2024- 04 - 27   |   بحث في الموقع  
logo بسبب "عدم التوافق"... أردوغان يُأجل زيارته إلى الولايات المتحدة! logo بركان الجنوب قادم وحرب كبرى.. قاسم قصير يكشف عن تسريب خطير حول "انقلاب في معراب": لبيك يا حزب الله! logo إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل logo "تسهيل الإبادة في غزة"... "العدل الدولية" ستصدر قرارها في دعوى ضد ألمانيا! logo استعدوا: كتل هوائية باردة بانتظاركم... ماذا عن طقس "الشعنينة"؟! logo قاووق: المساعدات الأميركية لإسرائيل هي الضوء الأخضر لِاجتياح رفح logo افتتاحية “اللواء”: الدبلوماسية الأميركية والفرنسية ترمي بثقلها لمنع «الحرب الشاملة» logo ماذا دوّنت “الأخبار” في سطور افتتاحيتها؟
التشكيل كنصٍّ بصري...في البدء كان الشكل واللون وليس الكلمة
2022-04-13 12:26:14

(*) بعد عقود من الشعر، عاد الشاعر الاسباني رافاييل آلبرتي، في مذكراته، إلى بداياته الأولى حينما كان تشكيلياً ليقول: على المرء ألَا يفتّش عن المعنى في الكلمات وإنما في اللوحة. إنه النص البصري حيث الدلالة لا تخضع لتقييد الكلمات المكتوبة وحيث المعنى رهن الحواس.فالتشكيل يلبّي في بعض تجسيداته انفلات العلاقة بين الكلمة والبدء لنكون إزاء علاقة أخرى: في البدء كان الشكل واللون وليس الكلمة.فإذا كانت الدلالة المستقاة من الكلمات محل انضباط لأسباب تتعلق بتاريخ الكلمة أو بتوظيفاتها في المتون، فإن العمل الفني لا يقدّم الدلالة إلا تحت شرط الإنفلات من أي قيد، إذ ليس للحواس تاريخ كلّي، فهي (الحواس) من هذه الجهة تزوّد المتلقّي بإمكان اللابدء، اللاشرط، اللاوقوف على أي إجماع معجمي... للحواس في تلقّيها العالم معجمها الخاص، عندئذ لا معاني قارّة أو مترسخة ولا إحالة إلا على الذات، حتى الفنّان في هذا المدى هو محل اندثار إزاء عين الرائي وإزاء التاريخ الخاص لحواسه... إنها لعبة العين مع الشكل، الذهن مع المكبوت والمرئي مع اللامرئي، ثمة من كتب "إن القطعة الفنية قد تكون تكثيفاً للغز ما".إذا كانت الكلمة المكتوبة تحدّ من إمكان الإفتراضات المُسبقة واللامتوقع والغريب بالإجمال، فإنّ العمل الفني كنصّ بصري لا يمكن أن يُقرأ إلا عبر الحرية المستقاة من الإفتراضات المسبقة للمتلقّي و"شوشرة"حواسه وبواطن ذهنه وتخميناته عن الفنانة أو الفنان. فالتشكيل كحالة معقدة من الإنتاج هو عبر بعض المتلقّين أكثر تعقيداً. إنه سرد من نمط آخر حيث انتهاك حرمة العين، يجيز للرائي بعثرة العمل داخل ذهنه عطفاً على سرديته الخاصة وكما يشاء. فالموضوعية هنا لا تتأسس على نموذج مرجعي في القراءة والتأويل، بل تراها تتأسّس على محض طريقة إدراك الإنسان للعالم... إدراك هذا العالم كأزمة، كحبور، كفجيعة أو كـ"لالا لاند". كل الإحتمالات واردة، فالتأويل بنهاية الأمر هو بمثابة عنف يُمارس على الأثر.قد يكون للتأويل في هذا السياق أو ذاك قدرة تحريرية عبر إخراج العمل من إسار شرطه الأول، كما أنتجه صاحبه أو قد يكون محدود السلطة والغيث، لكنه في كل الأحوال لعب، إذ لا يجب أن يغيب عن الأذهان أن الهيرمونيطيقا تستمد جذرها الأول من هرمس إله الحيلة وتقاطعات الطرق والناس الذين يأنفون الاستقرار، إنه الإله الذي كان يزيّن لنفسه تزوير رسائل زوس للبشر، الإله المهذار الذي وُلد عند الصباح وبمنتصف النهار كان يتكلم بعلياء الصوت ويدعو ندماءه للعب لكنه اللعب، حسب فهم دريدا للموضوع، الذي يتّسم بسمة أساسية ألَا وهي أن نهايته مفتوحة على الدوام بحيث لا يمكن لأحد ادّعاء الربح والفوز.... بالعودة إلى عنوان هذه المادة، هيا بنا نلعب:غادة الزغبيماذا وراء هذا الحطام؟ ماذا خلف كل هذه الأبنية المهدمة وهذه الألوان القاتمة والعتمة التي تغشى الأبصار؟في الكتاب الذي وضعه عن فرانسيس بيكون، تحت عنوان the painting before painting، يقول جيل دولوز: "من الخطأ بمكان الظن أن الرسام يرسم فوق مسطح أبيض" Deleuze – Francis Bacon.لا غرو أن الحرب سوف تشكّل المعطى الأول بالنسبة لمتلقّي لوحة غادة الزغبي كما تنعكس هذه الحرب عبر هذا الحطام المسرود تشكيلياً فوق اللوحة. لكن من قال إن اللوحة لحظة عرضها سوف تشكّل فقط الأفق المفترض للفنان؟ في المقدمة التي وضعها كل من آلان باديو وباربارا كاسان لكتاب دولوز عن بيكون، تساءل كل منهما: "مَن الرسّام ومَن الفيلسوف في هذا الكتاب؟!"يدعونا دولوز للوقوف ملياً عند الصامت واللامرئي في العمل التشكيلي موعزاً لقرائه أن الصامت واللامرئي هما المادة الأولى للعمل.فيما يتجاوز سردية الحرب كما تبدّت في عديد أعمال غادة، ماذا عن افتقاد الإنسان بالإجمال لمفتاح الدخول إلى بيت يحتضن الأمان؟لعل العمل في عيانيته المباشرة ينطق بنصف الحقيقة أو ربما يوارب الحقيقة التي تؤسس جوهره عبر حقيقة أخرى هي محل تداول الجميع. فالفن، ودائماً مع دولوز، لا يُختزل في كونه عملاً لإنتاج أو اختراع أشكال بل هو بالعمق محاولة من قِبل الفنان لإلقاء القبض على القوى التي تأبى الصراحة والوضوح وتختزن العمل الفني بالأساس. في جانب من الجوانب لا يرسم الفنان الشكل إنما القوى الخفية التي تدفعه لإنجاز هذا الشكل فوق اللوحة. يستعير دولوز في كتابه عن بيكون إجابة ميليه (Millet) حينما سئل عن لوحة المزارع المنحني تحت كيس فوق ظهره، قال Millet لم أكن بصدد رسم رجل فوق ظهره كيس بل جل ما أردته هو أن أرسم "الثقل".لعل الحطام في لوحات غادة هو استعارة لسرد تشكيلي آخر جوهره عدم الأمان بالمطلق. ربما هي لوحة أخرى شرطها البدئي عدم امتلاك مفتاح "البيت" مع أخذ الدلالة المباشرة لثيمة البيت كما تروى في كل السرديات: الأمان، راحة البال، الهدوء، السكينة، عمق الإغفاءة... إلى آخر هذه المحفزات. هي لوحة ربما أرادت عبر الحطام أن تواري عميقاً الإفتراضات المسبقة لأرقِ من لا يستظلون ببيت كمجاز مباشر للأمان.صراع الإنسان مع مخاوفه هو الصراع الأكثر جذرية، كما يقول دولوز في مقاربته للّوحة كأفق صراع بين المرئي واللامرئي في حياة الفنان. ربما تلك الأبنية المهدمة في لوحة غادة، ليست سوى أقنعة مرئية للامرئي عميق... ربما عبر هذا الحطام أرادت الفنانة إلقاء القبض على القوة المخفية التي حدت بها لرسم كل هذا الحطام... قوة عدم الأمان.آني كوركجيانمن النادر أن تكون الممارسة الجنسية جرس إنذار حيال مآلات الجسد. فالجسد في إطار المتعة يتعذر اختزاله في ما دون حدود هذه المتعة، بيد أن هو ما نشاهد عكسه لدى التملّي في لوحات آني، فالجسد هنا محل انضباط عبر الفعل الجنسي بالذات، وكأني بممارسة الجنس أقرب إلى مارش عسكري محسوب الخطوات لحظة بلحظة.قد تكون سوزان سونتاغ محقة بقولها أن التأويل هو انتقام الفكر من الفن، بيد أن معاينة خطوط "أجساد اللذة" في لوحات آني كوركجيان، تدفع بالمتلقي لإعمال الفكر بالمفارقة التالية كما تتبدى في هذه اللوحات: إن "أجساد المتعة" هنا تشي أن المتعة المتأتية عن الفعل الجنسي هي بمثابة يوتوبيا مؤجلة على الدوام، إذا أردنا أن نستعير هذه العبارة من "الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط" لعبد الصمد الكبّاص. تخرج اللذة الجنسية في هذا المحل من إطار التفلّت الحر الذي غالباً ما يرسم خريطة الممارسة الجنسية، لنكون إزاء فعل ضبط للذة عبر الجسد بالذات! إنه الجسد المؤجل والذي يميط اللثام عن بلادة الرغبة.فإذا كانت الرغبة في مضمونها الأعم هي إعادة ترميم علاقة الجسد بالعالم فإنها هنا ترسم حدود الجسد كحيز غير مكتف بذاته. ليس الجسد بداهة في هذا السياق، إنه بالأحرى أداة ضبط للمتعة، الأمر أشبه بعين تراقب ذاتها عند فعل الرؤية. فالجسد هنا، كحقل متعة، هو محل حضور متردد وصولاً إلى حد الغياب. ليست تلك الخطوط الرائعة والتي تعيّن انحناءات الجسد في لوحة آني أكثر من استجابة غامضة لتقييد حركة الجسد، ربما الجسد ها هنا هو رمز لحقيقة أخرى، لعله – وبالعودة إلى جيل دولوز – مخاتلة ناجحة لصامت ما يجثم في لامرئي اللوحة.من العدل، أن يعاند العمل الفني افتراضات متلقّيه ويفرض بالتالي شرط استقلاله، بيد أنّ ثمّة مفارقات في بعض الأعمال الفنية ترمي بالمتلقي في غابة الأسئلة العويصة بصرف النظر عن افتراضات الفنان أو تخميناته القبلية حيال منتجه الفني. إنها العلاقة التي تحفل بالغموض بين الأثر وصانعه ومتلقّيه فإذا بصراع التأويلات يصل، وبالعودة إلى سونتاغ، إلى حدود التشرّد.إن الجسد كحجة وجود ينتفي في لوحة آني، وقد تحول إلى معلم لوجود آخر، وجود لا يحفل بأقصى تجليات الجسد في العالم... وهل ثمة من تجل للجسد يضاهي تجلّيه لحظة المتعة!لا يتعلق الأمر هنا بميكانيكية تؤطر الفعل الجنسي، كما وصفها الروائي ميلان كونديرا في أحد أعماله، إنما بغموض يخشاه الجسد المفترض أن يكون منتشياً. فعل الإنتشاء هنا تجسد عبر تلك النظرات المرتابة لناس اللوحات. فإذا كان الروتين اليومي للإنسان يودي به إلى عدم ملاحظة جسده ثمة روتين آخر لعل الرغبة حياله هي فعل انتقام من الجسد. ثمة غموض دفع الرغبة كي تستضيف جسد المتعة تحت شرط أن يكون مقيداً، أن يكون تحت عين ذاته في كل آن فإذا بالمتعة محل شرود، محل تأجيل على الدوام.فاطمة مرتضىلا تخفي فاطمة مرتضى مقتها من التصور التوحيدي للمقدّس وغالباً ما تجاهر بعدائها للسردية الدينية التي خضعت لها منذ ولادتها والتي ترى فيها عطب أصاب طفولتها كندبة في جسد الذاكرة. ليست لوحاتها في هذا السياق سوى إعادة نظر بالماضي وجهد متواصل لترتيب الحاضر... فالأمر أشبه بحديث ضمني بين فاطمة وعلاقتها المأزومة مع مقدس الطفولة.ليست الأساطير القبل توحيدية في السياق التشكيلي لهذه الفنانة وقائع منفصلة عن العالم، بل هي وقائع حية تتخلل يومياتنا إنما بالسر وهو السر الذي تعمل على كشفه كنمط فنّي من الأخذ بالثأر. وليست المضامين الأسطورية التي تحفل بها أعمال فاطمة ترفاً جمالياً إنما هي محاولة منها لإعادة وصل ما انقطع بين الانسان والطبيعة. فتلك الأجساد البشرية ذات الامتدادات الحيوانية هي في بعض متونها فعل مصالحة مع الذات. عندما سُئل جوزيف كامبل عن أهمية الأسطورة في حياة الإنسان الحديث قال إن واحدة من أهم مشكلات البشر هي عدم وعيهم بالفوضى المتصلة بالروح. فالأسطورة وكما بثتها فاطمة عبر كائنات لوحاتها هي صدى لإجابة كامبل... إنها مصالحة الإنسان مع الطبيعة، مع الكل الحي.تصرّ تلك الهيئات المشدودة عبر الخيطان والتطريز على أنها جزء من معيشنا اليومي كما ترى فاطمة، وكأني بها ترجمة تشكيلية لأحد كتب إسحق عظيموف (Isaac Asimov – Words from the Myths)... فالعقل العلمي أعجز من أن يلبي شرط الطمأنينة والمصالحة مع العالم وكذلك الإيمان بالتوحيد لذا تقول أعمال فاطمة أن شرط الطمأنينة يكمن في عدم الإكتفاء ببلادة العلم من جهة ومن جهة أخرى في عدم الوقوع في فخ الثنائيات: الإنسان – و– الطبيعة، السماء – و– الأرض، المقدّس – و– المدنّس إلى آخر هذه الثنائيات ... " كن على حذر عندما تطرد الشيطان منك، يقول نيتشه، إذ لعلك تطرد بهذا أفضل ما فيك".شأن غادة وآني، لا تلبي لوحة فاطمة حاجة الجمال بالمعنى الفضفاض لكلمة جمال، فجمالية هذه اللوحة يكمن في فجاجتها وفي لامبالاتها بما يضادها من محتوى ذهني ومرتضى في هذا المحل بغاية الفظاظة واللامساومة وهما صفتان تنطلقان من تصور لديها عن الفن بكونه نشاط سياسي إنما على مستوى آخر ويداخل البشر في سلوكهم اليومي.بالنسبة للأزتيك ثمة العديد من الجنّات، ولكل جنّته عطفاً على طريقة موته، فالجنة التي تحوي من يسقط دفاعاً عن الغابة، هي عينها تلك التي تحوي الأم التي تموت أثناء الولادة، بيد أن الرابط الخفي الذي يشدّ كل هذه الجنّات هو مدى ولائها للأرض.ليست الأسطورة بمضمونها الأعمق حكاية تروى إنما هي واقعة تُعاش، واقعة لا تحفل بالمعنى في تعيّنه الذرائعي البخس إنما تعنى بالتجربة التي تؤكد لنا أننا ما زلنا أحياءً وننتمي إلى الأرض. ليست رؤوس الثيران التي تكمّل أجساد البشر في أعمال فاطمة، إلا ترجمة تشكيلية لعبارة رائعة لكارل غوستاف يونغ، أراد عبرها الإشارة إلى الأرشيف الأعمق الذي يضم كل الأحياء: إننا نشارك النباتات أحلامها.خاتمةربّ قارىء قد يرى أن هذه القراءة لأعمال كل من الفنانات الثلاث، انطلقت من افتراضات خاصة بي كمتلقّي، من النافل أن نكران هذا الأمر يقع في باب السذاجة. فالموضوعية إزاء بعض النصوص المكتوبة منها أو البصرية، تكون عبر إلغاء المسافة بين المتلقّي والعمل، بل نسف هذه العلاقة. إنها اللعبة التي تؤسس لقارىء ثالث لم يكن في الحسبان، قارىء آخر هو مزيج من المتلقي وصاحب العمل. فكل منا بنهاية الأمر هو أثر مرئي وصريح لنص آخر متوار، غامض وخفي.(*) 1 من 3... الحلقة المقبلة: الفن في زمن الكارثة، قراءة في المشهد التشكيلي في بيروت اليوم).


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top