قبل إيام على موعد وصول الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس إلى لبنان لعقد لقاءات عسكرية لمناقشة جديد خطة حصرية السلاح بيد الدولة، صعّدت إسرائيل خرقها المتمادي لوقف إطلاق النار، بموجة عنيفة من القصف الجوي للبلدات والقرى في جنوب نهر الليطاني وشماله، متسببة بموجة نزوح جديدة، في غياب تام للجنة «الميكانيزم» التي يفترض انّه تّم تفعيلها خلال اجتماعها الأخير في حضور اورتاغوس وقائد المنطقة الوسطى الأميركية الاميرال براد كوبر.
قال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، إنّ الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب تجاوز اعتباره خروقات عادية، خصوصاً انّه أتى على أبواب اجتماع أعضاء الخماسية الأحد المقبل في حضور ارتاغوس. فهل تضع إسرائيل أمامهم واقعاً تقول لهم من خلاله بدل ان تطلبوا مني الالتزام بوقف إطلاق النار والانسحاب اطلبوا التخفيف من الضربات وعدم التوسع بموضوع الخرائط والتهديدات والإخلاءات والالتزام فقط بالخروقات السابقة؟ هذا سؤال كبير. وسأل المصدر: «إلى ماذا هدفت إسرائيل من خلال هذا التصعيد قبل 48 ساعة من اجتماع لجنة الإشراف على وقف اطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 1701؟». وأضاف: «من الواضح انّ التصعيد الجديد لا يمكن فصله عن ضربة قطر والعدوان على اليمن والرسائل إلى منطقة الشرق الأوسط». ودعا المصدر للالتفات إلى ما قاله الجيش اللبناني في بيانه، من انّ «هذا التصعيد الخطير يؤثر على عمله جنوب وشمال الليطاني».
ورأى المصدر «انّ إسرائيل أرادت من هذا العدوان الخطير أن تبعث رسالة إلى الهيئة الخماسية التي تعاود تفعيل عملها». كاشفاً عن قرار للجنة بعقد اجتماعين مرّتين في الشهر بدل مرّة واحدة وفي حضور الموفد الأميركي، إلى جانب الدور الأميركي من خلال الجنرال الذي يرأس اللجنة. مشيراً إلى «انّ اهتمام الولايات المتحدة حالياً بتفعيل عمل اللجنة ومتابعة الاجتماعات العسكرية، هل هو عضّ أصابع او تناغم. فعدم الجدّية بتحرّك الخماسية هو الذي يوصل العدو إلى مزيد من التفلت من الاتفاق ومن التسخين والتصعيد بشكل اخطر».
رسالة بالنار
وفي السياق، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، إنّ «الاعتداءات الواسعة التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على بعض بلدات الجنوب أمس، أعادت تأكيد المؤكّد، وهو انّ عدوانية تل أبيب هي المشكلة الأساسية التي تشكّل التحدّي الأكبر لسيادة لبنان ولقرار الدولة بسط سلطتها على كل أراضيها». وأشارت المصادر إلى «انّ محاولة تحوير هذه المشكلة في اتجاه الداخل لتصبح لبنانية ـ لبنانية ليست سوى تضييع للبوصلة»، مشدّدة على «انّ الأولوية يجب أن تكون لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال وإطلاق الأسرى، وبعد ذلك يستطيع اللبنانيون تدبير أمورهم والتفاهم على أفضل طريقة ممكنة لحماية بلدهم».
ولفتت المصادر إلى «أنّ الغارات الإسرائيلية امس، لم تستهدف فقط القرى التي قُصفت، وإنما أيضاً دور «الميكانيزم» التي كان مفترضاً أن يتمّ تفعيل عملها مجدداً برعاية أميركية»، معتبرة «انّ العدو الإسرائيلي أراد مرّة جديدة أن يوجّه رسالة بالنار مفادها انّه لا يحترم آلية اتفاق وقف الأعمال العدائية، وانّه مصمم على مواصلة التفلّت منها وامتلاك حرّية الحركة في لبنان». ولاحظت «انّ الغارات وقعت على بُعد أيام قليلة من زيارة مفترضة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ترمي إلى مواكبة خطة الجيش من كثب، ما يدفع إلى التساؤل حول حقيقة دور واشنطن التي لا تزال تتفادى الضغط على الكيان الإسرائيلي للجم عدوانيته، فيما تضع سلوك الدولة اللبنانية تحت المجهر من خلال زيارات شبه دورية للموفدين الأميركيين». وتوقفت المصادر عند بيان قيادة الجيش الذي حذّر من انّ «الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية تعوق انتشاره في الجنوب، واستمرارها سيعرقل تنفيذ خطته ابتداء من منطقة جنوب الليطاني»، ووجدت فيه «رسالة تنبيه واضحة من اليرزة إلى من يهمّه حصر السلاح».
المخاوف الحقيقية
وإلى ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، إنّ «المخاوف الحقيقية هي المتعلقة باحتمال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب على لبنان، سواء توازياً مع الاجتياح المقرّر لمدينة غزة أو بعد إتمامه. وهذا الاحتمال عبّر عنه الإسرائيليون أخيراً بوسائل مختلفة. وهو يذكّر بالتهديدات التي كانوا يطلقونها في بدايات «حرب الإسناد»، من توسيع الحرب على لبنان عندما ينتهون من الحرب في غزة.
وتوقفت المصادر باهتمام عند تعمّد إسرائيل رفع مستوى التوتر في الجنوب مساء أمس، إذ عمدت إلى شن هجمات بالمسيّرات على عدد من المواقع في قرى عدة، بعد اعتداءات جرت نهاراً. وهذا التسخين ترى المصادر الديبلوماسية أنّه ربما يكون بداية الانتقال من وضعية الاستنزاف السائدة في الجنوب إلى وضعية الحرب الواسعة مجدداً. وهذا الخوف يوليه أركان الحكم أهمية كبيرة، وقد بدأوا الاتصالات العربية والدولية لمحاولة تطويق مضاعفاته. وهذا ما ظهر في موقف رئيس الحكومة نواف سلام في مجلس الوزراء، كما سيكون الهدف الأول من اللقاءات التي سيعقدها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع القادة العرب والأجانب، خلال زيارته المقبلة لنيويورك لإلقاء كلمة لبنان امام الجمعية العمومية للامم المتحدة.
تنديد رئاسي بالغارات
وكان الجيش الإسرائيلي شن غارات جوية عنيفة استهدفت بلدات دبين وميس الجبل وكفرتبنيت وبرج قلاويه والشهابية ومرفأ الناقورة، وخلّفت أضراراً جسيمة في الممتلكات.
وندّد الرئيس عون بالغارات الإسرائيلية وقال: «انّ إسرائيل لا تحترم عمل الآلية ولا أيًّا من الدول الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية، وغاراتها الجوية انتهاك فاضح لقرار مجلس الأمن 1701. إنّ صمت الدول الراعية تقاعس خطير يشجع على هذه الاعتداءات. ويجب أن تخدم الآلية جميع الأطراف، لا أن تكون وسيلة لتغطية اعتداءات إسرائيل. لقد آن الأوان لوضع حدّ فوري لهذه الانتهاكات السافرة لسيادة لبنان».
وبدوره رئيس مجلس النواب نبيه بري قال: «إنّ الاعتداءات الإسرائيلية مساء اليوم (أمس) على القرى الآمنة في جنوب لبنان في الشهابية وبرج قلاويه وأطراف النبطية الفوقا وكفرتبنيت وميس الجبل ومساء أمس في مدينة بعلبك، متزامنة مع الاستهداف اليومي للمنازل في القرى الحدودية في عيتا الشعب وكفركلا وعيترون ويارون، تتجاوز في طبيعتها من كونها خروقات لإتفاق وقف إطلاق النار، والتي بلغت وفقاً لبيان قيادة الجيش أكثر من 4500 خرق، هي عدوان على لبنان وعلى سيادته وعلى جيشه وعلى قوات «اليونيفيل» والمهام المنوطة بهما، في محاولة لعرقلة عملهما في منطقة جنوب الليطاني إنفاذاً للقرار الأممي 1701 الذي التزم به لبنان بشكل تام، وهو يستكمل ما هو مطلوب منه في هذا الإطار». وأضاف: «مجدداً نضع هذا العدوان برسم المجتمع الدولي والدول الراعية لإتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية، للمسارعة بإتخاذ الإجراءات الفورية وإرغام إسرائيل ومستوياتها السياسية والعسكرية لوقف اعتداءاتها فوراً». ودعا «جميع اللبنانيين بكافة مستوياتهم» إلى «العمل من أجل ترسيخ وحدة الموقف في مواجهة العدوانية الإسرائيلية التي تستهدف لبنان كل لبنان».
وأعلن وزير الاعلام بول مرقص بعد جلسة مجلس الوزراء، انّ رئيس الحكومة «تبلّغ التهديدات الإسرائيلية، والتي ما لبثت أن تحولت اعتداءات على لبنان. وكرّر موقف الحكومة اللبنانية المتمسكة بمسار وقف الأعمال العدائية، واكّد انّ الحكومة منخرطة في اجتماعات «الميكانيزم»، ولكن السؤال المشروع اليوم هو: أين هو التزام إسرائيل بهذه الآليات؟ وكيف يُعقل أن تستمر في ممارسة الترهيب والاعتداءات، فيما يُفترض بهذه الاجتماعات أن تضمن التطبيق الكامل للقرار 1701 ولوقف العمليات العدائية».
قيادة الجيش
وقالت قيادة الجيش اللبناني في بيان: «يواصل العدو الإسرائيلي خروقاته التي فاق عددها 4500 خرق منذ دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ، عقب عدوانه الأخير على لبنان في العام 2024. في هذا الإطار، يستمر العدو الإسرائيلي في اعتداءاته على المواطنين وآخرها استهداف عدد من القرى الجنوبية اليوم (أمس)، بالإضافة إلى المدنيين في عدة مناطق آهلة، ما يسفر عن وقوع شهداء وجرحى. يتزامن ذلك مع خروقاته المتمادية للسيادة اللبنانية برًّا وبحرًا وجوًّا، وارتكاباته المستمرة ضدّ سكان القرى الحدودية، بما في ذلك إطلاق القنابل الحارقة وتفجير المنازل». واعتبرت «إنّ هذه الاعتداءات والخروقات تعوق انتشار الجيش في الجنوب، واستمرارها سيعرقل تنفيذ خطته ابتداءً من منطقة جنوب الليطاني».
جونسون
في هذه الأثناء، شدّدت السفيرة الأميركية في بيروت، ليزا جونسون، على أهمية الدور الذي يؤديه الجيش اللبناني منذ اتفاق وقف إطلاق النار، واصفة أداءه بـ«الجبّار»، لكنها رأت في الوقت نفسه أنّه «غير كافٍ»، مشيرة إلى «الحاجة إلى خطوات إضافية لتعزيز الاستقرار في البلاد». واعتبرت «أنّ القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في شهري آب وأيلول بشأن سحب السلاح غير الشرعي تُعدّ خطوة مهمّة في الاتجاه الصحيح، لكنها غير كافية بمفردها لتحقيق الأهداف المرجوة».
كلمات دلالية: ان لبنان إسرائيل الجيش وقف الإسرائيلية هذا الإسرائيلي |