منذ توقيع اتفاق التهدئة على الجبهة الجنوبية اللبنانية، ساد شعور خادع بالأمان المؤقت، لكن الوقائع الميدانية سرعان ما كشفت أن الهدنة لم تكن سوى حبرا على ورق.
بحسب مصادر رسمية وحقوقية، تخطى عدد الخروقات الإسرائيلية منذ ذلك الحين حاجز 3500 خرقا، شملت غارات جوية، قصفًا مدفعيًا، وتحليقًا مكثفًا للطيران الحربي والاستطلاع، إضافة إلى هجمات سيبرانية ومحاولات توغل وإغتيالات.
وما زاد من قتامة المشهد، هو استشهاد العشرات من المدنيين اللبنانيين والمقاومين، في ظل صمت دولي مطبق، وانحياز واضح من الدول الغربية للرواية الإسرائيلية.
كل ذلك، فيما تلتزم المقاومة اللبنانية، بحسب تأكيدات جهات محلية ودولية، بتنفيذ ما يخصها من بنود التهدئة، وتضبط النفس أمام الانتهاكات المستمرة.
تهدئة شكلية وخروقات ممنهجة..
يصف مراقبون المشهد بأنه “حرب استنزاف منخفضة الوتيرة” هدفها الأساسي هو إنهاك المقاومة اللبنانية واستنزاف بيئتها الحاضنة، دون الوصول إلى مواجهة شاملة قد تضع المنطقة كلها على كفّ عفريت.
الكيان الإسرائيلي، من جهته، لم يلتزم بأي صيغة واقعية للهدنة، بل يواصل عمليات الاستفزاز والتجسس والتصعيد الميداني، في محاولة لفرض واقع أمني جديد جنوب الليطاني، في خرق واضح لقرار مجلس الأمن الدولي 1701.
وتتقاطع هذه الاعتداءات مع ضغوط دبلوماسية أميركية وأوروبية – بل وعربية في بعض الأحيان – تهدف إلى تجريد المقاومة من شرعيتها السياسية والشعبية، ودفع لبنان للقبول بترتيبات أمنية تصب في مصلحة تل أبيب.
المشهد المتوتر يفتح الباب على مصراعيه أمام عدة سيناريوهات محتملة:
أولًا: تصعيد عسكري شامل في حال حصول اغتيال كبير أو عملية نوعية إسرائيلية، فإن الوضع قد ينزلق بسرعة إلى حرب واسعة، تدميرية، تطال الجنوب اللبناني وقد تمتد إلى العمق. هذه المواجهة قد تؤدي إلى نزوح جماعي وضغط إنساني غير مسبوق على دولة منهارة اقتصاديًا.
ثانيًا: اللاحرب واللاسلم، وهو السيناريو الأقرب حاليًا، ويتمثل في استمرار الخروقات المتبادلة، ضمن هامش محسوب من التصعيد، دون الوصول إلى مواجهة شاملة. هذا الوضع يخلق استنزافًا نفسيًا وأمنيًا واجتماعيًا في الجنوب، ويزيد من هشاشة الوضع السياسي الداخلي للدولة اللبنانية.
ثالثًا: تهدئة مشروطة جديدة، مع احتمال عودة الوسطاء الدوليين، قد يُطرح خيار تهدئة جديدة، لكن بشروط أقرب إلى الإملاءات الإسرائيلية، وربما تشمل ترتيبات أمنية جديدة جنوب الليطاني، بإشراف دولي مشدد، مع محاولة عزل المقاومة سياسيًا عن باقي قوى الدولة اللبنانية.
في خلاصة القول: لبنان اليوم يقف على خط الزلازل، حيث تتقاطع أطماع الكيان الإسرائيلي مع حسابات القوى الكبرى، في لحظة إقليمية معقدة عنوانها العدوان على غزة وارتداداته. فالمقاومة اللبنانية، التي تؤكد التزامها بالقرار 1701، تجد نفسها أمام آلة عسكرية لا تعترف بالقانون الدولي ولا بمواثيق الأمم المتحدة.
وما لم يُكبح جماح العدوان الإسرائيلي، فإن الانفجار قادم لا محالة. وسيكون لبنان مرة أخرى ميدانًا لصراع تتداخل فيه الحسابات المحلية بالإقليمية والدولية، ويدفع الشعب اللبناني ثمنه دمًا ودمارًا.
موقع سفير الشمال الإلكتروني