2024- 06 - 17   |   بحث في الموقع  
logo مأزق إسرائيل شمالاً: حرب مستبعدة وعودة مستحيلة للقواعد القديمة logo بايدن يقدم "المقترح الأفضل" لإنهاء الحرب على غزة! logo "مصدر للقلق"... المالديف تعلق قرار حظر دخول الإسرائيليين logo عزيز: اصحاب المبادرات يبحثون عن أضعف واسوأ ماروني logo الجيش الإسرائيلي "يزعم" قصف أهداف لحزب الله! (فيديو) logo والد وزير سابق في ذمّة الله! logo مقدمات نشرات الاخبار logo "كابوس" في أوريغون... 28 شخصاً عالقين في الهواء رأساً على عقب (فيديو)
سلمان رشدي عن فلسطين...الرجل الذي كان يوماً انتفاضة
2024-05-25 11:56:11

حين يعلق سلمان رشدي، في حديث إذاعي، على الحرب في غزة، وعلى تظاهرات طلاب الجامعات الأميركية، ويتنبأ بأن فلسطين محررة ستكون على شاكلة "طالبان"، تلك النبوءة الجازمة التي تلقفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بابتهاج، فإن عينه المُطفأة تمنحه حق الادعاء الإضافي بفداحة ثمن قول الصدق جهراً وببصيرة نصف العمى. وبحسبهما، هو الأكثر معرفة بـ"الإسلاموية" بعدما تركت في حياته علامة هي سنين مهدورة في الاختباء، وفي جسده عطباً ظاهراً من طرف شرورها الكثيرة.
إلا أن الرجل المتهم اليوم برهاب الإسلام وبضروب من وصمات كراهية الذات، حين يقول في الحوار نفسه مع الإذاعة الألمانية أنه كان دائماً مع إقامة دولة فلسطينية، فهو لا يختلق تاريخاً ملفقاً لنفسه، بل عن حق يقول الصدق بشأن سيرته. في الاقتباس التالي، يقوم سلمان رشدي بتقديم إدوارد سعيد أمام قاعة صغيرة، لكن مكتظة بالجمهور في معهد الفن المعاصر بلندن، العام 1986: "وأعقب ذلك كتاب "قضية فلسطين"، الذي وصف الصراع بين عالم شكّلته في المقام الأول الأفكار الغربية - الصهيونية ولاحقًا إسرائيل – والوقائع المعاشة "الشرقية" إلى حد كبير لفلسطين العربية. ثم جاء كتاب "تغطية الإسلام" بعنوان "كيف تحدد وسائل الإعلام والخبراء كيفية رؤيتنا لبقية العالم"، والذي يتم فيه تحديث اختراع الغرب للشرق، إذا جاز التعبير، من خلال مناقشة ردود الأفعال على أسئلة الإحياء الإسلامي... يأتي إدوارد، على حد تعبيره، من "أقلية داخل أقلية". وهو أشبه بالصندوق الصيني الذي يصفه: "كنت أنا وعائلتي أعضاء في مجموعة بروتستانتية صغيرة ضمن أقلية مسيحية أرثوذكسية يونانية أكبر بكثير، ضمن غالبية الإسلام السني الأكبر".في خاتمة تلك المقدمة المعنية بعرض كتاب إدوارد "بعد السماء الأخيرة" الصادر حديثاً حينها، يلقي رشدي مقطعاً من قصيدة "تضيق بنا الأرض" لمحمود درويش (وهي التي اقتبس منها سعيد عنوان كتابه). في الحوار التالي لتلك المقدمة، لا يُظهر رشدي فقط فهماً عميقاً للقضية الفلسطينية وحساسية مرهفة تجاهها، بل يرسم خطوطاً للتشابهات بينه وبين سعيد، بوصفهما "أقلية داخل أقلية"، وكذا كونهما من منتجات عالم صاغه الاستعمار. إلا أن الإعجاب بين نجمي ما بعد الاستعمار في عقد الثمانينيات على ضفتي الأطلنطي، لم يكن من طرف واحد. فسعيد بدوره بالغ في الاحتفاء برشدي إلى حد وصفه بأنه "انتفاضة للخيال" (مستخدماً لفظة انتفاضة بالعربية)، مكرساً للكاتب البريطاني، هندي المولد، مقاماً في مجال الأدب يقابل النضال شبه الملحمي للفلسطينيين بحجارتهم. بل وداوم سعيد على اقتباس رشدي بوصفه مرجعاً مؤتمناً لوصف حالة المنفى، منفاه هو نفسه، المنفى فلسطيني الأصل المرتبط بالنكبة، ومنفاه الكوزموبوليتاني بوصفه الحالة الأنطولوجية لعالم المابعديات.إلا أن رشدي الذي تحلى بشجاعة الوقوف مع قلة محدودة ضد حرب الفوكلاند، وعبّر بفصاحة عن بقايا الحس الاستعماري في الخطاب البريطاني حينها، اتُّهم لاحقاً بدعم الحرب الإمبريالية على العراق وأفغانستان، وهي التهمة التي لم ينفها وظل صامتاً فيما خرج الملايين في مدينته لندن وحول العالم للاحتجاج ضد الحرب.يكتب مُنظّر آخر للأدب، هو تيري إيغلتون، عن ذلك التحول، ويقول "إن منح سلمان رشدي لقب فارس هو مكافأة المؤسسة للرجل الذي تحول من كونه ناقداً ساخراً ولا يرحم للغرب إلى تشجيع مغامراته الإجرامية في العراق وأفغانستان". صحيح أن إيغلتون سيعتذر بعدها عن إساءة تصويره لموقف رشدي، إلا أن مواقف صاحب "الآيات الشيطانية" اللاحقة ستبدو مغرقة في التبسيطية والتعميم بخصوص المسلمين، بصِيغ سيبدو وقعها اعتذارياً لحروب الغرب الإمبريالية ضد بلادهم ومجتمعاتهم، وبالأخص الحرب على الإرهاب والأهوال التي واكبتها.والحال أن صديقه القديم، إدوارد سعيد، سيعلق أيضاً على تحولات رشدي في خاتمة حوار له في جامعة كولومبيا العام 2003، مشيراً بحساسية إلى أن السنوات التي قضاها مختبئاً أثّرت فيه بشدة: "لقد شعر بالارتباك والغضب والإنكار بسبب الهجوم عليه، كان لديه شعور بأن جماعته انقلبت ضده"، ويضيف سعيد أن أفكار رشدي "تغيرت بمرور الوقت"، بحيث صار "ثمة انفصال أكبر، بين نثره غير الخيالي وأدبه، مما كان عليه الحال في الثمانينات". في العام نفسه سيرحل سعيد عن عالمنا، ليضع ذلك التعليق المتعاطف خاتمة حزينة ومتأسية على تلك الصداقة الطويلة والتي ميزتها تقلبات حادة.لكن فرضية التحوّل تلك قد لا تكون دقيقة بالمرة. فالمُنظّر الأدبي الهندي، إعجاز أحمد، كما يقوم في كتابه "في النظرية" بتقريع كلاً من سعيد ورشدي لأسباب مختلفة، فإنه يكشف بشكل تنبؤي عن يأس رشدي الأنطولوجي من جدوى المقاومة، أو حتى إمكانها، وبالأخص في المجتمعات المسلمة. يفرد أحمد فصلاً لرواية رشدي "العار"، وهي السابقة على "آيات شيطانية" وفتوى إهدار دمه وزمن الاختباء. في "العار" يفصل رشدي الفساد والاستبداد المميز للنخبة الحاكمة في باكستان، "بلاد الله الجديدة التي أكلتها العثة"، لكن اليأس لا يتعلق هنا فقط باستحالة إصلاح دول ما بعد الاستقلال، فنساء الرواية المحبوسات في أقفاص المظالم الذكورية، حين ينتفضن في الرواية، فإن مقاومتهن تحولهن إلى وحوش شبقة، وحوش حقيقية لا مجازاً، ترتكب المجازر ضد البشر والحيوان، بلا رحمة. لا أمل إذاً، إن كانت كل مقاومة تقود في النهاية إلى حفلة ماجنة من العنف الأعمى وبحور دم. هكذا يبدو وكأنه لا فارق بين أدب رشدي ونثره غير الخيالي منذ البداية. فمواقفه كانت كامنة داخل أدبه قبل أن تطفو على السطح في نثرة غير الخيالي.في شباط/فبراير 1989، أدلى رشدي بحواره الأخير قبل أن يضطر للاختباء، وذلك مع جريدة "العامل الاشتراكي" البريطانية. ورداً على سؤال بشأن تفاؤله بخصوص الهند بينما لا يبدي التفاؤل بخصوص الشرق الأوسط، يقول بأكثر الطرق تبسيطاً: "لأن الهند ليست مسلمة".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top