أطلق برنامج الأغذية العالمي تحذيراً جديداً من تفاقم أزمة الغذاء في سوريا، مشيراً إلى أن البلاد تتجه نحو موسم زراعي دون المتوسط، وسط تراجع كبير في إنتاج الحبوب، وتزايد عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى نحو 3 ملايين شخص.
ووفق التقرير الصادر عن برنامج الأغذية العالمي، فإن تأخر هطول الأمطار خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ووقوع البلاد تحت تأثير موجة جفاف مبكرة بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الثاني/يناير، تسببا في تأخير موسم زراعة الحبوب الشتوية وتقلص المساحات المزروعة، ما سيؤدي إلى تراجع واضح في إنتاج القمح والشعير هذا العام.
المزارعون يهجرون القمح
وتفاقمت الأزمة الزراعية نتيجة ارتفاع أسعار المدخلات الأساسية كالوقود والأسمدة والمبيدات، ما دفع العديد من المزارعين إلى التخلي عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية، والتوجه نحو زراعة محاصيل أكثر ربحاً مثل الكمون واليانسون والكزبرة، وهي محاصيل لا تسهم في تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل تُصدّر أو تُباع بأسعار مرتفعة.
ويُحذر التقرير من أن هذا التحول الزراعي يهدد بشكل مباشر وفرة القمح المحلي، ويزيد الضغط على السوق في ظل بنية تحتية مدمرة تشمل مخابز وصوامع ومطاحن غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الخبز.
12 مليون سوري بخطر
ولا تقتصر الأزمة على المناطق المتضررة من الجفاف فقط، إذ تشير إحصاءات برنامج الأغذية العالمي إلى أن نحو 12.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، بينهم 6.5 مليون بحاجة لمساعدات غذائية منتظمة. ويمثل هؤلاء أكثر من نصف عدد سكان البلاد، في وقت ترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة، وتتدهور القدرة الشرائية بشكل حاد.
وحذّرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي مكين، من أن استمرار الوضع بهذا الشكل يهدد طريق التعافي الاقتصادي في سوريا، مشيرة إلى أن البرنامج يبذل جهوداً لضمان الأمن الغذائي، لكنه يعاني من تراجع التمويل والتضييق في الموارد.
الجوع يمتد خارج الحدود
تداعيات الأزمة الغذائية السورية لم تتوقف عند الحدود، فقد كشف تقرير منفصل صادر عن برنامج الأغذية العالمي في لبنان، عن انخفاض كبير في حجم المساعدات المقدمة للاجئين السوريين. ووفق التقرير، تراجعت المساعدات بنسبة 40%، ما قلص عدد المستفيدين من 830 ألفاً إلى 500 ألف شخص فقط.
ويُتوقع، في حال استمرار نقص التمويل، أن يتراجع عدد المستفيدين إلى 200 ألف شخص بحلول حزيران/يونيو 2025، ما يعني حرمان قرابة مليون لاجئ سوري في لبنان من أي دعم غذائي أو نقدي، في وقت تعاني فيه البلاد نفسها من أزمة اقتصادية خانقة، وتضخم غير مسبوق في أسعار الغذاء.
ويبلغ العجز في تمويل البرنامج في لبنان نحو 83%، حيث لم يتم تأمين سوى 62 مليون دولار من أصل 231 مليوناً مطلوبة لتغطية الأشهر الستة المقبلة، وفق أرقام البرنامج.
اقتصاد هش وموارد شحيحة
وتواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات مركبة في ظل اقتصاد هش، ومصادر دخل متراجعة، وبنية تحتية مدمرة، وقطاع زراعي يعاني من الإهمال، وسوء التخطيط، وتغير المناخ. ويؤكد خبراء زراعيون أن غياب استراتيجية وطنية واضحة للأمن الغذائي، والاعتماد على الاستيراد في ظل ندرة القطع الأجنبي، يعمقان الفجوة بين العرض والطلب، ويجعلان البلاد عرضة لأزمات غذائية متكررة.
وفي حين لا تزال معظم مناطق شمال وشرق سوريا تعتمد على الزراعات البعلية التي تحتاج للأمطار، فإن موجات الجفاف المتكررة وتغير نمط الهطل المطري جعلت من هذه الزراعات خياراً غير آمن، خصوصاً مع غياب مشاريع الري الحديثة والدعم الحكومي.
دعوات لتحرك عاجل
ويشدد برنامج الأغذية العالمي على ضرورة تحرك المجتمع الدولي والدول العربية بشكل عاجل لتفادي "الانهيار الغذائي"، مؤكداً أن الحل لا يقتصر على توزيع السلال الغذائية، بل يجب أن يشمل إعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية، وتوفير البذار المحسنة، وتحسين شبكات المياه والري، ودعم المزارعين تقنياً ومالياً، وإنشاء محطات لمعالجة المياه وتنقية الصرف الصحي لاستخدامه في الزراعة.
كما يطالب خبراء التنمية بـتعزيز الاستثمارات في تقنيات الزراعة المستدامة، ومراكز الأبحاث، وتشجيع الأصناف الزراعية المقاومة للجفاف، كجزء من خطة متكاملة لتحقيق حد أدنى من الأمن الغذائي الذاتي.