خاص tayyar.org - لارا الهاشم 

لم تتعاطى الحكومات المتعاقِبة مع المدن والقرى البعيدة عن العاصمة وكأنّها جزءٌ من الدولة. لا بل تُركت هذه المناطق لرحمة الزعامات والقوى السياسيّة التي تتحاصصُها وتلعب بها كورقة "لوتو" تستخدُمها عند الحاجة.

بعضُ هذه المناطق كان محظيّاً بنوابٍ حصّنوا زعاماتهم عبر تطوير بلداتِهم فيما مدنٌ كطرابلس لطالما شكّلت صندوقَ بريدٍ تُوزَّع فيه الأسلحة والذخائر عوضاً عن الحصَص الغذائية وتُخلَق فيه فرصُ الإقتتال عوضاً عن خلقِ فرصَ عملٍ.

السلاحُ الذي سُحب من شوارع طرابلس نتيجة التسوية السياسية وانتشار الجيش بعد جولاتٍ من الاقتتال بين جبل محسن وباب التبانة، عاد اليوم ليظهر بشكلٍ لافتٍ في كلِّ منزلٍ وعند أي مناسبة إن كانت حزينة أو سعيدة. في الفرح والحزن، في الجنازة وفي العرس، في أي إشكال عائليٍّ أوفرديٍّ مثل الخلاف على رَكنِ درّاجة ناريّة يُشهر السّلاح وتمتلئ سماء طرابلس بالرشقات الناريّة.

السببُ بحسب أبناء المدينة الذين يشكون من التفلّت الأمني هو غياب القوى الأمنية والمحاسبة القضائية وهذا الأمر سبق أن أثاره مشايخُ هيئة العلماء المسلمين مع كلٍّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسّام المولوي في اجتماع عُقِد في السراي الحكومي يومَ الإثنين.
الحديثُ عن تفلُّتٍ أمني أثار حفيظة وزير الداخليّة الذي لفَت إلى أن راتب العسكريين معدومٌ ومعنويّاتُهم "بالأرض" وعلى الرغم من الظروف والإمكانات الصعبة لا يتوانى العسكريّون عن القيام بواجباتهم.

لربّما كان المولوي على حق بأن العسكريين يقومون بواجباتهم على أكمل وَجهٍ لكنّ الحقيقة هي أن الدولة عاجزة عن فرضِ هيبتها وتأمين الوجود العسكري على الأرض بشكلٍ دائمٍ كونها لا توفّر أدنى مقوّمات الحياة لعناصرها العسكريّة والأمنية.

في طرابلس يروي بعضُ أبنائها أنه لا يمرُّ يومٌ من دون حادثٍ أمني أو إطلاق نارٍ في الهواء وقد تكاثرت عمليات السّرقة والسّلب في الآونة الأخيرة بسبب تفاقُم حالة الفقر وانعدام أدنى مقوّمات العيش كالماء والكهرباء التي غابت ٢٤/٢٤ ساعة مثلاً ل ١٢ يوماً، قبل أن يتواصل ميقاتي مع رئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال حايك بُعيد اجتماع السراي والذي أثمر ساعة كهرباء في اليوم منذ ذلك الحين.

يقول الشيخ نبيل رحيم لtayyar.org أن "البعض بات يستخدم الآلات الحادّة في الإشكالات والأسوأ هو استسهال استخدام السلاح بسبب غياب المحاسبة. فالمحميّ سياسيّاً لا يتم توقيفه وإذا حصلَ ذلك فيكون شكليّاً".

هنا يستشهدُ رحيم بالآية القرآنية القائلة "الذي أطعَمَهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ" قاصداً أن الحلّ لهذه الآفة الاجتماعية يكون بالأمان الوظيفي ووجود الرّزق والطعام والحياة الطيّبة والكريمة، أما الفَقر والإنهيار الاقتصادي فيولّدان مشاكل إجتماعية.

إذاً طرابلس تستغيثُ وتنادي الدولة لتلتفت إليها ولو لمرّةٍ. فالمدينة التي كانت الأفقر في الشرق الأوسط قبل الأزمة الرّاهنة يزداد الوضعُ فيها سوءً فيما وضعُ الأمور على المسار الصحيح يبدأ أقلّه بافتتاح المسلَخ الموجود قرب الميناء الذي سيوفّر الأمن الغذائي وسيؤمّن فرصَ عملٍ، وبتفعيلِ محطة التكرير التي تعمل ب٢٠% فقط من قدرتها بعد ١٢ عاماً على إنشائها ممّا يلوّث بيئة المدينة ويؤذي صحّة أبنائها، على الرغم من أنها المحطة الأكبر في الشرق الأوسط وتم تصنيفُها بالنموذجية.

لا ينقصُ الفيحاء شيئاً حتى تكون مدينة نموذجيّة سوى إيصال صرختها إلى البرلمان ومجلس الوزراء عوضاً عن التلهّي بالنكايات السياسية، وخلقُ أثريائها وهم من أثراء العالم مؤسساتٍ تجارية في طرابلس وليس فقط في الخارج بهدفِ توظيف أبناء المدينة.