2024- 05 - 18   |   بحث في الموقع  
logo “مسؤول أجنبي” في لبنان ويزور الجنوب! logo 8 نقاط تشرح تفاصيل حادثة المريجة.. هذا ما نعرفهُ عنها logo "متملق وكذاب"... بن غفير عن غانتس: بهلوان كبير logo "مسؤول أجنبي" في لبنان ويزور الجنوب! logo هل توفي شخصٌ جراء إشكال المريجة؟ هذا الخبر يكشف logo حتى 8 حزيران... تهديدٌ من غانتس بالانسحاب من حكومة الطوارئ! logo أصحاب "الرداء الأحمر" يهاجمون المصانع الإسرائيلية في بريطانيا! logo جريح بالرصاص في البداوي.. إليكم التفاصيل
أيمن الظواهري وأمثولة خيباتنا المديدة
2022-08-03 01:26:04

أمِن باب الصدفة، أم حسن الطالع أن يسقط الصيدان الثمينان، بن لادن ولاحقاً الظواهري، في أيدي إدارتين ديموقراطيتين؟ أوباما أولاً، وبايدن بعده بأكثر من عقد، يعودان ليثبتا أن الحزب الديموقراطي ليس أقل حماساً في تقصي ثأر 11 أيلول البعيد ونصف المنسي، وإداراته هي الأكثر كفاءة أو ربما الأوفر حظاً في اقتناص الهدف. من السماء يأتي الموت، محمولاً على جناحي مسيّرة تقتنص الظواهري بدقة، وفي برهة خروجه إلى شرفته. الأراضي الأفغانية التي غادرتها القوات الأميركية في مشهد مذل للعظمة الإمبراطورية، ما زالت في مدى الذراع الأميركية الطويلة. لم تعد واشنطن في حاجة إلى "بيادات على الأرض"، فالحُكم من السماء بتلك الوحوش الصغيرة المحلّقة، والمُتحكَّم فيها عبر آلاف الأميال، على شاشات المكاتب الإدارية لمقرات البنتاغون وقواعده المنثورة في كل ركن من الكوكب، أشبه ما يكون بقدر إلهي يستعلن نفسه من داخل لعبة للفيديوغايم، أو العكس لعبة رقمية نكتشف في دهاليزها الحكم الإلهي المحتوم، ذاك الذي لا نجاة منه ولو طال الزمن.إلا أن الرجل السبعيني، والمعتل صحياً، بحسب تقارير متواترة، لم يعد تهديداً للولايات المتحدة منذ وقت طويل، وتنظيمه الذي تفكك، يقف ما بقى منه في أحيان كثيرة ومواقع عديدة، في الجانب نفسه مع الغرب بمواجهة "الدولة الإسلامية". وبالرغم من ذلك، أو لنقل بسببه على الأخص، كان قتل الظواهري واجباً، لا لحاجة استراتيجية أو ضرورة، بل بوصف الموت رمزاً، فكل انتقام سماوي لا يحكم بالموت إلا على سبيل الأمثولة.سريان همهمات الترحم على الظواهري بين بعض المصريين، مع أنه يستدعي شعوراً بالصدمة، لكنه ليس عصياً عن التصور. فجرائم الرجل ضد بني وطنه، في تاريخه الطويل في تنظيم بعد آخر، من الجهاد وحتى "القاعدة"، أضحت بعيدة على الذاكرة في خضم سلسلة من المذابح المتواصلة، حتى أن أجيالاً أصغر لم تسمع بها، وإن سمعت، فلم تتذوق مرارة رعبها الذي سيطر على جيلنا. من يذكر شيماء عبد الحليم، أو من يقدر على نسيانها، الطفلة ذات إلاثنى عشر عاماً، وجثتها الممزقة بفعل الانفجار، متناثرة أمام المدرسة في حي مصر الجديدة؟ أي كابوس سيطر على طفولة التسعينيات! أذكر، في ذلك الحي الهادئ نفسه، ووالدي يقودني من يدي، ويشير إلى يافطة تحمل اسم الظواهري. كانت عيادة لطبيب من العائلة. فعل ذلك مراراً ببعض النقمة وببعض من الحسرة أيضاً. فكيف سقط إبن الطبقة الوسطى العليا، وسليل الأطباء وأساتذة الجامعة، من حياة الرفاهة المحافظة والتحقق المهني، إلى مصير المجرم الطريد؟ كان الظواهري، الطبيب والحاصل على ماجستير الجراحة، التجسيد العملي المزعزع لسردية الفقر والعوز التي روجتها الدولة ومثقفوها بشأن الجماعات الجهادية ودوافع منتسبيها.صار من المطروق أن تحال سيرة فردية أو عائلية إلى تأريخ لحقبة، أو أن يُقرأ زمن في سلسال تلك السير وانعطافاتها المفاجئة، ومن فرط اجتيازنا درب الأمثولة التاريخية هذا، لا تخلو تلك السير من ركاكة الاختزال أحياناً. إلا أن سيرة الظواهري، الشخص والعائلة، تبدو نموذجاً مثالياً لتاريخنا الحديث. فالرجل المولود قبل ثورة يوليو بعام واحد، لم يكن ابناً للطبقة الوسطى كما يشار له عادة، فمن جهة الأم مَن حمَل بين الأعمام لقب الباشا، وبعضهم مرتبة الباكوية، وكان العم الأكبر، عزام باشا، مسؤولاً حكومياً رفعياً ووزيراً ونائباً برلمانياً، ورمزاً عروبياً ملهماً على مستوى إقليمي ومؤسساً للجامعة العربية وأول سكرتير لها، وأيضاً كان صهراً للعائلات الملكية في الإقليم، فابنته تزوجت محمد ابن الملك فيصل آل سعود. بين عائلتي الوالدين، كان أحد الجدود شيخاً للأزهر، وآخر عميداً لجامعة القاهرة ومؤسساً للتعليم العالي في المملكة السعودية، وبعض سفراء ومفكرين ونقاد أدب كبار وقيادات إسلامية في الداخل والمهجر. بهذه الشجرة العائلية المتشابكة، انتمى الظواهري إلى عائلة متنفذة في السياسة وطبقة الحكم والثروة والثورة، وشارك أفرادها بشكل مباشر في تأسيس وبناء دول ما بعد الاستقلال على مستوى إقليمي، وتخليق أيديولوجياتها ومؤسساتها السياسية والتعليمية وخطاباتها الثقافية.أبعد من هذا، تعود مكانة عائلة عزام، المنتمية إلى بدو الجيزة، إلى قيام دولة محمد علي بتصفية البني التقليدية للمجتمع، بتوطين البدو ودمج التراتبية القبلية في الهيكل الإداري للدولة الحديثة، فكان الجد الأكبر للظواهري، سالم عزام، أول بدوي على الإطلاق يتولى منصباً حكومياً رفيعاً، على رأس مديرية الجيزة.في هذه التوثيق العائلي الطويل للحداثة ودولتها في مصر، تبدو سيرة الظواهري الابن صورة مقلوبة لأسطورة العم الأكبر، عزام باشا، أو للكيفية التي انقلبت بها أحلام الاستقلال إلى كوابيس دولة ما بعده. حارب عزام باشا في صفوف العثمانيين في البلقان، ومن بعدها انضم إلى مقاومة الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وبين الحربين كان انهيار السلطنة إيذاناً بإعلان مولد العروبة على أيدي عزام ورفاقه، قبل أن تتلقى تلك اليوتوبيا القومية طعنة ضياع فلسطين، وتخلف جرحاً لا يندمل. وكأن تنقلات الظواهري من أرض معركة إلى أخرى، سيراً كابوسياً على درب حاد عن "جهاد" الآباء، بحمولة من النقمة الجنونية والمرارة المولدة للكراهية العمياء، بينما كان يتراكم عار خيباتنا الوطنية بطول الطريق. هكذا كانت سيرة الابن الأخيرة للعائلة الكبيرة، تكثيفاً لكل تلك التشوهات التي لحقت بدولة الاستقلال ومجتمعها، بالأحقاد التي انقلبت ضد نفسها، بكراهية موجهة ضد المظلومين أنفسهم بسبب عجزهم، فصارت أمثولة فردية للخراب المديد الذي وصلنا إليه.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top