بدأت مبادرة المجتمع المدني "بدايتنا"، التي تأسست بعد أسبوع واحد من سقوط النظام، عقد ندواتها الحوارية المتسلسلة، وكانت ندوتها الأولى في مقهى الروضة، شارع العابد، في قلب دمشق، وسط حماس وحضور كثيف لشخصيات من كافة المشارب الثقافية والسياسية والاجتماعية، لم تشهده مقاهي دمشق منذ سنوات طويلة بسبب الاستبداد ومصادرة الفضاء العمومي السوري من قبل النظام البائد.وكانت المبادرة قد استضافت الباحث والكاتب حازم نهار ليتحدث عن ورقته المعنونة: "المؤتمر الوطني السوري/ الضرورة والآليات والتحديات". يرى نهار أن تلك الفترة في تاريخ سوريا هي فترة مليئة بالفرص التاريخية قطعها الانتداب الفرنسي، كما هو الحال اليوم بعد سقوط النظام الأمني الدكتاتوري ويقترح أن يُعقد، المؤتمر الوطني السوري العام الثاني، لأن سوريا في لحظة تاريخية فاصلة وخطيرة، وذلك لربط لحظتين كبيرتين في تاريخ سوريا. فالمؤتمر الأول كان مؤتمرا تأسيسياً لسوريا لأن سوريا سابقاً كانت جزءاً من السلطنة العثمانية وللمرة الأولى تولد سوريا كدولة، في العام 1920، فمن خلال أعمال هذا المؤتمر خرج إعلان استقلال سوريا في 8 آذار 1920. ويقول نهار: في العام 2020 الفائت، تحديداً في 8 آذار، كانت قد مرت مئة عام على تأسيس سوريا وولادتها ورأيتُ ان هذا التاريخ كان غائباً عن النظام وعن قوى المعارضة والقوى السورية المختلفة "مناسبة مرور مئة عام على ولادة الدولة"، وكان يفترض أن تحظى بالاهتمام المناسب. لأن هذا جزء مهم من صناعة الوطنية السورية، فالوطنية السورية ليست مسألة تورث بل هي مسألة تحتاج إلى صناعة تماماً مثل "مفهوم الشعب"، فمفهوم الشعب يُصنع صناعة بالعمل وبالحوار وبالتجارب بالتغيرات وليس مفهوماً ثابتاً، ويفترض أن لا تكون الوطنية السورية شيئاً ثابتاً إنما مسألة تعاد صناعتها باستمرار بحضور السوريين، والذين يجب أن لا يتنازلوا مطلقاً عن حقهم وواجبهم في صناعة مستقبل بلدهم. وقد اخترت هذا العنوان للمؤتمر المزمع عقده "المؤتمر السوري الكبير أو المؤتمر السوري الثاني"، من أجل أن نربط حاضر سوريا بماضيها.العمومية صفة المؤتمر الوطني يقترح نهار عقد المؤتمر الوطني السوري الثاني، لكن بعد التحضيرات الضرورية المناسبة التي يجب أن تأخذ حقها ووقتها لضمان نجاح هذا المؤتمر، وهو يرى أنها يجب أن تأخذ من ثلاثة إلى ستة أشهر على الأقل، وأن المؤتمر بحاجة لفترة انعقاد لا تقل عن سنة ونصف السنة إلى سنتين لمناقشة كافة القضايا الوطنية الكبيرة المناطة به.وفي معرض حديثه، انتقد نهار طروحات سابقة لعقد مؤتمر وطني في أطر ضيقة من قبل قوى مختلفة، بسبب افتقادها لصفة الوطنية، والتي يشرحها أنها ليست نوع من التخوين لكنها تفتقر إلى أهم صفات المؤتمر وهي العمومية المطلوبة لتشمل وتعبّر عن مصالح الشعب كله. ويرى أن أهم مسألة اليوم هي أن يتم تشكيل لجنة تحضيرية متوازنة وقادرة على أن تحدّد شكل الدعوة وبرنامج المؤتمر وآلية عقده. ويطمح من خلال الورقة التي قدمها أن تكون مدة عقد المؤتمر سنة ونصف السنة على الأقل، وأن يكون في حالة انعقاد دائمة تعقد جلساته الأولى في دمشق ثم تعقد جلساته الأخرى في جميع المحافظات السورية.لجنة دستورية من الكفاءاتوفي الجلسة الحوارية الواعدة التي تميزت بالفضاء المفتوح والتفاعل الحماسي الهادئ، كانت هناك مداخلات للحضور حول نقاط عديدة، منها مداخلة أحد مؤسسي المبادرة، المحامي حسين عيسى، فسأل عن المهمات الأساسية الملقاة على عاتق المؤتمر وعن خطة العمل والآمال المعقودة، وكانت إجابة نهار أن على جدول أعمال المؤتمر خلال مدة عام ونصف إلى عامين، كل القضايا الرئيسية المطلوبة من السوريين لبناء دولة. مثلاً، إعلان دستوري كمرحلة مؤقتة واقتراح لجنة دستورية تكتب الدستور. فهذا المؤتمر يمكن أن يحدد لجنة دستورية من الكفاءات من خارج المؤتمر ومن مهام المؤتمر أن يختار الشخصيات من خارجه التي تستطيع ان تقدم دستوراً ملائماً لسوريا، لأنه من المفترض أن يأخذ المؤتمر هذه الحالة الإشرافية وأن يوزع المهمات، وهذه الطريقة الأكثر ديموقراطية. ويتابع نهار قائلاً أن المطلوب من المؤتمر تحديد حكومة انتقالية لمدة سنة ونصف السنة، ويرى أنها يجب أن تكون من خارج المؤتمر ومطلوب من المؤتمر أن يحدّد مجموعة من الشخصيات التي يمكن أن تشكل اللجنة الوطنية السورية العليا للعدالة الانتقالية. ويحذر من أن مسألة العدالة الانتقالية يجب أن لا تكون بيد أي سلطة ولا أي قوة سياسية لأن العدالة الانتقالية مسألة قد تتدخل بسببها دول تضغط على سلطة قائمة ويفترض أن تناط العدالة الانتقالية بلجنة مستقلة. يعتبر نهار أن الدولة مفهوم عام لا يليق أن تأتي بعده أي صفة إلا من جنسه، وهو يرى أن صفات مثل العلمانية أو الإسلامية او الناصرية او البعثية وغيرها، هي صفات خاصة يقتنع بها جزء من السوريين، وليست مفاهيم عامة، بينما الدولة مفهوم عام، ما يقابله هو الوطنية بمعنى العمومية، فالدولة الوطنية تعبر عن الكل الاجتماعي للسوريين. ويوافق نهار رئيس إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع في تعبيره "الانتقال من عقل الثورة إلى عقل الدولة" وينصح بذلك حتى لا تدخل البلاد في نفق جديد لأنها لا تحتمل لعبة سلطوية جديدة. عمري 70 عاماً...ولم أنتخب مرةوتحدثت سيدة دمشقية من الحضور، قائلة إنها تجاوزت السبعين من عمرها وهي لم تنتخب أحداً حتى اليوم، ولم تمارس أحد حقوقها الدستورية وهو حق الانتخاب الحر كمواطنة في بلادها. وترى السيدة أن الشعب بحاجة إلى توعية لحقوقه وللتخلص من التفكير المناطقي. بينما تحدثت سيدة أخرى لم تذكر اسمها، عن خطورة ما يحدث في قطاع التعليم وتغيير المناهج وخوف جزء من الشعب من تأسيس أرضية دينية غير علمية للطلاب. بينما تساءل الأستاذ الجامعي حسين معتز، عن دور المعارضة السياسية قبل إسقاط النظام وبعد إسقاطه. وقال المعتقل السياسي السابق حبيب برازي، في مداخلته، إن المؤتمر بالنتيجة النهائية مهمته انتاج عقد اجتماعي جديد ويرى أنه محصلة موازين القوى في المجتمع إن كنا سنناقش الواقع الاجتماعي بالمعنى الواقعي وليس بمعنى المثال.