى عسكري ضاغط، لا يمكن فصلها عن محاولة توجيه رسائل مباشرة لعدة أطراف أبرزها لواشنطن:
الولايات المتحدة الاميركية، بأن تل أبيب لن تقبل بأي تسوية لا تتضمن نزع التهديدات على حدودها الشمالية بشكل جذري.
كما أن التوقيت المتزامن مع وصول أورتاغوس يعكس سعياً إسرائيلياً للتأثير في المداولات الأميركية -اللبنانية، ولدفع واشنطن إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية بشكل أكثر صرامة.
وعليه، فإن هذا التصعيد لا يمثل مجرد رد فعل ميداني، بل يأتي في سياق استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إعادة ترسيم قواعد الاشتباك، وكسر أي أفق لتوازن ردع محتمل، بالتوازي مع تعطيل المسار السياسي الذي تسعى إليه واشنطن عبر لجنة «الميكانيزم»، تمهيداً لفرض ترتيبات أمنية تخدم أولويات إسرائيل، حتى وإن أدى ذلك إلى تفجير الوضع الميداني.
وعلى وقع المطالب الشعبية والحركة الاعتراضية في الشارع، ينشغل لبنان الرسمي والقطاع المصرفي، بدءا من الاثنين، بزيارة وفد صندوق النقد الدولي الذي سيطّلع على ما نفذته الحكومة من إصلاحات، سبق أن تمّ نقاشها خلال الزيارة الأخيرة للوفد في حزيران الماضي، حيث تشير المصادر المتابعة الى ان الصندوق يحمل رسالة واضحة الى بيروت مفادها «عدم السير باي اتفاق مع لبنان يُخالف منهجية العمل الدولية المتبعة تحت أي ظرف»، كاشفة ان الصندوق سيطلب بعض التغييرات في هذا القانون «إعادة إنتظام العمل المصرفي»، وفقا لما يقبل به المجتمع الدولي، مطلعا على تحضيرات الحكومة والمركزي المتعلقة بقانون «الفجوة المالية» وموازنة 2026، بإيراداتها ونفقاتها.
هذا ويغادر رئيس الجمهورية اليوم، متوجهًا إلى نيويورك، للمشاركة في حدثين بارزين يتعلقان بانعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومؤتمر حل الدولتين، على ان يبدأ الأحد سلسلة لقاءات مع عدد من الوفود المشاركة في الحدثين، قبل مشاركته الاثنين في مؤتمر حل الدولتين الذي تدعمه فرنسا ودول أوروبية وأميركية وعربية، وتعارضه تل ابيب وواشنطن.
أما الثلاثاء، فيشارك في افتتاح أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على أن يلقي كلمة لبنان الأربعاء، والتي ستركز على جملة الملفات، من موضوع العدوان الإسرائيلي المستمر وضرورة وقفه، إلى إعادة الإعمار، مستعرضا جهود العهد في بسط السيادة على كامل الأراضي اللبنانية، مطالبًا بدعم الجيش اللبناني لتنفيذ هذه المهمة.
وتكشف المعلومات ان اتصالات تجري لعقد اجتماع مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فيما لم تحدد اي مواعيد للوفد اللبناني سواء مع الرئيس الاميركي او وزير خارجيته، رغما ان الثابت حتى الساعة ان عون سيلتقي ترامب خلال العشاء التقليدي الذي يقيمه الاخير على شرف رؤساء الوفود المشاركة، حيث يلقي التحية عليهم.
وعَلِمَ أن الوفد الرسمي سيضم عددًا من المستشارين، من بينهم، رفيق شلالا، جان عزيز، أندريه رحال، والناطقة باسم الرئاسة نجاة شرف الدين، إضافة إلى عدد من المصورين الصحفيين. كما يرافق الرئيس عون، وفق المعلومات، عقيلته السيدة نعمت عون للمشاركة في أعمال لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة.
وعشية سفره، عرض رئيس الجمهورية مجمل هذه الملفات ، مع رئيس مجلس الوزراء وفي شكل خاص التطورات الأمنية الأخيرة في ضوء الاعتداءات الإسرائيلية على بلدات وقرى جنوبية وبقاعية، والاتصالات الجارية لمعالجة هذه التطورات. كما عرض الرئيسان لمسار مناقشة مشروع قانون موازنة 2026، إضافة الى الأوضاع العامة. كما بحث الرئيس عون مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل الأوضاع الأمنية في البلاد، واطلع منه على تفاصيل الاعتداءات الإسرائيلية على بلدات وقرى جنوبية، وعلى ما حققه الجيش في مجال مكافحة المخدرات في ضوء العمليات النوعية التي حصلت خلال الأيام الماضية في اطار القضاء على هذه الافة وتوقيف المرتكبين.
في حين اطلع الرئيس عون من وزير الطاقة والمياه جو صدي على نتائج المحادثات التي اجراها في باريس مع المسؤولين في شركة « توتال» والمتعلقة بالتنقيب عن الغاز في الحقول اللبنانية.
وفي امتحان جديد للالتزام لبنان «بالشروط الدولية»، وتحديدا الخليجية، وفي اطار الحملة المركزة التي تطال صناعة وتجارة المخدرات، بالتعاون والتنسيق بين الرياض – دمشق – بيروت، استكملت القوى الامنية والعسكرية ضرباتها بقاعا، وفي بيروت، مستخدمة قواتها البرية والجوية في عمليات المطاردة، استنادا الى معلومات استخباراتية داخلية وخارجية.
عملية البقاع كان سبقها عملية في بيروت، تحديدا محيط مخيم شاتيلا، استهدفت ما يُعرف بـ»الهنغار»، حيث أوقف عشرات الاشخاص، وضبط عدد من الدراجات النارية وكميات متنوّعة من الأسلحة والمخدرات، كما عمد الجيش إلى إزالة معظم كاميرات المراقبة التي كانت العصابات تستخدمها لرصد التحركات وتأمين حمايتها من أي عمليات نوعية ضدها.
ووفقا للمعلومات فان العملية كانت تستهدف ملاحقة تجّار المخدرات، وإزالة الغرف التابعة لهم داخل المخيم. فيما اشتبكت مع مجموعة وسيم حزينة وجماعة المدعو «عُدي» والمطلوب حسن نعيمة الملقّب بـ”جرافة”.