عمرها عشر سنوات واجتازت كل المراحل التعليمية حتى الصف الرابع ابتدائي بنجاح، وكانت متفوقة. ثم اكتشف أهلها منذ أيام أنها رسمياً ما زالت في الصف الأول ابتدائي، وذلك عندما همّوا لتسجيلها في الصف الخامس ابتدائي في مدرسة ثانية.
هذا ما حصل مع طفلة سكن أهلها في بريتال منذ سنوات، وانهت الصف الرابع بنجاح في ثانوية بعلبك الحديثة. كان الأهل يهمون بنقلها إلى مدرسة أخرى في رياق، بعدما نقلوا سكنهم من بريتال، لتسجيلها في الصف الخامس ابتدائي. لكنهم تفاجأوا أن طفلتهم ما زالت مسجلة رسمياً في الصف الأول ابتدائي.انتقال بين مدارس غير مرخصةأهل الطفلة، مثلهم مثل أولياء أمور آخرين، سجلوها في الصف الأول ابتدائي في ثانوية درب النجاح في بريتال في العام 2019. وورد اسمها ضمن الناجحين. وتسجلت في الصف الثاني ابتدائي في العام اللاحق في المدرسة عينها، ودفع أهلها القسط، ونجحت كسائر الطلاب خلال أزمة كورونا. ويشرح أولياء أمر الطفلة، أن مدير المدرسة الذي أنشأ مدرسة خاصة به تحت أسم ثانوية بعلبك الحديثة أقنعهم بنقل الطفلة إليها، لأن المدرسة الأخرى (درب النجاح) ستقفل أبوابها. وبالفعل نقلوا طفلتهم إلى هذه "الثانوية". لكن بمتابعة "المدن" تبين أن هذه الثانوية غير مرخصة مثلها مثل الثانوية الأولى.بعد نقلها من "درب النجاح"، أمضت الطفلة الصف الثالث والرابع في ثانوية بعلبك الحديثة وكانت متفوقة. وعندما ذهب الأهل مؤخراً للحصول على إفادة لنقل طفلتهم وتسجيلها في مدرسة أخرى بالصف الخامس، تبين لهم أن الأمر متعذر. فقد حمّل مدير وصاحب المدرسة ع.م. المسؤولية لإدارة ثانوية درب النجاح التي لم تسجل طفلتهم في الصف الثاني بشكل رسمي. وبالتالي، هناك انقطاع بالتسلسل الدراسي للطفلة، ولا يمكن نقلها للتسجل في الصف الخامس إلا بعد كتابة كتاب لرفعه إلى وزير التربية عباس الحلبي لتبرير نجاحها السابق بالدراسة، وتعثر تسجيلها رسمياً في المدارس التي تعلمت بها. وتبين أن هذا الكتاب هدفه الالتفاف على عدم حصول المدرسة على الرخصة.تعاون بين المدارسووفق أولياء أمر الطفلة، كتب المدير م. الكتاب وطلب منهم توقيعه، ليقوم هو برفعه إلى وزير التربية. وجاء في مضمون الكتاب أن الطفلة أنهت الصف الأول في مدرسة درب النجاح بنجاح واسمها وارد على اللوائح الأسمية للعام الدراسي 2019-2020، وتابعت دراسة الصف الثاني في المدرسة عينها، لكنهم فوجئوا عند نهاية العام الدراسي حينها أن ابنتهم كانت من الناجحين، ولكن لا يوجد تبرير رسمي لهذا الأمر، كحال جميع من كان في المدرسة في ذلك العام. وفي العام التالي نقلت تسجيلها إلى ثانوية بعلبك الحديثة الكائنة في حورتعلا، حيث انهت دراسة الصف الثالث بنجاح، ولم تبرر الانتقال بسبب عدم تبريرها النجاح في العام السابق (2020-2021)، حسب ما ورد في الكتاب. أما خلال العام الحالي 2022-2023 فتتابع الطفلة دراستها في الصف الرابع في مدرسة الجواد الدولية.توجس الأهل من الكتاب الذي يذكر فيه المدير تسجيل ابنتهم في مدرسة الجواد في الصف الرابع. فهم لم يسمعوا باسمها من قبل. وهي كائنة في منطقة السعيدة، البعيدة عن سكنهم نحو 30 كيلومتراً. واحتجوا بأنهم لم يسجلوا ابنتهم فيها من قبل. وخافوا من تحميلهم مسؤولية لا علاقة لهم بها ورفضوا التوقيع. لكن المدير قال لهم "هذه الطريقة الوحيدة لترفيع ابنتكم إلى الصف الخامس، وعليكم التوقيع. وسأمنحكم إفادة نجاح، وتستطيعون تصديقها في الوزارة في شهر كانون الأول المقبل". وهم حالياً ينتظرون من يرشدهم كي لا تضيع سنوات الدراسة على طفلتهم.
في البحث عن هذه المدارس، الآنفة الذكر، تبين أن درب النجاح غير مرخصة وكانت تحصل على إذن مباشرة عمل مؤقت فترفع الطلاب. لكن منذ العام 2020 لم تمنح وزارة التربية تلك الأذونات. هذا فضلاً عن أن ثانوية درب النجاح لا يوجد فيها صفوف لمرحلة الثانوية وغير موجودة في دليل مدارس لبنان الصادر عن المركز التربوي للبحوث والانماء للعام 2020-2021، مثلها مثل ثانوية بعلبك الحديثة. وتبين أن رقم ثانوية درب النجاح في المركز التربوي كان 8765، بموجب رخصة وإذن مباشرة عمل مؤقت قبل العام 2016، وسحب منها الترخيص، لكنها استمرت بتعليم الطلاب من دون رخص ومن دون علم أولياء الأمور. ووقع أهالي الطلاب ضحية. أما ثانوية بعلبك الحديثة فغير موجودة في الدليل الصادر في العام 2020-2021. بخلاف الجواد الموجودة تحت الرقم 8849.فرض أمر واقعهذه الحالة ليست فردية، تقول مصادر مطلعة في وزارة التربية، وكل الوزراء المتعاقبين على اطلاع على هذا الملف المزمن. ووفق مصادر تربوية كل وزير تربية يستلم الوزارة يضطر في نهاية المطاف إلى اللجوء لحلول تنقذ مستقبل الطلاب، فيمنح هذه المدارس موافقات استثنائية أو يلجأ أصحاب هذه المدارس إلى تسجيل الطلاب على سجلات مدارس أخرى لتبرير التسلسل الدراسي للطلاب، كحال بعلبك الحديثة. وفي كلا الحالتين يواظب أصحاب هذه المدارس على تسجيل الطلاب فارضين أمراً واقعاً بدوام عملهم.سبق وحذر وزير التربية من أن انهيار التعليم الرسمي سيدفع أهالي الطلاب إلى تسجيل أولادهم في مدارس الدكاكين. وقد انزعج البعض من تعبير الوزير هذا. لكن مع ارتفاع أقساط المدارس الخاصة، وحيال الأزمة التي يعيشها لبنان، سيجد أهالي الطلاب أن أقساط المدارس، التي أسماها الحلبي "دكاكين"، أفضل حل من التسرب المدرسي. وهذا ينعكس انتعاشاً لهذه المدارس من ناحية، وتصاعد مشاكل الأهل مع هذه المدارس من ناحية ثانية. لكن المشاكل بقاعاً تأخذ مناحٍ خطرة في حال عدم تحرك وزارة التربية لمعالجة هذا الموضوع. وما العلاج الناجع له إلا إقفال هذا "الثقب الأسود" في قطاع التربية مرة واحدة وإلى الأبد.