عندما انتقد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في خطاب ألقاه في 15 آب الجاري، الحكومة بسبب موافقتها على ورقة الشّروط الأميركية التي تفرض على حزب الله وحلفائه في المقاومة كافة تسليم سلاحهم، كشرط أوّل وبلا أيّ ضمانات حقيقية لوقف إسرائيل عدوانها على لبنان وانسحابها من الأراضي التي احتلتها في الجنوب بعد قرار وقف إطلاق النّار الذي تمّ التوصّل إليه أواخر تشرين الثاني الماضي، جاءه الردّ الأقوى ـ من بين الردود الكثيرة التي هاجمت خطابه ـ من رئيس الحكومة نوّاف سلام.
من بين النقاط الكثيرة التي وردت في خطاب قاسم وردّ سلام عليه، كان كلام الأخير الذي رفض إتهام الأمين العام لحزب الله بأنّ الحكومة تنفّذ مشروعاً أميركياً ـ إسرائيلياً، معتبراً ذلك “حديثاً مردود”، ومضيفاً بأنّ “قراراتنا لبنانية صرف، تُصنع في مجلس وزرائنا ولا أحد يمليها علينا”.
لكن يبدو أنّ الذاكرة خانت رئيس الحكومة، ذلك أنّه وقبل أسبوع بالتحديد، وبعد جلسة الحكومة في 7 آب الجاري، خرج وزير الإعلام بول مرقص ليتلو مقررات الجلسة، إذ أوضح أنّ مجلس الوزراء “وافق على الأهداف الواردة في مقدمة الورقة الأميركية بعد إدخال تعديلات إقترحها الجانب اللبناني”، وهو تصريح صريح وواضح يؤكّد بما لا يقبل الشّك أنّ الورقة صناعة أميركية خالصة وليست لبنانية صرف كما قال سلام، وأنّ التعديلات التي قال إنّ الحكومة أدخلتها عليها، ولم تكشف عنها، لم تغيّر من واقع الأمر شيئاً.
يوم أمس جاء كلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ليوكّد ما قاله وزير الإعلام بعد جلسة الحكومة في 7 آب، ويدحض ما قاله رئيس الحكومة ردّاً على كلام أمين عام حزب الله، إذ اعتبر أنّ “الورقة الأميركية تحوّلت إلى لبنانية بعد إضافة ملاحظاتنا”، إلّا أنّه أوضح بأنّ “لبنان كان أمام خيارين: إمّا الموافقة على الورقة الأميركية، أو العزلة”، ما يعكس حجم الضغوط الهائلة التي مورست بقوة على الحكومة للموافقة على الورقة الأميركية التي نقلها إليها الموفد الأميركي توم برّاك.
هذه الضغوط التي تحوّلت إلى ما يشبه التهديد ضدّ لبنان لفت إليه رئيس الجمهورية أمس بشكل موارب، وتمّت قراءته بوضوح بين السّطور، عندما أكّد بأنّنا “لم نتلقَّ أيّ تهديد لتطبيق بنود المقترح الأميركي، إلّا أن أميركا قالت إنّ لبنان سيخرج من أجندتها إذا رفضنا ورقة برّاك”، ومضيفاً في السّياق نفسه بأنّ “عدم الموافقة على ورقة برّاك يعني الإستمرار في الحرب مع إسرائيل”.
ما سبق يترك إنطباعاً لا يمكن إخفاؤه بأنّ هناك أكثر من قراءة ومقاربة لدى أركان السّلطة لورقة الشّروط الأميركية، ويوحي بوجود إرباك حقيقي داخل جدران السّلطة، وما “الإصطدام” الكلامي بين أركان السّلطة وحزب الله حول مقاربة ورقة الشّروط الأميركية إلّا أحد وجوه هذا الإرباك.
موقع سفير الشمال الإلكتروني