بعد الشهر الصعب الذي عاشه لبنان بين 5 آب الماضي و5 ايلول الجاري، وتعمّقت فيه الانقسامات الداخلية، حول ملف سلاح «حزب الله»، ودفعت بالبلد بصورة عامة إلى حافة السقوط في هاوية خطيرة، يبدو أنّ فرصة قد مُنحت للبلد لالتقاط أنفاسه وإعادة ضبط مساره في اتجاه تنفيس الإحتقان واحتواء التوترات السياسيّة وغير السياسيّة، والانصراف الكلّي من قبل السلطات إلى استكمال المسار نحو حسم أولويات البلد وضروراته في هذه المرحلة. وعلى ما يقول العارفون بخبايا الامور، فإنّ الجلي في هذه الفرصة التي عُمِل بها من دون الإعلان عنها، أنّها وليدة شراكة بين كلّ المعنيّين الداخليّين والخارجيّين، بملف السلاح، الذين استهولوا هذا الانحدار، وبنت مخاوفهم من تداعياته على أمن البلد واستقراره، مساحة مشتركة في ما بينهم، لفرملة تدحرجه الذي كان قاب قوسين أو أدنى من لحظة الاصطدام.
حقبة جديدة
ما انتهت إليه جلسة مجلس الوزراء الجمعة الماضي، وكما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، قد قدّم خدمة جليلة للبلد، ونفّس البخار من رؤوس المستثمرين على الأزمة والنافخين في نارها سياسياً وطائفياً، وأحبط هدفهم في دفع الأمور إلى نقطة اللاعودة»، مضيفاً أنّه «بعد إطفاء فتيل اشتباك السلاح، بدأت تلوح في الأفق اللبناني حقبة جديدة، مرهونة إيجابياتها وكذلك سلبياتها بالأداء السياسي وكيفية مقاربة الملفات، وخصوصاً الملفات الشائكة والخلافية. ومن هنا فإنّ العبرة ليست في هذه الفرصة المتاحة فحسب، بقدر ما هي في اغتنامها بصورة جدّية، خصوصاً من قِبل أطراف الصراع حول السلاح، لمراكمة عوامل التحصين الداخلي في مرحلة هي الأصعب في تاريخ المنطقة ومن ضمنها، وعدم التعامل معها كفرصة موقتة أو كاستراحة محارب، يعود بعدها المتحاربون إلى التموضع من جديد خلف متاريسهم في حلبة الاشتباك».
بحسب ما هو سائد في الأوساط الداخلية، فإنّ ثمة تحوّلاً واضحاً في المزاج السياسي، وكلّ الأطراف تتشارك في ليونة الخطاب خلافاً لما كان عليه الوضع بعد جلستَي 5 و7 آب الماضي، وهو ما عكسته حركة الاتصالات التي ارتفعت حرارتها بعد جلسة الجمعة، بدت فيها الأجواء الداكنة وكأنّها بدأت تميل إلى الصحو، وأنّ الاحتقان الذي تورّم بصورة خطيرة حول ملف السلاح، قد نُفِّس بشكل ملحوظ عمّا كان عليه ما قبل تلك الجلسة، وما ينبغي لحظه في سياق هذه الاتصالات، أنّها حملت في غالبيتها ما بدت أنّها تهانٍ مشتركة في تجاوز قطوع السلاح وإخراج البلد من عين العاصفة التي كانت تتهدّده.
وضمن سياق النتائج الإيجابية المباشرة لتجاوز هذا القطوع، أنّ طبقة الجليد والالتباسات التي تراكمت على الخطوط الرئاسية قد بدأت بدورها بالذوبان، وها هي العلاقة بين الرئاستَين الأولى والثانية تعود إلى سابق عهدها. وشهد يوم أمس أول تواصل مباشر بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري منذ جلسة 5 آب، وعكس رئيس المجلس في نهايته، وعلى طريقته، إيجابيات ملحوظة بقوله أثناء مغادرته القصر الجمهوري: «ببركات ستنا مريم كل شي منيح».
مصادر واسعة الإطلاع وصفت لـ«الجمهورية» اللقاء بين الرئيسَين عون وبري، بأنّه «كسابقاته وديّ جداً وأكثر من ممتاز، تشارك فيه رئيسا الجمهورية والمجلس الحرص على التعاون الكامل في كلّ ما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيِّين، وعلى الجهد المشترك حول كلّ ما يمكن أن يحمي البلد ويحفظ سيادته، ويرسّخ أمنه واستقراره، ويجنّبه السقوط في أي منزلقات». وأكّدت أنّ هذا التلاقي بين الرئيس عون وبري، سيسحب نفسه تلقائياً، وربما بصورة عاجلة، على العلاقات بين الرئاستَين الثانية والثالثة. علماً أنّ حركة الاتصالات لم تنقطع طيلة الفترة الماضية.
ما قبل 5 آب
على أنّ ما انتهى إليه مجلس الوزراء الجمعة الماضي على أهمّيته، لم يحسم الجدل حول ملف السلاح، الذي بقيَ حاضراً في بعض الإعلام، إنّما بوتيرة أخف حدّة، بين من يقول بأنّ قرار سحب السلاح ما زال سارياً وسيُنفّذ حتماً وفق توقيت الجيش اللبناني، وبين من يقول أنّه تمّ تنييم ملف السلاح إلى أجل غير مسمّى، بإيحاء مباشر من قبل قوى كبرى، ملمّحاً بذلك إلى دور مباشر للأميركيِّين بصورة خاصة ومعهم حلفاؤهم العرب الذين ضغطوا لسحب السلاح، وكذلك إلى دور مباشر وربما غير مباشر للإيرانيِّين في هذا الأمر.
وبمعزل عن أيّ من هذَين المنطقَين يتمتع بشيء من الدقة والصدقيّة، فإنّ مرجعاً كبيراً ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، لم ينفِ أو يؤكّد وجود عامل خارجي في الاتصالات التي أفضت إلى سحب فتيل تفجير ملف السلاح، واكتفى بالقول: «ما حصل فيه مصلحة للجميع من دون استثناء، هناك جهد كبير حصل، وما يهمّنا من كل ذلك هو أن نأكل العنب». وهو ما تجلّى واضحاً في البيان الصادر عن مجلس الوزراء.
ولفت المرجع الانتباه إلى أنّ «لا أحد ضدّ مبدأ حصرية السلاح، لكن هذا الأمر له ظروفه واعتباراته وحساسيّته، ولا يتمّ بمنطق التحدّي، والعلاج واضح وحدّده بيان مجلس الوزراء، وخصوصاً في نصّه وعلى استراتيجية الأمن الوطني، وعلى إنهاء العدوان الإسرائيلي وانسحاب العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق الأسرى، وعلى حق لبنان في الدفاع عن نفسه وفق المواثيق الدولية. في هذا الأمر الكرة ليست في ملعب لبنان بل هي في ملعب الأميركيِّين للضغط على إسرائيل للإلتزام بوقف إطلاق النار ووقف العدوان والانسحاب. وثمة إشارات وردت أخيراً من الأميركيِّين تُفيد عن تفعيل دورهم في هذا المجال، ولاسيما في لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».
وعمّا إذا كان قرار سحب السلاح قد انتهى، أوضح: «لا نقول أنّه بقي أو انتهى، المهم أنّه كانت هناك غيمة داكنة وانقشعت، انتهى التشنّج، وأصبحت الأجواء مريحة، ومن شأن هذه الأجواء أن تعزّز إمكانات التوافق على أي من الأمور ومقاربتها بواقعية ومسؤولية وطنية بعيداً من التسرّع وتهوّر المَوتورين وتحريضهم وصبّهم الزيت على النار لخدمة غاياتهم. وتبعاً لذلك، كل الأطراف أبدت رغبة بإعادة الوضع إلى طبيعته، وتشاركنا جميعاً في تفكيك القنبلة الموقوتة. وأعتقد أنّ الأمور عادت إلى ما كانت عليه قبل جلسة مجلس الوزراء في 5 آب».
واشنطن تريد التهدئة
إلى ذلك، وفي موازاة الأخبار التي يجري بثها عبر منصات، وتشير إلى أنّ واشنطن مصرّة على سحب سلاح «حزب الله» ولن يُثنيها شيء عن قرارها بإتمام هذا الأمر، أكّد مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»، «أنّ الأجواء التي تلت قرار الحكومة بسحب سلاح «حزب الله»، أقلقت الجميع في الداخل والخارج، وهذا ما لمسناه من خلال الاتصالات أو المراسلات بين حين وآخر». أضاف: «ما من شك أنّ الأميركيِّين يريدون سحب سلاح «حزب الله»، والأخبار التي تردنا تشير إلى أنّ أصواتاً أميركية ومن باب الضغط على لبنان، دفعت إلى نزع السلاح بالقوة، لكن هذا الأمر يتأكّد خلافه في اللقاءات المباشرة، وخصوصاً في اللقاء الأخير مع الوفد الأميركي الموسع، والذي ضمّ توم برّاك وليندسي غراهام ومورغان أورتاغوس، فإكّد لنا الأميركيّون بصورة واضحة أنّ أولوية واشنطن هي الحفاظ على استقرار لبنان، ولا تريد أن يحصل فيه أي مشكل يهدّد أمن لبنان واستقراره. معنى ذلك أنّ الأميركيِّين لا يُريدون الفوضى في لبنان، على عكس إسرائيل التي جاء رفضها للورقة الأميركية كمحاولة للدفع إلى مواجهة بين الجيش اللبناني و«حزب الله» في موضوع سحب السلاح».
ضرر عام على المصالح
وفي هذا السياق أيضاً، أكّد مصدر ديبلوماسي عربي رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، أنّ «وضع لبنان حساس جداً، ومن الضروري أن يلقى مساعدة من الدول الصديقة والشقيقة مع مراعاة خصوصياته وظروف وتوزّعات مكوّناته». وأكّد المصدر «أنّ لبنان تجاوز أزمة حقيقية، كان يمكن للضرر الناتج منها أن يكون شاملاً بخطورته، ليس فقط على مصير لبنان، بل على مصالح كل القوى الخارجية فيه».
إسرائيل: لا انسحاب
في هذا الوقت، وفيما يؤكّد لبنان على أنّ الكرة هي في ملعب الراعي الأميركي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والانسحاب من الأراضي اللبنانية، جدّدت إسرائيل رفضها الانسحاب، إذ نقل الإعلام العبري عن مسؤولين إسرائيليِّين قولهم «إنّ اللبنانيِّين يطلبون من إسرائيل أن تنسحب من المناطق التي تحتلها جنوبي لبنان، وهذا الأمر لن يحصل، لأنّنا نريد حماية السكان وبلدات الشمال، وأنّه لا توجد إمكانية للحكومة اللبنانية لنزع سلاح «حزب الله»، من دون الجيش الإسرائيلي».
تحذير أميركي
إلى ذلك، اعتبر موقع Homeland Security Today الأميركي، أنّ الضغط الحالي لنزع سلاح «حزب الله» ليس تعديلاً تكتيكياً، بل هو اختبارٌ لسلامة لبنان البنيَوية.
ولفت إلى «أنّ دعوات نزع السلاح تتخذ منطقًا ثنائياً: إمّا أن يُسلّم «حزب الله» سلاحه، أو أن تستعيد الدولة اللبنانية سيادتها الكاملة. لكن هذا التأطير يتجاهل الواقع العملي، فنزع السلاح، في هذا السياق، ليس نقلاً للسلطة، بل هو قطيعة، وهو يُهدّد بانهيار ليس فقط الوضع العسكري لـ«حزب الله»، بل أيضاً التوازن الهش الذي يُحافظ على وحدة لبنان. وإذا تمّ نزع سلاح الحزب من دون إعادة ضبط البنية التحتية المحيطة، فقد لا تكون النتيجة توحيداً وطنياً، بل قد تكون تآكلاً منهجياً. التهديد الحقيقي ليس المواجهة، بل الإنهيار. في الواقع، يجب إعادة صياغة نقاش نزع السلاح، كمسألة توافق هيكلي. فمن دون هذا التحوّل، يُخاطر لبنان باستبدال التوتر المرئي بانهيار غير مرئي».
ودعا الموقع إلى وجوب «إعادة صياغة نقاش نزع السلاح ليشمل مسألة التوافق الاستراتيجي. فأيُّ دولةٍ قادرةٍ على استيعاب «حزب الله» من دون أن تنهار؟ وأيُّ بنيةٍ قادرةٍ على احتواءِ أطرافٍ هجينةٍ من دون أن تتفكّك؟». وخلص إلى التأكيد على أنّ «لبنان يقف عند مفترق طرق، ويتزايد الضغط لنزع سلاح «حزب الله»، لكنّ تكلفة القيام بذلك من دون إعادة ضبط البنية التحتية باهظة بشكل خطير. التهديد ليس المواجهة، بل الانهيار. والانهيار سيكون صامتاً، ومنهجياً، ولا رجعة فيه».
إمبراطورية المخدّرات
وفي سياق أميركي آخر، ذكرت شبكة Fox News الأميركية، أنّ «الخبراء يرَون أنّ الضربة الأميركية القاتلة في منطقة البحر الكاريبي هي الخطوة الأخيرة في حملة أوسع نطاقاً لتفكيك إمبراطورية المخدّرات المتنامية التابعة لإيران و«حزب الله» في فنزويلا. ونقلت عن مسؤولين أميركيِّين قولهم إنّ شركة Tren de Aragua تعمل بشكل وثيق مع «كارتل الشمس»، أو ما يُعرف بـ Cartel of the Suns، وهي شبكة من النخب العسكرية الفنزويلية المتهمة منذ فترة طويلة بنقل الكوكايين بالتعاون مع حزب الله».
وأعلنت المتحدّثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي للشبكة، إنّ «الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ العديد من الإجراءات مثل فرض عقوبات على كبار المسؤولين والمسهّلين الماليِّين، وذلك بهدف الحدّ من وكلاء إيران مثل «حزب الله». لقد أثبت الرئيس أنّه سيحاسب أي جماعة إرهابية تهدّد الأمن القومي لبلدنا من خلال تهريب المخدّرات بهدف قتل الأميركيِّين». وكشف براين تاونسند، وهو عميل خاص متقاعد من إدارة مكافحة المخدّرات، للشبكة: «كانت هذه ضربة حاسمة ضدّ تجار المخدرات»، وأضاف أنّ «دور «حزب الله» نادراً ما يكون مرئياً لكنّه ضروري. إنّهم لا يُلطّخون أيديهم. بدلاً من ذلك، يغسلون الأموال ويوفّرون شبكات لمساعدة الكارتلات على إرسال الأموال عبر الشرق الأوسط. ببساطة، يأخذون نسبة من تجارة المخدّرات، التي تُموّل عملياتهم في الشرق الأوسط».
ألفا دولار لمستشاري الوزراء؟
على وقع إعلان جدول أعمال الجلسة الحكومية التي ستنعقد اليوم، وتضمّنها بند رفع قيمة مستحقات المستشارين في الوزارات من 6 ملايين ليرة إلى 180 مليوناً (أي ما يعادل حوالي 2000$)، واستياء أوساط في القطاع العام لاعتبارهم أنّهم من مستحقي الزيادات أيضاً، أوضح وزير المال ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا المبلغ تصحيح لمستحقات المستشارين، وهو لا يعني أنّه لشخص واحد. ما فعلنا هو أنّ قيمة الأتعاب المدفوعة سابقاً على سعر صرف 1500 ليرة ضربناها على صرف اليوم (89500 ليرة). لتوضيح الأمر بعض الوزراء يملكون 3 و4 مستشارين لذلك يُقسم المبلغ عليهم».