بلغ الصراع في بلدية طرابلس ذروة غير مسبوقة، قوامه تقاذف الاتهامات بين رئيسها رياض يمق ومجموعة من الأعضاء. ودخل على خط المواجهة بينهم وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي ومحافظ الشمال رمزي نهرا، فيما تغرق المدينة بمعاناة أهلها مع مجلس بلدي مشلول ومعطل عن فعل أي شيء، باستثناء تعميق النزاعات الشخصية. وآخر فصولها، دعوة نهرا لعقد جلسة مناقشة طرح الثقة برئيس البلدية في الأول من آب، بناء على كتاب وزير الداخلية الذي يتضمن دعوة لانتخاب رئيس ونائب رئيس بلدية طرابلس، وذلك أيضًا استنادًا إلى طلب إجراء هذه الانتخابات بطلب تقدم به 12 عضوًا بلديًا من أصل 20 عضوًا. سجال قانوني واتهامات قضائيةوتأتي هذه الدعوة التي تشهد سجالًا قانونيًا واسعًا حول شرعيتها، بعد قرار الحكومة التمديد لمجالس بلديات لبنان عامًا إضافيًا، إثر الامتناع عن إجرائها هذا العام وفق الأصول الدستورية، بعد 6 سنوات من انتخابات 2016.
وحتى الآن، يبدو أن يمق الذي رفض مرارًا الدعوات التي تحثه لعقد جلسة طرح الثقة به، يرفض تلبية دعوة محافظ الشمال، باعتبارها غير قانونية، وفق رأيه ورأي مؤيديه، على قاعدة أن طرح الثقة يكون فقط بعد 3 سنوات من انتخاب المجلس، وليس بعد قرار التمديد الذي يجسد حالة استثنائية، حسب رأي قانونيين يستندون إليهم. ويذهب يمق إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن ثمة معركة شخصية تقاد ضده ولتشويه سمعته. خصوصًا أن هذه الدعوة جاءت بعد قرار وزير الداخلية الشهر الفائت، إحالة رياض يمق إلى النيابة العامة المالية وديوان المحاسبة، للتحقيق معه في شكاوى قدمها نحو سبعة أعضاء في البلدية ضده، بتهم هدر أموال وعدم الحفاظ على الأملاك العامة.
هذا ويستند خصوم يمق إلى اجتهاد قانوني آخر، على قاعدة أن قرار التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لا يعني التمديد لولاية الرئيس ونائب الرئيس اللذين ينتخبهما الأعضاء حصرًا.
هذا الأمر، أدى إلى تعطيل كامل للجلسات التي يدعو إليها يمق، بسبب عدم اكتمال نصاب الأعضاء، الذين يرفضون حضور أي جلسة قبل انتخاب رئيس جديد، ما جعل البلدية عاجزة حتى عن إقرار بنود لشراء مازوت لمركباتها. مغارة البلدية وواقع الحال، يعيش معظم أهالي طرابلس يأسًا كليًا من البلدية التي لم تهدأ فيها الصراعات والخلافات الشخصية منذ انتخاب مجلسها في 2016. علمًا أن معظم أعضائها كانوا محسوبين على اللائحة المدعومة من النائب أشرف ريفي، الذي اعتبر حينها أنه سجل انتصارًا تاريخيًا بفوزه بأغلبية ساحقة بالمقاعد، فجرى انتخاب مرشحه أحمد قمر الدين رئيسا للمجلس، لكنه سقط بجلسة طرح الثقة في 2019 بعد صراعات طاحنة مع مجموعة من الأعضاء، فجرى انتخاب يمق خلفًا له. وفيما لم يعد يكترث ريفي لعمل البلدية ومشاكلها، ها هو التاريخ يعيد نفسه بتقاذف اتهامات الفساد وشخصنة العمل البلدي بعيدًا عن الكفاءة والمناقبية، ما أدى إلى عدم تحقيق الإنجازات على المستوى الإنمائي، فتضاعف الفشل والعجز في ظل الانهيار الذي يعصف لبنان.
وتتحدث معطيات "المدن" عن حالة من الانحلال داخل أروقة بلدية طرابلس، التي لم تُرمم كليًا بعد حادثة إحراقها العام الفائت، كما ينفذ موظفوها إضرابات متقطعة بين حين وآخر.
وما زالت كل محاولات المصالحة قبيل جلسة طرح الثقة تبوء بالفشل. وللتذكير أيضًا، فإن السنوات الفائت وفي عهود أخرى، شهدت بلدية طرابلس إثارة الكثير من ملفات الفساد، وكانت غالبًا على صراعٍ دائم مع المحافظ رمزي نهرا الذي تحيط به من كل حدب وصوب قضايا واتهامات الفساد والاختلاس والارتهان السياسي، وجميعها لم تصل إلى نتيجة. يمق يدافع عن نفسهتوازيًا، تؤكد أوساط قريبة من وزير الداخلية لـ"المدن" أنه لا يتعاطى شخصيًا بملف بلدية طرابلس وليس لديه أي مشكلة ضد أو مع رئيسها، وأن الأمور تسير وفقًا للأصول القانونية مع مديرية البلديات داخل الوزارة.
من جانبه، يتساءل رئيس البلدية رياض يمق عبر "المدن": لماذا فقط في بلدية طرابلس قررت وزارة الداخلية توجيه دعوة لانتخاب رئيس ونائب رئيس خلافًا لسائر بلديات لبنان؟
يعتبر يمق أنه غير متمسك بمنصبه، و"إنما أدافع عن المدينة وعن نفسي ضد حملات التحريض والاتهامات المزيفة. والدليل أن النيابة العامة المالية لم تصدر أي قرار ضدي، وأطالب بمحاكمتي أمام الرأي العام".
وقال رئيس البلدية، أنه بصدد التشاور مع قانونيين، للطعن بشرعية الجلسة التي دعا إليها المحافظ نهرا، لأن طرح الثقة يكون فقط بعد ثلاث سنوات من انتخاب المجلس وليس خلال فترة التمديد. واصفًا تعطيل جلسات مجلسه بقوة الأمر الواقع. استمرار التعطيل وكان عضو مجلس بلدية طرابلس محمد نور الأيوبي من بين سبعة أعضاء تقدموا بشكوى لدى وزارة الداخلية، تتضمن طلب التحقيق مع رياض يمق بقضايا هدر مالية وأملاك عامة، ومن بينها آلية صرف مساعدات غذائية في طرابلس العام الفائت بقيمة 3 مليارات ليرة.
ويعتبر نور الأيوبي أن الدعوة لانتخاب رئيس ونائب رئيس للبلدي قانونية طالما انقضت مهلة 3 سنوات جديدة، وطالما أن التمديد للمجالس لم يشمل رؤساء البلديات برأيه.
وقال لـ"المدن": "نحن لا نخوض أي معركة شخصية ضد يمق ولم نوجه له أي اتهام، بل تقدمنا بشكوى للتحقق من ست قضايا تحوم حولها الكثير من الالتباسات والشكوك. ورفض يمق مرارًا التحقيق الداخلي حولها".
ويشير إلى أنه على مدار ثلاث سنوات من عهد يمق، عقدت 83 جلسة فقط، أي بمعدل جلستين شهريًا، وكان يحضرها كل الأعضاء المعارضين له، "لكننا اليوم نرفض حضور أي جلسة قبل جلسة انتخاب رئيس جديد للبلدية، لأننا نرى يمق فاقدًا لشرعيته".
وعليه، ليس من الواضح إن كان المحافظ نهرا سيتمكن من عقد جلسة لانتخاب رئيس بلدية جديد لطرابلس للأشهر المتبقية من مهلة التمديد في حال طعن بها يمق، فيما الأخير بحكم العاجز عن توفير نصاب لجلسات البلدية لإقرار البنود الملحّة. ما يعني أن طرابلس بحكم العالقة بين صراعات بلدياتها وقياداتها الغائبة عنها منذ طيّ مرحلة الانتخابات البرلمانية.