فيما عين السياح مصوّبة على إهدن ومهرجاناتها في فصل الصيف، تبقى بحيرة بنشعي وجهتهم في المواسم كلّها. وهي تحوّلت على مرّ السنين وجهة سياحيّة بارزة في قضاء زغرتا نظراً إلى جمال طبيعتها وتنوّع النشاطات فيها وكثافة المطاعم على ضفافها. فهي تؤمّن للسائح راحة واسترخاء، ومناظر خلّابة، وأطباقاً لذيذة متنوّعة تجمع المطابخ العالمية، وتنزّهاً في القوارب وعلى الأرصفة أو حتّى ركوب عربات الخيل والدراجات. كلّ هذا وأكثر تجده في بحيرة بنشعي التي تعدّ مكانًا مثاليًا للعائلات والأفراد الذين يبحثون عن قضاء وقت ممتع في الهواء الطلق بعيدًا عن صخب المدينة.
تجربة متحف الحيوانات المحنّطة
جمال البحيرة يخطف الأنظار عن أبرز معالمها المخفية وأكثرها فرادة: متحف الحيوانات المحنّطة الذي لم يحصل على حقّه في الرواج. إذ لا مثيل له في لبنان والمنطقة من حيث غناه وكثافة المعروضات، ويعتبر مثابة موسوعة طبيعية للحيوانات، كما يقول مؤسِّسه شربل مارون.
تجربة المتحف تشبه سفراً برّياً وبحرياً وفضائياً إلى القارات الخمس في آن، إذ يقدّم صورة شاملة للتنوّع الطبيعي الحيواني على الأرض من خلال ما يزيد عن 3000 عنصر طبيعي استغرق تجميعها سنوات. والتفتيش عن قطع نادرة لضمّها إلى المجموعة الضخمة في المتحف مستمرّ بعدما توقّف خلال أزمة 2019 الاقتصادية.
عالم الحشرات، والزواحف، والبحار والفراشات وغيرها موجود في الطابق الأرضي: تبدأ الجولة بمعروضات لأصداف البحر، ونجومه، ومرجانه، وحشراته، وحيواناته. ويقف الزائر أمام واجهات زجاجية تضم مئات الأصناف من الفراشات المختلفة الأحجام والألوان، عرضاً للزواحف والحشرات، والضفادع، والسلاحف. وهي معروضات لا نشاهدها عادة في حياتنا اليومية، في المحيط الذي نعيش فيه.
الطبقة العليا تحتوي على معروضات من عالم الحيوانات الكاسرة والمفترسة، والطيور من مختلف الأصناف، والأحجام، والألوان، والهويات، منها الببغاوات، والبوم، والكواسر، والدواجن، والرواكض، والغربان على أشكالها وغير ذلك. ويجد الزائر نفسه أمام مخلوقات لم يسمع بها. وضخامةُ بعض المعروضات تُشعرك بأنّ الحيوان غير نافق، وكأنّه سيصدر صوتاً، ما يجعلك في دهشة من دقّة تحنيط المعروضات المستوردة بأكثريتها.
عمليات تحنيط متّقنة
كلّ واجهات العرض مُنارة بما يعطي المحتويات أبعادها التفصيلية. ومحبو الاكتشاف والباحثون عن المعرفة العلمية يحتاجون أكثر من يوم كامل للتعرّف بعمق على المتحف وسبر أقسامه كلها.
منذ 14 عاماً افتتح المتحف لهدفين أساسيين: التوعية لعدم اصطياد الحيوانات والتشديد على أهميتها في الطبيعة، يشير مارون الذي يصرّ على أن يضمّ المتحف حيوانات غير مصطادة، إنما نافقة في مواضعها في الطبيعة، أو في الحدائق، تراعي شكل الحيوان الذي لم يلحق به أذى الصيد. وهدف آخر لتنمية المنطقة النائية واستقطاب السياح المقيمين والمغتربين، فالمتحف مفتوح للزوّار في الفصول كافة.
يفتخر مارون باحتواء المتحف على معروضات نادرة آيلة إلى الانقراض مثل النمر السيبيري الذي بقي منه حوالي 500 في العالم. ويوضح طريقة حصوله على بعض الحيوانات. فمن لديه حيوان نافق، مثلاً، يتصل به، ويتم إحضاره وإرساله إلى مراكز التّحنيط، وجلّها خارج لبنان، حيث “العمليّات متطوّرة جدّاً مقارنة مع المراكز اللبنانية”. ويلفت مارون إلى أنه يمكن “إدخال المتحف في المناهج المدرسيّة نظراً إلى اتّساع تنوّعه، كما يمكن للطلاب زيارته للتعرّف عن كثب إلى الحيوانات التي يدرسون عنها في مناهجهم”.
مناطقة سياحية متكاملة
كانت منطقة بنشعي مجرد أراض مكسوّة بأشجار الزيتون المثمرة والكرمة، إلى أن كان مشروع تحويلها بحيرة اصطناعية في 1998، وتباعاً إلى منطقة سياحية متكاملة من خلال تطوير البنية التحتية المحيطة بها لتلبية احتياجات الزوار. فتمّ إنشاء مسارات للمشي وركوب الدراجات حول البحيرة، وتجهيز المنطقة بمرافق للجلوس والاسترخاء. كذلك أقيمت صالة في الهواء الطلق تحت اسم “جوبيتير” مخصصة للأعراس ومشيّدة على الطراز الروماني القديم بطريقة فنية أثرية ومميزة تشبه العواميد التاريخية الموجودة في بعلبك. ولمن يرغب في التجوّل في المنطقة لأكثر من يوم، يستقبله فندق البحيرة صيفاً وشتاءً.
تلعب بحيرة بنشعي دورًا مهمّاً في توفير فرص العمل للسكان المحليين. فمع تزايد عدد الزوار، تزداد الحاجة إلى خدمات الضيافة والإرشاد السياحي، ما يفتح المجال أمام العديد من الشباب للعمل في هذه القطاعات. كذلك توفّر الفنادق والمطاعم والمقاهي التي تنتشر حول البحيرة فرص عمل دائمة وموسمية. أيضاً تساهم البحيرة في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فالحرف اليدوية والمنتجات المحلية تجد سوقًا رائجة بين السياح الذين يبحثون عن تذكارات فريدة من نوعها. وكذلك تقام في البحيرة نشاطات ثقافية واحتفالية عدة، لاسيما في عيد الميلاد المجيد الذي يستقطب الزوار للتمتّع بأجمل شجرة ميلاد في لبنان، والمسرحيات المخصصة للأطفال التي تستمرّ طوال فرص الأعياد والمعارض الحرفية والمهنية التي تعرّف الزائرين إلى الصناعات اللبنانية القديمة والمعروفة كالنحاسيات والفخار والأعمال اليدوية الأخرى.