شهد القطاع الصحي في لبنان خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الأزمات التي أثّرت بشكلٍ كبيرٍ في أداء المستشفيات، وجعلت مسألة عودتها إلى العمل كما في السابق تحديًا معقدًا يتطلب معالجة شاملة على مختلف المستويات.
بدأت التحديات بالانهيار المالي الذي ضرب البلاد منذ عام 2019، حيث أدى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار إلى شللٍ كبيرٍ في قدرة المستشفيات على استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية. في الوقت نفسه، تراجعت قدرة الدولة على دفع مستحقات المستشفيات، خصوصًا تلك المتعاقدة مع وزارة الصحة، ما فاقم الضغوط المالية وأدى إلى تراجع مستوى الخدمات الصحية.
جائحة كورونا وانفجار المرفأ
كما أدّت الأزمة الاقتصادية إلى هجرة واسعة للكفاءات الطبية، من أطباء وممرضين وفنيين، بحثًا عن فرص عمل أفضل في الخارج، وهو ما ترك المستشفيات تعاني من نقص حاد في الطواقم المؤهلة. وتزامن هذا مع تفشي وباء كورونا، حيث وجدت المستشفيات نفسها أمام تحدٍّ مضاعف: مواجهة جائحة عالمية بموارد شبه معدومة وكادر طبي مستنزف.
وجاء انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 ليزيد من حدة الأزمة، بعدما دمّر أو ألحق أضرارًا جسيمة بعدد من المستشفيات الأساسية في العاصمة، مثل مستشفى الكرنتينا ومستشفى الجعيتاوي، ما أسهم في تعطيل منظومة الرعاية الصحية في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية.
تراجع الخدمات الصحية
كل هذه العوامل أدت إلى تراجع كبير في الخدمات الطبية، حيث اضطرت بعض المستشفيات إلى إغلاق أقسام كاملة، أو تقنين استقبال المرضى، خصوصًا غير القادرين على الدفع. كما واجهت تحديات يومية مثل انقطاع الكهرباء، نقص الوقود لتشغيل المولدات، وغياب المواد الأساسية للتشغيل.
ومع ذلك، بدأت بوادر النهوض تظهر تدريجيًا خلال عامي 2023 و2024، من خلال دعم متزايد من منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، الصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي. فقد ساعدت هذه الجهات على تأمين بعض الأدوية والمستلزمات، إضافة إلى تمويل مشاريع لترميم البنية التحتية المتهالكة في عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة.
كذلك، بدأت بعض المستشفيات بإعادة فتح أقسام أُغلقت سابقًا، بدعم من جمعيات أهلية ومغتربين لبنانيين ساهموا في تأمين التمويل اللازم. كما ساهم استقرار نسبي في سعر الصرف وارتفاع الطلب على الخدمات الصحية الخاصة بعودة بعض الأطباء من الخارج أو تقوية بقاء الكوادر المتبقية.
أعادة هيكلة القطاع
رغم كل هذه الإشارات الإيجابية، فإن العودة الكاملة للمستشفيات إلى العمل كما في السابق لا تزال رهينة بعدة عوامل: استقرار سياسي واقتصادي، إعادة هيكلة القطاع الصحي، وتأمين التمويل المستدام والدعم الحكومي.
تعافي تدريجي
وبالتالي، يمكن القول إن المستشفيات في لبنان بدأت تتعافى تدريجيًا، لكنها لا تزال في طور النهوض، وتحتاج إلى وقت وإصلاحات جذرية كي تستعيد دورها الفاعل كما كانت في السابق.
لذلك، والتزامًا بتسديد مستحقات المستشفيات والأطباء عن مختلف الأعمال الجراحية وحالات الطبابة، أعلنت مديرية العلاقات العامة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، إصدار المدير العام للصندوق محمد كركي قرارًا قضى بـ”صرف سلفة مالية جديدة بقيمة 30 مليار ليرة، على حساب معاملات الاستشفاء (الطبابة)، ليصبح المجموع إلى قرار آخر قضى بـ”صرف سلفة مالية جديدة بقيمة 36 مليار ليرة، للمستشفيات المتعاقدة مع الصندوق عن الأعمال الجراحية المقطوعة”. وبناء على هذا حوالى 48 مليار ليرة منذ المباشرة بتسديد هذا النوع من المعاملات”. إضافة ، يصبح مجموع المبالغ المصروفة للمستشفيات والأطباء 66 مليار ليرة.
وانطلاقاً من ذلك، أكّد كركي وفق المديرية، أنّه “ليس فقط هذا النوع من الأعمال سوف يكون مغطّى بنسبة 90 بالمئة، بل وخلال الأيام القليلة المقبلة سوف تعود كافّة الأعمال الجراحية والاستشفائية مجدداً إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وهو ما اعتبره تحقيقاً لوعد أطلقناه وماضون في استكماله”.
وأضافت المديرية في بيان لها، أنّ الضمان “يعمل على إطلاق مسار اعتماد تقنيات علاجية جديدة في عدد من المستشفيات المتعاقدة معه، بما يضع الضمان على سكّة الخدمات الصحية المتقدّمة بمعايير تواكب الطب الحديث وتلبّي حاجات المضمونين”.