2024- 05 - 25   |   بحث في الموقع  
logo الخارجية ترحب بقرار “العدل الدولية”: فرصة مهمة لوضع حد لاعتداءات اسرائيل logo موسكو: “صيغة زيلينسكي للسلام” لا تستحق عناء بحثها logo مئوية غريغوار حداد... مطران العلمانية والفقراء واللاعنف logo مهرجان ربيع بيروت... تحية لجيزيل خوري وفلسطين logo إسرائيل تواجه العالم: "ليس بالفيتو يحيا الإنسان"! logo كيف سيكون الطقس في الأيام المُقبلة؟ logo بسبب سوء الأحوال الجوية... "هبوط" مروحية رئيس وزراء أرمينيا! logo تفاصيل الكشف عن تجسس ضابط سابق بـCIA لصالح الصين!
ازدراء الأديان
2024-05-11 15:56:15

ثمة مَن يجد الممثلة الكوميدية شادن فقيه، سمجة، بذيئة، أو سوقية. أو لا. عادي. قد لا يستسيغ البعض، حس دعابتها، ولا مَقالبها، كمثل ذلك الاتصال الذي أجرته بقوى الأمن لتطلب أن يحضروا لها فوطاً صحية أيام حظر التجول وجائحة كورونا. ثقيل الدم وافتعالي؟ يجوز. حقّه أن يعبّر. وحقّه ألا ينقر على روابط فيديوهات الممثلة، ويقاطع عروضها المسرحية ومقابلاتها، بل وأن ينتقد ما تقدّمه وتُبرزه في الفضاء العام.لكن الموضوع فعلياً يتجاوز شادن، التي لم يكن ما حصل معها وسواها، مؤخراً، الأول من نوعه، ولن يكون الأخير. من دعاوى قضائية، إلى استنفار رجال الدين وخطباء المساجد، وحملات التحريض والكراهية في الإعلام والسوشال ميديا، والأهم التظاهرات "الشعبية" في شوارع بيروت وطرابلس. باتت القضية أكبر من ممثلة وسخرية ومشاعر دينية جريحة. لعلها الآن تسلّط الضوء على مفارقات المجتمع اللبناني، والسلطات التي تحكمه.أولاً، يُحتَكم في الجدل والغضب، إلى قانون بات يُستخدم كأداة رقابة. القانون ليس مقدساً. قابل للمراجعة والتعديل، كلما دعت الحاجة. وتلافي إعادة النظر فيه، مَرَدّه حساسيات الطوائف والسياسة الملتوية وولاءات القواعد الشعبية، أكثر منه لأنه قانون عادل ومُنصِف وحمائي. حتى "روح القانون"، الدستور الذي لا يُعدّل إلا للشديد القوي، قابل للتعديل والحذف والإضافات، طالما أن النصوص وضعها بشر من أجل البشر، أو هكذا يُفترض. وقد تغيرت فعلاً قوانين وبنود في الدستور... إنما لأجل مصالح الطبقة الحاكمة وزبائنيتها. وكلنا يعلم كم أن تهمة "ازدراء الأديان" فضفاضة، وكيف يمكن استغلالها (أو اختيار تجاهلها!) في سياقات قمعية وفئوية، ومثلها "المسّ بالعلاقات مع دول صديقة" و"تحقير المقامات" و"خدش الحياء"، وغيرها...أما التظاهرات... فالسؤال الأول الذي طرحه مدوّنون ومواطنون: لماذا لم تنزل "الجماهير" إلى الشوارع من أجل إدارة أفضل لملف شبكة الاغتصاب من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية، وهو الملف الذي هز وجدان اللبنانيين بالإجماع، وضحاياه من الفئة التي لا يمكن تخيل الخلاف حول التعاطف معها؟ كما أن ملف "تيك توك" هذا، من حيث المبدأ، ليس مسيّساً (حتى الآن)، ولا يشبه حتى القضايا العامة التي حرّكت انتفاضة 17 تشرين، أي القضايا المطلبية والحيوية التي سرعان ما أصبحت خلافية ومثيرة للانقسام ومُحرّكة "للفساد الثوري"، وصولاً إلى إعادة المحتجين إلى بيوت الطاعة الحزبية والطائفية. السؤال المشروع يشير إلى إن الدين وانتماءاته، ما زال أقوى من المظلومية. سواء كانت المظلومية الناتجة عن فساد طيَّر مدخرات اللبنانيين وسائر حقوقهم المدنية، أو مظلومية عشرات الأطفال المُستدرجين إلى براثن مجرمين وحثالة السوشال ميديا فيما تدب الفوضى في الإعلام والبيانات والتحقيقات وبعض الإجراءات القضائية. وبعد... يقول البعض إن مجتمعاتنا ما زالت غير مهيّأة لهذا النوع من الحريات/السخرية. والأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية لا تُعدّ ولا تُحصى. لكن في ذلك أيضاً ما يشبه المقولات الأثيرة عن أنها مجتمعات غير مستعدة للديموقراطية والحرية في عمومها. فيُشَيطَن هكذا بالمُطلق أي حراك مناهض أو رافض أو مطلبي، عشوائياً وغب الطلب، من دون نقاش ماهيته وجدواه العملية وما/مَن يعبّر عنه. ما يعني أنه يُفترض بالناس أن يظلوا صاغرين لسلطات استبدادية أو دينية، أمنيّة أو فاسدة، تمتطيهم لتَسوسَهم، ولو أنزلت لهم جَزَرة من حين إلى آخر. والحال أنه طالما هذه السلطات هذه فوق رؤوسهم، لن يكونوا جاهزين. وطالما هم غير جاهزين، فلن تتزحزح تلك السلطات وعقلياتها وأدواتها. وتدور الدائرة المفرغة إلى ما لا نهاية، ويتم تأبيد المواطنية على أساس العبودية المُقنّعة، أو في أحسن الأحوال على أساس الانصياع والتدجين بلا أسئلة... إلى ما شاء الله في ازدراء أديانه.ونصل إلى حجّة وقوف الحرية عند حدّ التعدي على حريات الآخرين. لكن على اعتدَت شادن على حرية أحد فعلاً؟ هل نظمت حملة (ناهيك عن إمكانية النجاح فيها) لمنع الناس من إيمانها أو الصلاة، أو لإغلاق دور العبادة؟ هل وقفت مع "جماهيرها" على أبواب المصلين لتَرجُمَهم؟ والعرض الذي سُرّب الفيديو الأخير منه، كان في صالة مغلقة. لم يُعرض في التلفزيون الذي يدخل كل بيت، ولا حتى صوّرته شادن لتبثه في إحدى صفحاتها في مواقع التواصل. عَرض صُمّم لناس يستسيغون شادن وفُكاهتها، وبإرادتهم وبوعيهم دفعوا ثمن بطاقات ليأتوا ويشاهدوها ويضحكوا. وقد يجازف واحدنا هنا بخَلق نظرية مؤامرة، إذ يفكر ويتساءل: لماذا سُرّب الآن هذا الفيديو الذي من الواضح أنه صُوّر بهاتف أحد الحضور، فيما البلد في خضم فضيحة/مأساة شبكة اغتصاب الأطفال والاتجار بهم في "الانترنت المظلم"؟ علماً أنه يُفهم من متن الفيديو أن العرض عمره أسابيع وليس مستجداً وكان خارج لبنان. والشكوك المحيرة نفسها تحوم حول شخصية مسرحية لبنانية معروفة قادت الحملة ضد وجدي معوض في حين أن علاقاتها بالجهات الغربية المانحة لا تعبأ بالموضوع الذي أثير ضد معوض عن التطبيع مع إسرائيل أو داعميها.والحقيقة التي نعرفها جميعاً، أننا في صالوناتنا ومقاهينا، نسرد من النكات والسخرية من بعضنا البعض، من كل ذاتٍ وآخَر، مثل ما سردته شادن، وأكثر. وفي الشارع والبيت والمكتب، نطلق شتائم تهز أقماراً في السماء وأبداناً أرضية ليست بالضرورة وَرِعة. فلماذا يبدو المسرح إطاراً مكرّساً للفضيحة والحرية "الفالتة".. وصولاً إلى الجريمة؟! ومن المقلب الآخر، من جهة المدافعين عن الحريات في نموذج شادن: يتحدثون، جاذبين الواقع إلى الأمنيات، عن لبنان كبلد علماني على قاعدة أنه لا دين محدداً للدولة اللبنانية... بدليل أن الدين منفصل عن الدولة على طريقة التصاق مجموع الطوائف بها، التصاقها بالمجتمع؟! والردّ في بداهة النظام السياسي الطائفي، والمرجعيات الدينية التي هي سياسية شعبوية أيضاً. أما استذكار لبنان واحةً للحريات لطالما اتسعت للجميع، بمن فيهم الهاربون من قمع أوطانهم لإبداعهم أو انتمائهم السياسي، فيستلزم إعادة النظر في "هويات" أولئك اللاجئين الفكريين والثقافيين والسياسيين إلى لبنان، والذين، تاريخياً، تمكنوا من الاستمرار فيه طالما وجدوا حاضنة حزبية أو طائفية من إحدى الفئات اللبنانية المتصارعة على الدوام، وحالما تنتفي مثل هذه الحاضنة يحين موعد انتفاء المفكّر أو المثف أو السياسي... قتلاً أو طرداً إلى منفى آخر. أما المقارنة الحماسية مع الغرب (المفهومة ولو من باب الغيرة الحرياتية)، حيث الكوميديا والرسوم الكاريكاتورية والفنون بأشكالها تتجرأ على الأديان ورموزها كافة، فتبقى أيضاً قاصرة عن تشكيل منظومة دفاع مُجدية. وذلك ليس فقط للاختلافات بمقدار سنوات ضوئية من حيث تركيبة الدولة والمجتمعات بعد مسارات هائلة ورحلات قطعتها الشعوب لتحقق ما حققته من استقرار وحقوق (وهي إنجازات تُعتبر الآن في خطر لأسباب لا متسع لها هنا). بل أيضاً لأن حساسيات التنوع الثقافي والهوياتي ضمن المجتمع الغربي، لا تُماثل في شيء التعددية اللبنانية المبنية على تحاصص منافعها أكثر منها تعددية الانصهار في المواطنية والمساواة على أساسها.نقول قولنا هذا، ونستغفر الله لنا ولكم، فيما يُهيّأ لنا أننا نسمع هاتفاً علوياً يقول: إنما أنتم تدافعون عن هالاتٍ صنعتموها لأنفسكم، وتخشون ضياعها فتضيعون، ولا تعودون تتعرفون على "أنا" و"نحن" خلقتموها لتنافسوني.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top