كنت دائماً أقول للمميز غسان الياس الرحباني :" صداقتك مع زياد عاصي الرحباني جميلة، وعفيفة، ولا حسد أو كره فيها، وما من مرة إلا وذكرته بكلامك بنبل وتواضع ومحبة(وما أكثر الكلام الخاص النابع من قلبك)، أنت كسرت سوالف الإعلام حول خصامات أبناء الجيل الأول من الرحابنة، ولم تبتعد كغيرك أكثر من 30 سنة عن زياد، بل تؤكد فكرة العائلة دون أقنعة، وتلتقيه دائماً...)...".!
وكان غسان يبتسم، ويكمل حديثه عن زياد...
غسان الخبر وصله، تصرف كالقريب وليس كالبعيد...هذا غسان المنكوب برحيل ابن عمه (كما كان يشير)!
وزياد لا يصادق إلا إذا أحب، زياد يشبه فنه وجنونه، ولا انفصامات في تصرفاته وحياته بل على سجيته المسؤولة بنظرياته، وهذا جعله ينسجم مع غسان، والأقرب إليه ومنه!
وغسان المنضبط، ليس فوضاوياً ولا بوهيمياً في حياته وفي فنه، هو واضح جداً، وثائر جداً، ومختلف جداً عن الأقرباء والغرباء، وهذا ما لفت زياد، وكانت الصداقة التي اعرفها من ذهب، والأهم أن غسان يعرف قيمة الفنان زياد، ويدرك القرابة...هنا غيرة الشهرة تصبح كذبة، وهنا أنانية الفن خارج الروح الشريكة في اللقاء الود والمحبة!
أنا كاتب هذه السطور أدرك قيمة هذه العلاقة التي كانت وستبقى حتى إن وقع هكذا الرحيل، وكم تألم غسان حينما تواصل عبر الهاتف منذ أيام وقبيل الرحيل مع زياد...يومها أخبرني حزنه وخوفه قائلاً:" الطاقة تلاشت عند زياد...أنا خائف على زياد"!
ومنذ تلك اللحظة، زادت جرعات الخوف، والموت ينتظر الخبر من النافذة، والخبر حالة من فوضى الشكوك ستصل من الباب، والشكوك تسجن في أفكار متناثرة إلى أن يعم الخبر...!
لقد وقع خبر الموت في إعلان هبط من السماء...!
حزنت، وفكرت بجرح غسان وبحزن جاد وبناطورة المفاتيح المنكوبة برحيل إبنها وكبدها وزهور عمرها السيدة فيروز!
لقد فتح رحيل زياد بوابة رحيل الياس ومنصور وعاصي، وبالطبع من يمتلك المحبة سيدرك حضور الغياب، وغياب الحضور الذي لن تغيب عنه الشمس...
لقاءات كثيرة جمعت غسان بزياد، وكان غسان يخبرني عنها، جعلني شريكاً في البوح الذي يختاره هو، ولا اسمح لنفسي أن اتشاطر عليه إعلامياً لأسرق بعض مفردات لقاء الأقارب بحجة "سكوب إعلامي"!
أليوم اسمح لمهنيتي أن أنشر السالفة مع صور خاصة كانت بحوزتي كأرشيف، وأتمنى من غسان أن لا يغضب إن نشرتها على بصر الجميع...
رحيل زياد عاصي الرحباني هو الجرح الألم الجديد المضاف على الوطن وعلينا وعلى غسان الياس الرحباني...الناس كانت مشغولة بزياد في حياته، وبعد الرحيل الناس مشغولة برحيل من لا يرحل...!