| د. صادق النابلسي | استاذ جامعي
كلام براك هو انقلاب متعمد ومعلن ومستمر منذ السبعينيات، يعكس عقلية الإدارة الأمريكية في رسم خارطة جديدة للمنطقة. وهو مطلب قديم يستدعي من الجانب اللبناني أن تكون النخبة مسؤولة عما كسبت يداها في تصورها للأحداث التي وقعت وموقفها منها.
السؤال كيف يقول براك هذا الكلام:
الإجابة الأولى: إنّ الأمر لا يحتاج أصلاً إلى إجابة.
لأنّ أمريكا لا تبالي باللبنانيين وأصواتهم والنخبة المؤيدة لها التي ما تمَّ تعويمها من قبل (عوكر) إلا لتؤدي الفرائض ساجدة خاضعة لا تملك أمر مصيرها سوى أن تظل تحت الراعي الأكبر يضمن لها حسن الامتيازات البراقة إلى أن تقع الكارثة الكبرى عليهم.
هذه الإجابة قاسية لأنها تكشف أنّ النخبة التي وقفت إلى جانب أمريكا سنين ليست إلا بيدقاً على رقعة الشطرنج يعيش ويموت بإرادتها، وعندما تحلُّ الكارثة سيدعون للنخبة بحسن الختام !
هل من يذكر كلام وليم كيسي رئيس الاستخبارات الأمريكية الأسبق: “ليس لأمريكا أصدقاء أو حلفاء أو (عملاء)، بل أدوات للاستخدام”.
الإجابة الثانية: إنّ نظرة أمريكا إلى لبنان واضحة وغير قابلة للتمويه. لبنان هو مجرد توليفة جغرافية قامت بها بريطانيا وفرنسا خطأ. أي مجرد “فائض جغرافي” حسب تعبير هنري كيسنجر. وأنّ أهل الأرض لا يستطيعون حلاً ولا عقداً، وأن المسؤول عن معالجة الخلل في الوضع الجغرافي والتاريخي، إما مَن يحكم في دمشق وإما مَن يحكم في أورشيليم.
الإجابة الثالثة: إنّ العرب (الذين نراهم في كل وادٍ يهيمون) لا يرون في لبنان إلا جثة دولة لا دولة حقيقية كاملة الأوصاف وجاء الوقت للتخلص منه لصالح الجغرافيا الإبراهيمية التي تحفظ شريعة الملوك والأمراء من السقوط.
أين نذهب من هنا:
الثابت أنّ النخب (الحليفة) لأمريكا التي تضع نفسها في موضع القداسة الوطنية لم تجعل السيادة ركناً أول في ممارساتها . الشعارات ليست إلا حبراً على الورق، لا تملك قوة الصدق ولا تستطيع أن تسخرها إلا في خدمة أغراض ولي الأمر الأمريكي. لم تستطع هذه النخبة تقديم سلامة الكيان ووحدته ونهائيته على بقية الالتزامات.
ثمة طريقتان أمام هذه النخبة:
الأولى:إما أن تنكر الواقع المحرج وتبقى مصرة على التعامل مع الوصفات الأمريكية بإيجابية، مهما بلغت كارثيتها.
والأخرى: أن تنصت ملياً إلى صوت الحق، فترى أن لا سبيل للخروج من المخاطر إلا بجهد جماعي طويل النفس له القدرة على تحقيق المعجزات