في زيارة تحمل رسائل سياسية واضحة بقدر ما تتسم بالدبلوماسية، وصل المبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت والتقى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في السراي الحكومي. الزيارة، التي قال إنها تأتي بتكليف واهتمام مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تفتح الباب مجدداً أمام تساؤلات حول موقع لبنان في أولويات السياسة الأميركية، وتوازنات واشنطن الدقيقة في منطقة تمر بالاضطرابات.
وتقول مصادر سياسية إن تأكيد براك أن ترامب مهتم بـالاستقرار الإقليمي وأن لبنان جزء من هذا الاستقرار، يشير إلى أن لبنان ما زال ينظر إليه كورقة استقرار وليست ساحة مواجهة. وهذه إشارة مطمئنة للسلطة السياسية ، مفادها أن واشنطن لا تسعى حالياً إلى مزيد من التأزيم، بل إلى الاحتواء.
لقد أعاد براك وصف حزب الله بـ"المنظمة الإرهابية"، وهو توصيف رسمي أميركي منذ سنوات. لكنه أرفق ذلك بالقول إن مسألة نزع سلاح الحزب داخلية. هذا التوصيف يعكس، بحسب المصادر، محاولة أميركية لتفادي الدخول في مواجهات مباشرة مع مكون لبناني فاعل، مقابل الإبقاء على الموقف السياسي الرافض لسلاح الحزب، والسعي للتأثير عبر الحكومة لنزع هذا السلاح، إذ تفضل واشنطن الضغط غير المباشر عبر مؤسسات الدولة.
اللافت في تصريحات براك كان تأكيده أن لا نية حالياً لفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين. هذا الموقف قد يفسر كإشارة تهدئة تجاه الحكومة، وتحديداً تجاه الأطراف التي تتبنى خط الإصلاح المالي والسياسي. لكنه في الوقت ذاته يحمل رسالة ضمنيةمفادها أن العقوبات ليست مستبعدة مستقبلاً، إن لم يكن هناك تجاوب مع الأولويات الأميركية والدولية.
لقد توقف براك عند الوضع في سوريا، معبراً عن "قلق كبير وتعاطف"، لكنه ذهب أبعد من ذلك حين تحدث عن ضرورة دمج الأقليات في السلطة، مشدداً على أن الحكومة السورية تتحمّل مسؤولية حماية هذه الأقليات. هذا الكلام يعكس ، بحسب المصادر الثوابت الأميركية في الملف السوري وان الضغط سيبدأ بقوة على الرئيس الانتقالي أحمد الشرع نحو حلول سياسية تضمن مشاركة الجميع.
تحدث براك عن فشل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وألا ضمانات أميركية يمكن ان تقدم للبنان فنحن لا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أي شيء، وهنا ترى المصادر أن واشنطن رغم علاقاتها القوية مع إسرائيل، لا تريد أن تستخدم أوراق ضغط حقيقية عليها في الملف اللبناني، إنما تقوم بتوجيه التحذيرات للبنان من أجل ايجاد حل لملف السلاح قبل فوات الأوان، فهي تعمل على انتزاع تنازلات أمنية أو سياسية، من دون توفير أي مظلة حماية أو تسوية تطمئن لبنان الرسمي والسياسي والشعبي.