2025- 09 - 04   |   بحث في الموقع  
logo مع كبتاغون وكلاشينكوف.. كمائن محكمة تُسقط عصابة سرقة سيارات logo قبل حلول الشتاء.. "تجار جونية وكسروان الفتوح" يطالبون بتنظيف المجاري logo كركي: لوضع استراتيجيّة وطنية وحماية العاملين في القطاع غير المنظم logo في 8 أشهر فقط.. نسبة حوادث السير ارتفعت 28% logo البطريرك الراعي يعين مجلسًا عامًا جديدًا للرهبانية logo تهاني بمناسبة المولد النبوي الشريف logo تدابير سير في شارعي ربيز والمقدسي - بيروت logo حيدر: لا انسحاب من الحكومة حالياً والخيارات مفتوحة
كرامة لبنان والعالم: قضية د. بنجامين بلوط، الحر الماسوني وشكواه القضائية ضد توم باراك...(ناجي علي أمّهز)
2025-09-04 12:05:55

إن يكن الهيكل في أورشليم، فلن يعلو دون أرز لبنان يظلّله.
وإن تكن ميخا ميخا قدّاسةً في تعاليمنا منذ أربعة آلاف عام، فإن أجراس القيامة لا تُسمع إلا من وادي قنوبين.
هنا، منذ عهد نوح ويافث، ومن يد أهولياب اللبناني الذي صنع التابوت، صنعنا نحن مجد الحضارة، ووهبنا الدنيا معنى الإمارة.

ذلك هو لبنان، اللبنة الاساسية في الثورة الفرنسية التي لم تشتعل من فراغ الوجود، بل من تضوُّر الأجساد وومضات الفكر في العقول. تراكبت مَظالِم قرون، ومعها توالت تساؤلات الروح: كيف يُسحق الشعب تحت نير الأتاوات بينما النبلاء والكهنة يرفلون في بهرج النعيم؟ وبأي حق يُتوَّج الملك بإرادة سماوية مزعومة، فيما الأرض تعجز عن إطعام الجياع؟ ثم أشرق فولتير وروسو ومونتسكيو، حملة قبس التنوير الذي ألهبَ أرواح الماسونية، فاندلعت فرنسا ثورةً زلزلت أركان العالم، وأطلقت ثلاثية الحرية والمساواة والإخاء كشعار أزلي للإنسان المتجدد.

لبنان، هذا الكيان الجغرافيّ الضئيل الذي يختزن عمق الكون، كان الصياغة في تلك المسارات الكبرى. حيث جبلت الكرامة صخور جباله الصلبة، ومن صدى اوديته اصبح للصوت معنى، وعلى شواطئ جبيل نُقش الحرف الأول الذي غدا جسرًا بين العقول، ومن عرش أرزه استلهمت الحضارات ومن خشبه البخور رمزا للخلود. في كل إشراقة حقبة، كان للبنان دور عالمي يتجاوز ضيق مساحته. وهكذا نرى اليوم أن أبناءه المنتشرين، وقد ارتوت أرواحهم من معين صنين، يحملون في جوهرهم ما يشبه عهدًا كونيًا.

من هنا يتجلى اسم الدكتور بنجامين بلوط، اللبناني ـ الأميركي، المحترم الحر الماسوني العريق. لم يكن دفاعه منحصرًا في ثغر لبنان، بل امتد ليرتفع صرحًا للدستور الأميركي وتجذيرًا للقانون وللقيم الإنسانية التي حلمت بها وكرستها الفلسفة الماسونية. كان دفاعه عن تجسيد لبنان نفسه: وطن الرسالة، منارة الكرامة، موطن لا يرتضي الهوان أبدًا. حين انتصب ورفع دعواه ضد المبعوث الأميركي توم باراك، لم يكن فعله مدفوعًا بخصومة شخصية، بل من محراب الدفاع عن مفهوم أعمق: أن الكينونة اللبنانية تتسامى عن وصف باراك، وأن الكلمة هي جوهر حرمة الإنسان، وأن لبنان يستحق تبجيل من يخاطبه.

كان يجب أن يشمخ باراك بالبنانيين وهو اللبناني الذي يتحدث من تربة رسمت معالم جسده ومن تاريخ عمره 6 آلاف سنة تكون بعمق وعيه، ومن تعايش ديني ودنيوي جمع أنبل معالم التحضر في الوطن العربي والعالم.

ربما هناك من أفهم باراك أنه يجب نزع كل عزة للبنانيين، وأعز ما يملكه اللبناني هو الكرامة، وأنت أخطأت بحق كرامتنا.

حقيقة، هناك من باع لبنان بفضة قليلة، لكن نحن نشتريه بالملح والكبريت، بالنور والنار. وعليك أن تعلم وتعرف بأن لبنان هو حجر الزاوية الذي عليه ينهض الشرق بحرياته وتنوعه واعتداله، فلا يقنعك أحد بأنهم قادرون على رذله، فنحن لدينا ملائكتنا ورُسُلُنَا، وهم من هيكل لبنان انطلقوا إلى العالم ومعهم مشعل الأمل بانطلاقة الإنسان، وأنت حقرت الإنسان اللبناني الذي يمثل إنسانية وإنسنة العالم.

توم باراك كان يجب أن تكون لافاييت لبنان في أمريكا كما كان لافاييت أمريكا في فرنسا، وقد حزن عليه جورج واشنطن وكرّمه أشد تكريم. تذكر دائمًا بأنه لا أحد أكبر من وطنه ولبنان وطنك، وطوائفه أهلك.

لقد كانت تصريحات باراك، حين نعت الصحافيين اللبنانيين بسلوك "حيواني"، تجاوزًا للفظ؛ كانت إيقاظًا لوعي الإرث الاستعماري الذي طالما عامل شعوب الشرق كذوات قاصرة. وهنا كان رد بلوط الحاسم: لا، لبنان ليس مجرد حديقة خلفية لأي سلطة. لبنان هو المهد الذي أهدى العالم أبجدية التحرر، ولن يُهان.

الدعوى التي أقامها بلوط لم تُبْنَ على سعي مادي، بل على مطالبة باعتذار يصدح في العلن، وعلى ترسيخ حقيقة أن تقدير الذات الإنسانية هو جوهر أي دبلوماسية في هذا القرن الحادي والعشرين. استند إلى مواثيق فيينا، إلى بنود الدستور الأميركي الماسوني، وقمم مبادئ حقوق الإنسان. لكن الأبلغ من كل ذلك، أنه استند إلى جذوة داخلية من العزة والكبرياء والنبالة، وهي ذات الجذوة التي صانت لبنان عبر الدهور، على الرغم من قسوة الفقر ومرارة الحروب وتغلغل التدخلات.

فإذا كان سِفْر التاريخ قد علمنا أن الثورة الفرنسية انبثقت من تراكم المهانة، فإن لبنان اليوم يصدح للعالم بأن عزة النفس ليست ترفًا روحيًا. الكبرياء في النفوس هو الشرط الأوحد للسلام العميق، وللحرية الأصيلة، ولقيام صرح الأوطان. وما يسطّره بنجامين بلوط ليس سوى صرخة وجودية باسم لبنان ـ ذلك الوطن المتناهي في صغر حجمه، اللامتناهي في إصراره على نيل حصته من شمس الوجود.

إلى كل أحرار الفكر في العالم،#
إنّ للبنان دينًا عليكم، دينًا لا يُحصى بمال ولا بعهود أو رموز، بل يُقاس بميزان الكينونة البشرية. اليوم، لا يكفي أن نطالب الموفد الأميركي توم باراك بالاعتذار، بل يجب أن نُسمِع كينونة العالم بأسرها أنّ الإنسان لم يُخلق ليكون مُهانًا، ولا لِيُعامَل كظلّ أو كوسيلة لتنفيس نزوات الغضب. الإنسان وُجد ليكون سيّد ذاته، متحررًا بعقله، عزيزًا بكرامته الفطرية، مُكرّمًا بإنسانيته السامية.

لبنان، هذا الكيان المتواضع جغرافيًا، المتكئ على رسالته الكونية، ينطق بصوت أبنائه: الكرامة هي حق وجودي. ومن يستهين بالكلمة، يستهين بأمة، ومن يستخفّ بحرية الصحافة، يستخفّ بالحرية كفكرة مجردة.

فلنكن صرخةً متوحدة: أن لا مقام بعد اليوم لخطاب الاستعلاء الاستعماري، ولا لذهنية السيد والعبد. الكينونة البشرية ستبقى أعظم من كل سلطة، والكرامة ستظلّ أقدس من كل عرش. لبنان يقف، ومعه تنتصب قامات الأحرار، ليُذكروا الدنيا أنّ الحرية ليست مجرد شعار، بل هي دمٌ يسري في شرايين الوجود، ورسالةٌ لا تنكسر أبدًا.




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top