اليوم، وفيما تطغى النقاشات المتعلقة بتطور الأحداث العسكرية على الحدود اللبنانية-الفلسطينية على جميع الأخبار والأزمات الأخرى، في ظل تفاقم التوترات الأمنية في جنوب لبنان، كان ملحًا بل وضروريًا تحرك وزارة الصحة معلنةً "تفعيل" جهوزية القطاع الصحي، تحسبًا لأي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان.قاعة الطوارئكما هو معروف، القطاع الصحي في لبنان بات مستنزفًا إلى حدٍ كبير، وما إن يخرج من أزمة، حتى يدخل في أخرى ليست في الحسبان. واقعيًا، تسلل الضعف إلى القطاع الصحي منذ عام 2019، بدءًا من هجرة الأطباء والممرضين، مرورًا بأزمة انقطاع أدوية الأمراض المزمنة، وصولًا إلى "الفاتورة" المدولرة في المستشفيات الخاصة، ناهيك عن التدهور الحاصل في المستشفيات الحكومية ومراكز الرعاية، لتتحول الطبابة في لبنان، في ظل إفلاس الدولة اللبنانية، للميسورين فقط.
وعليه، نتيجة الأزمات "الناخرة" في العمود الفقري لهذا القطاع الحيوي، جُهزت قاعة خاصة منذ حوالى الأسبوعين في وزارة الصحة، سُميت بـ"قاعة الطوارئ"، لكونها تهدف لعقد الاجتماعات الطارئة واتخاذ القرارات المناسبة. لكن، شاءت الظروف أن تُستخدم في المرة الأولى، يوم الخميس 12 تشرين الأول، لإعلان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، للإعلان عن خطة وزارة الصحة، إن نشبت الحرب على الأراضي اللبنانية.
في الآونة الأخيرة، تكثفت الاجتماعات بين وزارة الصحة والشركات المسؤولة عن صناعة الأدوية، نقيب المستشفيات الخاصة والجهات الدولية (كمنظمة الصحة العالمية، اليونيسف، الأونروا وغيرها..) لدعم القطاع الصحي بالمستلزمات الضرورية، ووضع مجموعة تدابير وإجراءات فعالة، تحسبًا لأي عدوان فُجائي. تجهيزات ومساعدات دوليةيدرك الوزير الأبيض جيدًا أن القطاع الصحي في لبنان يمر في مراحل خطيرة. لذلك، كانت معطياته واقعية، فاستهل حديثه قائلًا "أن كميات الأدوية المتوفرة في لبنان ستكون كافية للمرحلة المقبلة، كما وستصل المساعدات الدولية نهاية هذا الأسبوع".
الهدف الأساسي للمساعدات الدولية يكمن في توفير المستلزمات الضرورية للمستشفيات، ولمراكز الطوارئ. ولكن، يشدد الأبيض على حساسية هذه المرحلة في لبنان، لافتًا إلى أن القطاع الصحي لن يتمكن من الصمود بتاتًا، إن كانت الحرب الآتية على لبنان، ومماثلة للعدوان الإسرائيلي على غزة".
فيما يتعلق بالخطة الطارئة، يوضح الأبيض أن التعليمات والتدريبات ستُقدم للطاقم الطبي بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي، لتدريبه على معالجة المصابين. سيما أن المستشفيات الخاصة ستكون جاهزة لاستقبال الجرحى، وكذلك الحكومية.
في حديثه لـ"المدن"، أفاد الأبيض أن عدد المستشفيات الخاصة يبلغ حوالى 130، أما عدد المستشفيات الحكومية فهو 30 تقريبًا، إلا أنها غير قادرة على استقبال المصابين ومعالجتهم. لذلك، يتم تزويد العديد منها، وخصوصًا تلك القريبة لمناطق النزاع والمؤهلة لاستقبال العدد الأكبر من المصابين، بوحدات الدم والأدوية والمستلزمات المطلوبة، ويتم تجهيز شبكة مستشفيات باللوازم الضرورية.
وواقع الحال أن القطاع الصحي لم يعد قويًا كما كان منذ 17 عامًا، ففي حرب تموز عام 2006، كانت جميع المستشفيات في لبنان جاهزة وقادرة على استقبال الجرحى. بينما اليوم، باتت الأمور صعبة ومختلفة، لأننا بحاجة إلى كميات كبيرة من الوقود والأدوية لاستعمالها خلال أيام الحرب. وهي غير متوفرة حاليًا كما يجب، نتيجة الأزمة الاقتصادية، وفق كلام الأبيض.
وفي الوقت عينه، أكد الأبيض أن القطاع الصحي سيقوم بواجباته، خصوصًا بعد تمكنه من معالجة أكثر من 6000 جريح في الرابع من آب عام 2020 في يوم واحد. لكن، يبقى التعويل على دعم هذا القطاع، وتجهيز المستشفيات الخاصة والحكومية ليبقى صامدًا وقادرًا على مساعدة المصابين.
بدوره، أفاد نقيب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، في حديث لـ"المدن" بأن عدد الأسرة المجهزة لاستقبال المرضى بلغ حوالى 3000، ولكن هناك مستشفيات لا قدرة لها على استيعاب العدد الأكبر من الجرحى والمصابين، بسبب النقص في المستلزمات المطلوبة. من أجل ذلك، يتم التخطيط لإنشاء شبكة لاستقبال جرحى الحرب، بالتعاون مع وزارة الصحة، مستطردًا بالقول: نسبة جهوزية المستشفيات الخاصة تراوحت بين 30% و40%.
إذن، لعل هذه المعطيات تؤكد للمتشوقين للحرب، وللمتوجسين منها أيضًا، أن القطاع الصحي قد يلفظ أنفاسه في أي لحظة، فموارده البشرية ولوازمه الطبية لم تعد كافية كما كان حالها في عام 2006.