للوهلة الأولى تراودك مجموعة أسئلة منطقية وشريرة في نفس الوقت، «ما هي خلفية المخرج يورغوس لانثيموس الإنسانية؟ وما نوع البيئة المجتمعية التي نشأ داخلها، حتى أغرقتنا أفلامه السينمائية بديستوبيا سوداوية لا ترحم؟ هل يعقل أنه لم ير في الحياة شيئا طبيعيا يمكن روايته، وشخصيات لديها جوانب خيرة؟! هل كل سلوكيات النفس البشرية، محاطة بالريبة والشك لديه؟ هل فقد الإيمان بالإنسانية؟»، والأكيد أن الإنسان كائن معقد، يمتلك كم هائل من الخير والشر، وبإمكانه أن يكون في غاية الرحمة وغاية القسوة.

تدفعنا أفلام المخرج اليوناني المثيرة للجدل لطرح كل تلك الأسئلة المشروعة، علنا لنفهم آلية تفكيره، صحيح أن أفكاره تثير الجدل من جهة، لكنها جاذبة من جهة أخرى، لأنه يمتلك رؤية إخراجية متفردة في سرده لقصصه، مغايرة تماما عن الأسلوب التقليدي، وهذا ما يجعلنا نتابع أعماله، مع أن أفلامه تستعرض مواضيع الحياة من عنف، مرض، موت، سلطة، بطريقة صادمة ومظلمة، وهذا ما يخلق ردة فعل متباينة حول أعماله بين الجمهور والنقاد، فليس الجميع يتقبلها.

يعتبر «Poor Things» آخر لوحات لانثيموس السينمائية، وهو فيلم خيال علمي، كوميديا سوداء، تمثيل: إيما ستون، ومارك روفالو، ويليم دافو، رامي يوسف، وعرض العمل لأول مرة في 1 سبتمبر عام 2023، ضمن مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وتحصل على جائزة «الأسد الذهبي».

وفي حفل «غولدن غلوب» حاز جائزة «أفضل فيلم موسيقي كوميدي»، وإيما ستون «أفضل ممثلة»، كما رشح لـ 11 جائزة «أوسكار» للدورة القادمة.

تتناول أحداث الفيلم، المأخوذ عن رواية للكاتب «ألاسدير غراي»، قصة الولادة الجديدة لامرأة تدعى «بيلا باكستر»، حيث تتم إعادتها للحياة من قبل عالم غريب الأطوار اسمه «جودوين باكستر»، وتعيش هذه المرأة في ظل نظام أبوي منفتح تحت رعاية «جودوين»، الذي وهبها دماغ مولود جديد، وهي الآن تمتلك فرصة جديدة لاختبار العالم بطريقة مختلفة، والأمر المثير للاهتمام هو أن ذلك الدماغ يتطور بشكل سريع، لكن المغامرة الحقيقية التي تختبرها، هي عندما تقرر الهرب مع المحامي «ويديربيرن»، وهو رجل ثري أغرم بها، وأراد استغلالها.

حظي العمل بإشادات واسعة، ومن جانب آخر انتقادات ربما لفجاجة الطرح واتكاله على الكوميديا السوداء في عملية السرد، وبناء شخصيات درامية مجنونة متهورة، ولعل هذا ما يميز أغلب أبطال المخرج يورغوس لانثيموس، الذين يتفوهون بكلام صريح غير المنمق، ولا يخجلون في التعبير عن رغباتهم.