2025- 08 - 02   |   بحث في الموقع  
logo "أساء إلى العلاقات مع الغابون".. الأمن يوقف لبنانياً logo البيطار يقترب من القرار الاتهامي بقضية تفجير المرفأ logo إتصالات للتوصل الى مخرج لـ”حصرية السلاح بيد الدولة” قبل جلسة الثلاثاء الحكومية logo في الكورة.. العثور على “جثة شابة” داخل منزل logo طرابلس.. سلسلة حوادث إطلاق نار في الميناء والتل logo طليس: لتسريع تحويل الاموال من الصندوق البلدي ووضع خطة طوارئ فعلية لدعم القرى الحدودية logo اتصال هاتفي بين جنبلاط وغوتيريش.. هذا ما دار بينهما logo صيدا تقترب من لقب “عاصمة الثقافة المتوسطية”
"كعكتي المفضّلة".. حياة مستقطعة من السجن الإيراني الكبير
2024-05-31 15:31:57

لسوء الحظ، كما هو الحال في كثير من الأحيان مع الأفلام الإيرانية، فإن أول ما يجب التعامل معه هو الجانب السياسي، الذي يسبق الجانب الفني غالباً؛ في هذه الحالة، لأن السلطات الإيرانية منعت مخرجي فيلم "كعكتي المفضلة" من السفر لحضور عرضه العالمي الأول في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي. ومع ذلك، فهذا الغياب لا يميّز أو يعيب استقبال الفيلم، لأنه عمل منعش وجريء يتجاوز محاولة تصنيفه كمجرد فيلم معارض للنظام الإيراني (وهو كذلك بالطبع في أحد جوانبه)، ليرفد وجوده واشتغاله بشواغلٍ إنسانية وكونية أعمّ وأشمل من السجن الإيراني الكبير؛ بحق جميع البشر، على اختلاف أشكالهم وأعمارهم، في نشدان الحبّ والسعادة والأنس.من خلال تناول موضوع الترمّل الأنثوي، والذي كان بالفعل محور فيلمهما السابق في برلينالة 2021، "قصيدة البقرة البيضاء"، يترك مريم مقدّم وبهتاش صانعي ها، منطقة الصراع المباشر بين الفرد وجهاز الدولة لإعادة التركيز على الجوانب المختلفة لمشدّ الأخلاق المحافظة في مجتمع متشدّد. في بيان قرأته بطلة الفيلم ليلي فرهادبور في المؤتمر الصحافي البرلينالي، حيث ظل مقعدا المخرجَين فارغين، قال المخرجان إنهما مثل الآباء الذين مُنعوا من رؤية طفلهم حديث الولادة، مؤكدين على شعورهما بالحزن والإرهاق، لكنهما أيضاً شدّدا على كونهما يعلمان أنهما ليسا وحدهما: "هذا هو سحر السينما. السينما تربطنا ببعضنا البعض. إنها نافذة إلى مكان يمكننا أن نجتمع فيه معاً. الآن، ممنوع علينا أن ننضم إليكم ونشاهد فيلماً على الشاشة الكبيرة يتحدث عن الحبّ، عن الحياة، وكذلك الحرية؛ الكنز المفقود في بلادنا".ما أوصل المخرجين إلى مصادرة جواز سفرهما واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما هو الخطوط الحمر التي تجاوزها الفيلم. يُظهر الفيلم نساء بلا ححجاب، ورقص وكحول، وعلاقة حميمة معيّنة بين رجال ونساء. باختصار، كل ما يجده النظام الإيراني ممنوعاً. عادةً ما يفرض صناع الأفلام الإيرانيون رقابة ذاتية على أنفسهم، ويصلون أحياناً إلى تخوم ما تسمح به السلطات، لكنهم لا يذهبون إلى هذا الحدّ. يوضّح مريم مقدم وبهتاش صانعي ها: "لقد أصبحنا نعتقد أنه لم يعد من الممكن رواية قصة عن امرأة إيرانية مع الالتزام بالقوانين الصارمة مثل الحجاب الإلزامي. إذ تمنع الخطوط الحمر النساءَ من تمثيل حياتهن الحقيقية ككائنات بشرية كاملة. هذه المرة، قرّرنا تجاوز جميع الخطوط الحمر المقيَّدة وقبول عواقب اختيارنا لرسم صور حقيقية لنساء إيرانيات، الصور المحظورة من السينما الإيرانية منذ الثورة الإسلامية".
ماهين (ليلي فرهادبور) في السبعينيات من عمرها، وتعيش بمفردها في منزل بحديقة في طهران منذ وفاة زوجها قبل 20 عاماً، وهجرة ابنتها إلى أوروبا منذ سنوات. تشاهد المسلسلات التلفزيونية طوال الليل، وتستيقظ عند الظهر، وغالباً ما تزعجها مكالمات هاتفية أثناء نومها. مهنتها الوحيدة: حديقتها، والتسوق، ومهاتفة ابنتها. ومن وقت لآخر، تدعو زميلاتها السابقين في المستشفى لتناول طعام الغداء. خلال إحدى هذه الوجبات، تشجّعها صديقاتها على كسر روتينها والانفتاح على فكرة العثور على رفيق يؤنس أيامها ويُبعد عنها الملل وانتظار الموت.في بلدٍ آخر غير إيران (وأشباهه من المجتمعات المحافظة) سيغدو الأمر باباً لا يحتاج عبوره إلا تجاوز البطلة شعورها بتقدّم العمر ومن ثمّ الشروع في البحث عن رجل مناسب. لكن في إيران يصبح الأمر أشبه بمهمة ثورية يعوز فيها البطلة التحلّي بكثير من الشجاعة والجرأة والتهوّر. وهكذا، تنزل ماهين إلى الفضاء العام بحثاّ عن ضالتها المنشودة، لتصادف شرطة الأخلاق سيئة السمعة، التي تهاجم النساء ممن "لا يرتدين الحجاب بشكل صحيح"، ويمزّقن حرفياً امرأة شابّة وقعت في الجرم المحظور بمقابلة حبيبها. وأثناء زياراتها للمقاهي والمطاعم المخصصة للمتقاعدين، لفت انتباهها رجل (إسماعيل محرابي)، مختلف عن الآخرين وفوق كل هذا غير مرتبط، جندي سابق يعمل سائق سيارة أجرة. ستجبره على اللقاء، الأمر الذي يأخذ منعطفاً جريئاً للسينما الإيرانية، إذ سيتصرّف العجوزان مثل مراهقين يحاولان إقامة علاقة، بشكل محرج، من خلال ألعاب الإغواء والرقص والكحول!تجد الأيديولوجية الدينية حدوداً لسيطرتها في الفضاء الخاص، حتى إن حدث هذا عبر عيونٍ فضولية لمارّة عابرين أو جيران متطفّلين، غالباً بدافع انتهازية أو غيرة أو حقد بسيط. لكن ماهين، المنتمية إلى جيلٍ عرفت نساؤه حرية ارتداء الملابس التي يردنها، والتفاعل مع الرجال بطريقة أقل ترميزاً - والتي ربما، مثل العديد من التقدميين في ذلك الوقت، لم تشكّ أثناء مشاركتها في المسيرات الثورية ضد الشاه أنها تستبدل الطاعون بالكوليرا - قرّرت ألا تتحمّل المزيد وتستمتع بالحياة التي تركتها جانباً منذ وفاة زوجها من أجل تربية أبنائها.هذه الرومانسية التي يحملها ممثلان يجذبان الكاميرا، انعكاس لإيران ذاتها: مليئة ببهجة محتملة، لولا سخافة قيود البلد التي تجعل كل شيء معقّداً وسرّياً. حتى وإن تناول موضوعات جادة وصعبة مثل الوحدة والشيخوخة وحالة المرأة وهجرة الأبناء، فإن فيلم "كعكتي المفضلة" يبتعد عن الواقعية الاجتماعية التي وسمت العديد من الإنتاجات الإيرانية في السنوات الأخيرة، ومثل الانتفاضة الحيوية والشجاعة للشباب الإيراني منذ مقتل مهسا أميني في خريف عام 2022، يقدّم قصة حقيقية وعبثية في آن. في هذا البلد، حيث يُقضى على أي تلميح للحرية في مهده، تعيد البيضة الممنوعة والمُشتهاة إنتاج نفسها في أشكال أخرى من المقاومة المُعاد اختراعها باستمرار.ورغم الأخبار الواردة من إيران مؤخراً، عن هذا القمع الصامت الذي يحاول مرة أخرى استعادة السيطرة على مسار الأمور الصارمة والمتحجّرة، فإن نسمة الحرية والبهجة التي تبثها شخصية ماهين تذكّرنا بأن النساء الإيرانيات ما زلن من في طليعة النضال من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي، وأن بلوغ ذلك الهدف يبدأ باستغلال اللحظة الحاضرة وتحويلها إلى وقت أمل وحياة، حتى إن كان الموت القريب احتمالاً ليس ببعيد.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top