لا جديد منتظراً على صعيد قرار مجلس الوزراء في شأن حصرية السلاح والأهداف المحدّدة في الورقة الأميركية، فالمواقف لا تزال على حالها وتفاعلها، فيما ينتظر لبنان عودة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك قبل العشرين من الشهر الجاري، حاملاً ردّ إسرائيل على الخطوة اللبنانية، في ظل توقعت أن يكون هذا الردّ سلبياً أو لا يكون أصلاً، خصوصاً بعد ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس، من “أنّ ما يحدث في لبنان هو نتيجة لعمل حكومته”، لافتًا إلى “أنّ الحكومة اللبنانية الجديدة تتحدث عن نزع سلاح “حزب الله”، مضيفًا: “من كان ليصدّق ذلك؟ حسنًا، بعضنا فعل ذلك، وأنا فعلت، وهذا ما يغيّر الشرق الأوسط كما وعدت أن أفعل في اليوم الثاني من الحرب”.
وإلى برّاك وبعد القرار الحكومي الأخير في شأن حصرية السلاح، فإنّ لبنان ينتظر أن يزوره قريباً الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والموفد السعودي الامير يزيد بن فرحان، فيما سيستقبل غداً وفداً رسمياً قطرياً، وسيعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، للبحث في تعزيز العلاقات الثنائية.
قلق أميركي
في غضون ذلك، عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها البالغ إزاء استمرار التوتر على الحدود الجنوبية للبنان، مشيرة إلى “أنّ تصعيد “حزب الله” واستهدافه المتكرّر للأراضي الإسرائيلية، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة، يعرّض أمن المدنيين للخطر ويزيد من احتمالات توسّع النزاع”.
وقال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية مايكل ميتشل، في تصريحات صحافية: “ندين تصعيد “حزب الله”، وندعو إلى ضبط النفس. هذه الأفعال تعرّض المدنيين للخطر وتهدّد بجرّ المنطقة إلى مواجهة واسعة”، مشدّدًا في الوقت نفسه على “دعم واشنطن لسيادة لبنان واستقراره”.
وفي موقف لافت، رحّب ميتشل بـ”قرار الحكومة اللبنانية الأخير البدء بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في (تشرين الثاني) 2024، إضافة إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701 واتفاق الطائف”، واصفًا ذلك بـ”الخطوة التاريخية والشجاعة والصحيحة نحو تطبيق مبدأ: جيش واحد، لشعب واحد، في وطن واحد”. وأضاف، أنّ هذه الخطوات “تمثل أساسًا عمليًا لنزع سلاح حزب الله في شكل كامل”، معتبرًا “أنّ اتخاذ تدابير ملموسة في هذا الإطار أمر ضروري لتفادي اندلاع حرب جديدة في المنطقة”. وختم مؤكّداً “استمرار التنسيق بين واشنطن وشركائها الإقليميين والدوليين لدعم هذه الجهود، وتعزيز التهدئة، ومنع أي تدهور إضافي في الوضع الأمني جنوب لبنان”.
موقف سعودي
وفي هذه الأثناء، زار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، برفقة المستشار راجح العتيبي أمس، نواباً وشخصيات بارزة في طرابلس، وتخلل الزيارة بحث في سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ولبنان، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والسياسية ذات الاهتمام المشترك. وشدّد البخاري على أهمية التعاون والتنسيق بين البلدين لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة.
تحت الضغط
واعتبرت مصادر سياسية، أنّ قرار سحب السلاح سيُنفّذ، على رغم من العثرات. فصحيح أنّ “حزب الله” يعتبر سلاحه جزءاً أساسياً من هويته ودوره، كما أنّ إيران تشجعه على المضي في الدفاع عن نفسه وسلاحه، في اعتباره حليفاً استراتيجياً وركيزة أساسية لنفوذها في المنطقة، ولأنّ سلاحه هو أحد أوراقها القوية في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. فالضغوط الممنهجة التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على لبنان وحكومته جدّية جداً في هذه المرحلة، وهي ستتخذ منحى تصاعدياً ما لم يستجب لبنان للمطالب بنزع السلاح.
وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية”، إنّ الحكومة اللبنانية ذهبت إلى هذا الخيار تحت الضغط. إذ وجدت نفسها عند المفترق الحاسم، عاجزة عن الاستمرار في المناورة وكسب الوقت. ولذلك، اضطرت إلى الوفاء بوعدها للوسيطين الأميركيين مورغان أورتاغوس وتوم برّاك لئلا تدفع الثمن. والاتجاه في الأشهر المقبلة هو تنفيذ القرارات الدولية التي تقرّ بسحب سلاح “حزب الله” وسائر التنظيمات غير الشرعية، ولا سيما منها القرارات 1701 و1559 و 1680، ضمن ورشة شاملة. وهذه الضغوط التي ستزيد من عزلة “الحزب” في الداخل ستشكّل دافعاً إلى الانخراط في تسوية تحميه داخلياً.
مواقف
وفي المواقف أمس، اكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع خلال لقائه وفداً كبيراً من “الإنتشار القواتي” أمس، أنّ “القرار الأساسي اتُّخذ: لا تنظيمات مسلحة غير شرعية في لبنان. قد يأخذ التنفيذ أشهراً طويلة، لكن الأمر أصبح على طريق التنفيذ، ولم يعد فكرة للمستقبل، بل واقعاً حاضراً. معركة وجود الدولة في لبنان ربحناها، ومعركة حريتنا وكرامتنا ربحناها، ومعركة عدم تغيير وجه لبنان ربحناها، ولبنان سيعود كما تعرفون. ويجب أن لا ننسى أنّ الدفع الأساسي في المنطقة العربية والعالم يسير في هذا الاتجاه، ولا شيء يوحي بأنّ الأحداث ستأخذ منحى مختلفاً”. وأضاف أنّ “الخطوات المقبلة واضحة: هناك سكة واحدة يسير عليها القطار، ليس هناك عشر سكك، وليس هناك من مجال سوى للبقاء عليها، لأنّ خروج القطار عنها لا سمح الله، يعني الدمار الكامل للقطار ولمن فيه ومن حوله”، مشيراً إلى أنّه “في ما يتعلق بلبنان، يمكننا أن نعتبر أنفسنا متفائلين اليوم فعلياً وجدّياً، على رغم من أننا لم نفقد الأمل يوماً”. وأوضح أنّه “يمكننا القول إننا أمسكنا طرف الخيط. لا تظنوا أننا انتهينا، لكننا الآن أمسكنا طرف الخيط. قد يتطلّب الأمر بعض الوقت لنكمل سحب الخيط حتى النهاية، لكن من الأفضل أن نكمل بالطريقة الصحيحة، ومن دون تسرّع، لأنّ إنجاز الأمور من دون دفع أي ثمن يبقى كطريقة أفضل من إنجاز الأمور عبر دفع أثمانٍ كبيرة”.
“حزب الله”
وعلى صعيد موقف “حزب الله”، أشار عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي المقداد، إلى أنّ “ما يُسمّى الورقة اللبنانية هي ورقة أميركية بإمتياز، وأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يوافق على المقترحات التي قدّمها برّاك في هذه الورقة، خلافاً لما ذكره نائب رئيس الحكومة الدكتور طارق متري خلال مداخلة تلفزيونية، بأنّ قرار الحكومة بسحب السلاح جاء بعد مشاورات مع الرؤساء الثلاثة الذين وافقوا على الورقة اللبنانية”.
وقال المقداد: “إنني أستغرب دفاع الوزير متري غير المباشر عن قرار سحب السلاح، واعتباره أنّه في حال لم تطبّق اسرائيل ما اتُفق عليه في الورقة بعد سحب السلاح، يمكن أن نعود للمقاومة المسلحة!! هذا الطرح يعطي العدو الإسرائيلي هامشاً وفرصة كبيرة ومشروعية بالتحرك والاعتداء والقتل، وهذا استخفاف بعقولنا بأنّ لا أحد يهدّدنا”.
وأكّد أنّ “سلاح المقاومة حمى لبنان منذ عام 1982، وحرّر لبنان في أيار سنة 2000، لن نفرط به تحت أي ذريعة، ولا نرضى بتسليم البلد وقراره لأي جهة كانت. نحن كنا وما زلنا مع الاستفادة من كل عناصر قوة لبنان، مع وضع استراتيجية دفاع وطني تحرّر أرضنا وتحفظ ثرواتنا، وتحمي بلدنا من مخاطر العدو الإسرائيلي وتهديده المتواصل منذ نشأة الكيان الصهيوني”. وشدّد على أننا “سنبقى حريصين على السلم الأهلي، ونشدّد على ضرورة عدم زجّ الجيش اللبناني في مواجهة الشعب، فهذا ما يتمناه عدونا وأخصام الداخل الذين يروجون الإشاعات والادعاءات الهوليوودية خدمة للعدو ولمصالحهم التي تتماهى مع المصالح الأميركية والإسرائيلية”.
الراعي في الجنوب
في هذه الأجواء جال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يرافقه السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا، على بعض بلدات الشريط الحدودي الجنوبي. وشملت الجولة إلى مدينة صور، بلدات دبل والقوزح وعين إبل ورميش. وشدّد خلالها على أنّ “مسؤولية تحقيق السلام تقع على عاتق المواطنين كما على عاتق المسؤولين”. وأشار في بلدة القوزح إلى أنّ “72 شخصًا فقط ما زالوا مقيمين فيها”، معربًا عن أمله “بعودة البلدة إلى سابق عهدها، لأنّها يجب أن تعيش وتقاوم للحفاظ على تراثها وأرضها ووجودها”. وأكّد أنّ “الحرب ضدّ كل البشر، ولا تجلب سوى الدمار والخراب والتهجير”، داعيًا إلى الصلاة من أجل “سلام دائم وعادل للبنان”. وقال من أبرشية صور المارونية: “نأسف على الضحايا إخوتنا في الإنسانية، ولكن نتعلّم أنّ الحرب لم تكن يوماً الحل ونأمل أن تكون ذهبت من دون عودة”.
حادثة زبقين
من جهة ثانية، شيّع الجيش اللبناني أمس شهداءه: المؤهل الأول عباس فوزي سلهب، المجند محمد علي شقير، المجند إبراهيم خليل مصطفى، المجند أحمد فادي فاضل، المجند يامن الحلاق، في بلدات: رياق – زحلة، الغبيري – بعبدا، مجدلون – بعلبك، دبعال – صور، وجه الحجر – حمص (سوريا). وهؤلاء كانوا استُشهدوا اول من أمس نتيجة انفجار وقع أثناء الكشف على مخزن للأسلحة والذخائر في بلدة زبقين الجنوبية. وقد نُقلت جثامين الشهداء إلى بلداتهم، حيث أقيم التأبين لكل منهم في حضور ممثل لوزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسّى وقائد الجيش بالنيابة اللواء الركن حسان عودة.
وتلقّى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اتصالاً من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي عزاه باستشهاد العسكريين الستة. وأكّد وقوف الأردن إلى جانب لبنان، مبدياً استعداد بلاده لتأمين الدعم اللازم للجيش اللبناني “في هذه الفترة الدقيقة، لتمكينه من القيام بدوره في حفظ استقرار لبنان وسيادته وسلامة أراضيه”. وشكر عون العاهل الأردني على تعازيه والدعم الذي يقدّمه الأردن للبنان عموماً وللجيش خصوصاً.
وأعربت الموفدة الأميركية السابقة، مورغان أورتاغوس، عن تضامنها مع الجيش اللبناني، وأعادت نشر بيان الجيش عن استشهاد عسكرييه عبر حسابها على منصة “إكس”، وعلّقت قائلة: “أبطال”.
التحقيق
وإلى ذلك، أكّد مصدر رسمي لـ”الجمهورية”، انّ التحقيق مستمر لجلاء ملابسات انفجار مخزن الأسلحة في وادي زبقين. وكشف انّ قوات “اليونيفيل” كانت قد كشفت على المخزن وأبلغت إلى الجيش عنه، لافتاً إلى انّه لو كان هناك أمر مريب في المخزن لكانت “اليونيفيل” قد أفادته بذلك قبل أن يتولّى عناصره نقل محتوياته. َورجح المصدر أن يكون الخطأ البشري هو سبب الانفجار، مشيراً إلى انّه سبق للجيش أن صادر أسلحة من عشرات المخازن في منطقة جنوب الليطاني من دون أن يحصل أي خلل، وسط تعاون من “حزب الله”.
واستبعد المصدر فرضية الاستهداف المتعمّد للقوة العسكرية التي كانت تعمل في المخزن، مستغرباً استسهال البعض إطلاق الإتهامات واستغلال الحادثة لخدمة حسابات ومصالح سياسية ضيّقة.