2025- 07 - 17   |   بحث في الموقع  
logo بعد 11 شهراً.. توقيف مطلوب بتهمة طعن logo استهداف سيارة بين بلدتي تول والكفور logo فرنسا تعلن الإفراج عن جورج عبدالله في 25 تموز logo لقاء بين البطريرك يوحنا العاشر وميقاتي logo استشهاد مواطن جراء استهداف العدو لسيارته في الكفور logo حشد دولي على خط سوريا logo واشنطن وتل أبيب تحضّران لعمل ما؟ logo كيف انكسرت حسابات الشرع على أبواب السويداء؟
الموت السوري كصرخة حياة
2024-12-09 17:25:42


كأن شعباً بكامله يُبعث من الموت، بل هي شعوب. السوريون، ومعهم لبنانيون وفلسطينيون وعرب وأجانب، استمر صَلبهم أكثر من نصف قرن، وقاموا في اليوم الأول، بل في اللحظات الأولى للولادة الجديدة، بل منذ بدأ مخاض الحرية والأمل. هي معجزة تعلن الحياة، بقدر ما هي مخضبة بالقتل والدم والعذابات. سوريا العائمة على قبور جماعية تحوي ملايين القتلى البردانين في شتاء إنصافهم المتأخر. وفيها الأحياء بالكاد، وقد خرجوا من توابيت كمَوؤودين عميقاً في بطن الأرض، كأنهم كنوز أحبائهم المدفونة بأيدي قراصنة الحُكم. احتاج المُحرِّرون – حرفياً – إلى خريطة مفقودة ونبش وتكسير جدران الدهاليز لاستخراج المُغيّبين. كم تكررت تلك الكلمة طوال عقود، وكم جرحت حناجر. المغيّبون الآن حاضرون. يمكن للكلمة أن ترتاح.من الموت والتغييب والجراح، تتدفق الحياة بالأمل والضحكات والدموع.لبشار الأسد وسليلته، سيرة قصيرة، رغم عمرها الطويل: ورث أباه، قتل شعبه، هرب كالجرذ بلا حتى كلمة، ولا حتى شتيمة.وسِيَر الناس تسع السماء والأرض. عادوا جميعاً مرئيين، الأموات غيلةً وحسرة قبل الأحياء، المعتقلين قبل الأحرار، المنسيين في لجوئهم وشتاتهم قبل النجوم. الأموات وأشباه الأموات يعلنون قيامة الأحياء، أيقونات بأسماء وصُور كاد يغيبها النسيان واليأس، كاد يمحوها فراغ الإيمان بأي تغيير. وليسوا فقط سوريين، فهذه "عَظَمة" المستبد الممتدة امبرطورية إجرامه. فنانون وناشطون، صحافيون وكتّاب ومثقفون ورياضيون وسياسيون. كلهم عادوا دفعة واحدة: الطفل حمزة الخطيب، باسل شحادة، الساروت، مصطفى خليفة وغلاف "قوقعته"، غياث مطر، ميشيل كيلو، مي سكاف، رزان زيتونة، لقمان سليم، رفيق الحريري، سمير قصير، وكثر كثر... مواطنوهم ومحبوهم يهدونهم التحيات ويزفون إلى ذكراهم الخبر المزلزل، يريدونهم أن يرتاحوا في رقادهم، ليرتاح أهلهم بدورهم، فالمصير – كما اتضح – ليس مختوماً بشمع أحمر. وأسماء وصُور أخرى، رجال ونساء وأطفال، لا يعرفهم إلا ذووهم وأصدقاؤهم، غمرت صورهم الفضاء. كلٌّ يبث حبّه وترحّمه على أب أو أم أو إبن، في مناسبة سعيدة غامرة مبللة بدموع الفرح والحِداد الحقيقي المؤجل، الحِداد الذي لا يستقيم ولا يُشفي إلا بالعدالة والقصاص من الجلاد.والموت أيضاً يخيّم على طقوس الاحتفال وبُشرى اقتراب العودة. الكلّ يعلن وعداً بزيارة قبر ما، بالحجّ إلى زنزانة ما. وهناك الحُكم المُبرم بالموت.. المُنفّذ حتماً... إلا دقائق. ظهرت المُدوّنة طلّ الملوحي. ما زالت حيّة! المتذكّرون يشعرون بذنبٍ يُخالط فرحهم بها، كادوا أن ينسوها، هي التي اعتُقلت في المرحلة السلمية الوردية الأولى للثورة السورية. لكن مَن يستطيع تذكّر الجميع؟ وأي عَين تقاوم مخارز الحرب التي جبَّت ثورة الورود والشموع والتدوين؟هنا وهناك صور أشخاص يسأل أهلهم إن كان ثمة مَن يعرف عنهم شيئاً، مَن رآهم في أحد السجون، مَن تعرّف عليهم في هذا القبو أو ذاك المدفن للقتلى المؤجّلين يوماً أو أسبوعاً أو ساعات. يفتشون عمّا ينفي حزناً دهرياً، بقيامة من من الرماد، ولو برمق الأنفاس الأخيرة. هل عُرف شيء عن رانيا العباسي وأولادها الخمسة؟ هل ارتطم أحدكم بواحد من أطفالها راكضاً مع الراكضين عبر البوابات الحديدة المجنزرة؟ تائهاً مع التهائين؟إن كان للحكايات منبع، فقد تفجّر الآن، من تحت الأرض، غزيراً رقراقاً جارفاً. كل ما مرّ في كفّة، وما استُهلُّ في الثامن من كانون الثاني 2024، في كفّة أخرى. شهرزادات بالملايين لن يسكتن عن الكلام المباح، لا بصياح الديك ولا بزئير أسد، ولا بسَوط ساديّ. آن أوان تحوّل الحبس الكبير إلى مَلحَمة وقضية في محكمة. فكل ما قيل وكُتب منذ عقود يبدو الآن مجرد نحنحةٍ راوٍ يسخّن عدّته.هكذا ينقلب الموت من نهاية إلى بداية. يمسي مبتدأً للحياة. القتل والتعذيب والخوف، وثيقة الآن، مستند، عِبرة. ما عاد ابتلاء قَدَرياً يُعالج بالصبر والتخفّي وركوب البَلَم. الموت الناجز، كما الموت الذي كان وشيكاً ومُهاباً... رحم ينزف ويتألم ليُنجب حريات وذواتٍ مدمّاة، تصرخ وتبكي، فتُفتح الرئة وتشهق أوّل الأنفاس وأحلاها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top