من السذاجة ـ أو ربما من سوء النية ـ أن يحاول البعض تصوير الطائفة الشيعية في لبنان كأنها "تابعة لإيران" أو "مرتهنة لولاية الفقيه"، متناسين أن كل طائفة لبنانية لها امتدادها العقائدي والروحي خارج حدود الوطن. فالمسيحيون يتصلون بالفاتيكان في روما، والسنة مرتهنون إلى الأزهر في القاهرة والرياض في الحجاز، ولم يقل أحد إن ذلك يلغي لبنانيّتهم أو يجعل ولاءهم مرتهنًا للخارج. فلماذا يصبح الأمر تهمة فقط عندما يتعلّق بالشيعة؟
الحقيقة التي لا يستطيعون إنكارها أنّ هذه الطائفة لم تكتفِ بالكلام، بل أثبتت بالفعل أنها أكثر التصاقًا بأرضها وأكثر تضحية في سبيل كرامة لبنان. منذ مقاومة الاستعمار الفرنسي، إلى مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، وصولًا إلى كسر مشروع الهيمنة الصهيو-أميركية، كانت دماء أبناء هذه الطائفة وقود التحرير وحصن السيادة.
المواطنة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات، ولا تُمنح في المقاهي السياسية ولا في صالونات الإعلام. المواطنة تُقاس بالفعل، بالتضحية، وبمن يضع جسده ودمه في مواجهة العدو. وإذا كان معيار الوطنية هو الدفاع عن الأرض، فشيعة لبنان لم يتركوا مجالًا للشك: هم أبناء هذا الوطن، وحُماته الأوائل.
نعم، للشيعة عقيدتهم الممتدة، كما لغيرهم عقائدهم. لكن العقيدة هنا ليست تبعية، بل قوة دفع جعلت منهم رأس الحربة في المقاومة والتحرير. أما التبعية الحقيقية فهي فيمن يبيع موقفه للغرب، أو يرتهن سيادته لعواصم القرار الأجنبية.
لذلك يجب أن تُرسَّخ القاعدة: الوطنية فعل، وليست شعارًا. المواطنة تضحيات، وليست بيانات. ومن أراد أن يشكك في انتماء الشيعة، فليجب أولًا: من الذي قدّم الدماء ليبقى لبنان مرفوع الرأس؟ ومن الذي حمى أرضه حين تخلّى الآخرون؟
الجواب أوضح من أن يُجاب: إنها الطائفة التي أرادوا تشويه صورتها، لكنها أثبتت أنها قلب لبنان المقاوم، لا رهينة لأحد، بل أمة في أمة، ووطنيتها أقوى من كل افتراء.
ومن اتهم الشيعة بالتبعية، فليتعلم منهم معنى الحرية.