منذ نحو ثلاثة عقود، وتحديداً بعد نهاية الحرب الأهلية 1990 وإقرار إتفاق الطائف، لم تخرج أزمة إنقطاع التيّار الكهربائي والتقنين القاسي الذي تسبّب بإلحاق اضرار واسعة بحركة البلاد الإقتصادية، من الدوران في حلقة مفرغة، برغم ما أُنفق على قطاع الكهرباء من أموال زادت على 40 مليار دولار على أقل تقدير.
طيلة هذه العقود الثلاثة كانت تتكرر الإسطوانة ذاتها مع كلّ حكومة تعاقبت على السّلطة، إذ كان وزراء الطاقة فيها، مع رؤساء الحكومات، لا يتوقفون عن إطلاقهم وعوداً عدّة بأنّ التيّار الكهربائي سيأتي 24 / 24 في غضون أشهر، وأنّ بعض الوزراء ضرب موعداً لتحقيق هذا الوعد لكنّه بقي أضغاث أحلام، قبل أن تتنازل وتنخفض طموحات وزراء الطاقة في السنوات الأخيرة بوعدهم زيادة التغذية بالتيّار ساعات قليلة إضافية، لكنّ هذه الوعود كما الأموال التي تُضخ لتغذية ودعم قطاع الكهرباء بدت وكأنّها أشبه بماء يرمى في برميل مثقوب.
آخر هذه الوعود، التي جاءت بعد قرابة 4 أشهر من إنقطاع شبه تامٍ للتيّار عن مختلف المناطق اللبنانية، كانت في إعطاء وعدٍ جديدٍ بأن تتمكن معامل إنتاج الكهرباء في لبنان بتزويد المناطق والمواطنين بـ10 ساعات على الأقل إبتداءً من منتصف شهر كانون الأوّل المقبل، بعد وصول كميات من الفيول إلى المعامل المذكورة، بعد توقفها قرابة 4 أشهر تقريباً عن العمل بسبب نفاد الفيول من خزّاناتها، واعتماد البلد كله خلال هذه الفترة على معامل كهرومائية لإنتاج الكهرباء بضع ساعات، كانت تذهب إلى مؤسسات حيوية وحسّاسة لا يمكن إنقطاع الكهرباء عنها.
غير أنّ هذا الوعد لن يكون مصيره أفضل من مصير سابقيه. فمعمل دير عمار الحراري الذي توقف عن العمل طيلة الأشهر الأربعة الماضية نتيجة نفاد الفيول، كان قد تعرّض خلال أعمال الصيانة الجارية له منذ أيّام إلى “خطأ” تقني من شأنه أن يبقيه متوقفاً عن العمل بشكل قسري حتى شهر شباط المقبل على أقل تقدير، حتى لو امتلأت خزّاناته مجدّداً بالفيول، أيّ أنّ حلم السّاعات العشر الموعودة للتغذية بالكهرباء قد تبخّر نصفها منذ الآن، من غير أن يضمن أحد مصير النصف الآخر من السّاعات العشر للتغذية، وإذا كانت ستتحقق أم ستلقى مآل النصف الأوّل؟
ويعود هذا الإنطباع السوداوي حول قطاع الكهرباء إلى تجارب مريرة سابقة. فالفساد الذي يعمّ هذا القطاع يجعل إنتشاله أشبه بمعجزة. أحد هذه الأمثلة أنّه عندما تفرغ باخرة ما الفيول منها في خزّانات معامل الكهرباء في لبنان، تعلن مؤسّسة كهرباء لبنان أنّ الكمية المعينة من الفيول تكفي لبنان مدّة زمنية للتغذية بالتيّار ساعات محدّدة في اليوم. لكن ما إن تنقضي أيّام قليلة على تفريغ الفيول، وعلى ساعات تغذية أقل من الموعودة، حتى تسارع المؤسّسة إلى الإعلان فجأة عن نفاد الفيول، وتوقف المعامل عن الإنتاج! فأين تذهب كميات الفيول هذه، وأين هي الوعود التي تعطى، ومتى يمكن لقصّة “إبريق الزيت” هذه أن تنتهي؟