2025- 10 - 25   |   بحث في الموقع  
logo بالفيديو: إطلاق نار في هذه المنطقة! logo بالفيديو: هل من استهداف في عانوت؟ logo شهيب نعى طليع حمدان: انطبع في ذاكرة الأجيال logo ظهورٌ مسلح في بلدة لبنانية.. إشكال وتوتر كبير (فيديو) logo طعن سوري في سهل سعدنايل logo شحادة من زحلة: نريد تعليمًا يواكب العصر وتكنولوجيا تخدم الإنسان logo هل يكون اتفاق غزة مفتاح الحل للبنان؟ logo "ذباب الحزب".. وحملات الترهيب ضد مريم مجدولين اللحّام ورامي نعيم
"ملاك" عسكري يخلِّص زوجين من طابور بنزين الذلّ
2021-08-21 12:25:57


في 20 آب 2021، في عزّ أزمة محروقات والانهيار التام والسقوط، ثمة ما يبعث الأمل. كأنّ ملاكاً سقط من سماء ملبّدة بغيوم البؤس والانحطاط. ملاك بصفة عسكرية وثياب مدنية، قدّم "بون" بنزين لمواطن يقف عاجزاً فاقداً لأعصابه وحيلته بعد انتظار 5 ساعات متواصلة على محطة محروقات نفذ مخزون البنزين فيها خلال انتظار أرتال المواطنين وطوابيرهم.منّا.. وليسوا منّاالعسكر ليسوا منّا. ليسوا مواطنين ولا أخوة لنا. هم أخوة لنا حين يأتون فرادى. هم مثلنا، عندما نلتقي بأحدهم في دكان الحيّ، أو على قارعة طريق لنتشارك "سرفيس"، أو على باب فرن لتناول منقوشة صعتر. بـ"المفرد"، هم مثلنا. ضحايا، موظفون، مصادَرو القرار، فقراء، بؤساء، يشتمون الزعماء، يلعنون الدولة والأرض والسماء على حدّ سواء، ويلعنون الجلّادين أيضاً. لكنهم حين يأتون مجموعات، بزيّ موحد وعتاد وأسلحة وهراوات، لا يشبهونا في شيء. نصبح نحن ضحاياهم، نصبح وحدنا الضحايا، البؤساء، والفقراء. نشتم الزعماء ونلعن الدولة والأرض والسماء على حدّ سواء. ونلعنهم هم أيضاً كجلادين. هم ملاك بـ"المفرد"، وجلّادون كمجموعات. فالملائكة، في أغلب الظنّ، تتحوّل إلى شياطين حين تجتمع. ربما، من يصرّ على هويته الملائكية في تلك التجمّعات، قد يلقى مصير إبليس. يُعاقَب، يُنبذ، يُطرد ويصبح شريراً، وهو الملاك.ملائكة الطابور الثالثخارج بيروت، بدأ طابور البنزين بالتشكل في السابعة صباحاً. حركة سير خفيفة. في الطابور خمس سيارات، عشرة، عشرين، مئة. الكل ينتظر وصول "سيتيرن" البنزين من الشركة. عند العاشرة، لم يصل بعد. وما أن وصل، حتى تحوّل الطابور إلى طابورين أو ثلاثة. محسوبيات ومعارف. طابور لأصدقاء إدارة المحطة. طابور للعسكر بثياب مدنية وعسكرية. طابور للمواطنين العاديين. الطابوران الأولّان تُملأ خزانات سيارتهم "حتى الرقبة". "فوّل". الطابور الثالث، بخمسين ألف ليرة فقط. فالشياطين حاضرة هنا، مجموعات. والملائكة تنتظر في سيارات الطابور الثالث. يد على الخدّ. فنجان قهوة من المنزل. درّاقة أو سندويش "زوّادة" المشوار. اتصال هاتفي يمرّر بعض الوقت. عمل على الحواسيب أو حتى الهواتف الذكية. هو وقت ميت لا بد من قتله أيضاً بأي طريقة ممكنة. الطابوران الأولان يمشيان، الثالث في مكانه. شاب في مطلع العشرينات، يحضر، يتجاوز الطوابير الثلاثة، يملأ خزّانه ويمشي. نظرات الجميع تأكله. عيناه مكسورتان، وإن لم تكونا كذلك فلا بد من كسرهما "في الأرض". لا يجرؤ على النظر أو التلفّت حوله. "ابن صاحب المحّطة، فوّله". لينطلق بعدها من دون أي نفس، لكن لا بد من أن "يشبّح" على الفتاة الموجودة برفقته، وعلى أصدقائه في وقت لاحق.أدنى الشعور الإنسانيبعد ثلاث ساعات، على الحال نفسها. انتهى مخزون المحطة. يسحب أحد الموظفين "شيشاً" حديدياً ويدخله في الخزان الأرضي، ويرافقه عنصر من الجيش. "لا بنزين، الخراطيم عم تطلّع هوا"، قال. "خلص، قول للعالم خلص البنزين". انتظار 5 ساعات، ذلّ، طقس ملتهب، استخفاف، زحمة، محسوبيات، ولا بنزين. أين الملائكة من كل ذلك؟ يخرج شيطان، بلباس عامل محطّة المحروقات ليمنّن الطابور بأنه حذّرهم بأن المخزون قد ينفذ قريباً. يدعوهم إلى مغادرة المكان، إلى العودة من حيث أتوا، إلى البحث عن البنزين في مكان آخر. رجل في الستين من العمر يسأله: "وصل دوري، خلص البنزين؟" نعم، يأتي الجواب. وسؤال آخر: "من وين جايي إنت؟" من الضنية. "من الضنية؟ ليش جايي تعبّي هون؟". شيطان بكل معنى الكلمة. جمهور يصرخ "شو دخلك من وين جايي العمّ؟!". "أنا جايي من الجنوب"، من البقاع، من الهرمل، من عكار، "شو دخلك؟". وفي بحث سريع عن جنس هذا الشيطان، يتبيّن أنه أساساً من منطقة قريبة من الضنية. يعاير الناس بهوياتهم ومناطقهم أيضاً. هو شيطان، وجد رزقه في هذا المكان، فاستفحل فيه شعوره الشيطاني. كهارب من قصف، وجد ملجأً فدخل وأقفل بابه حتى لا يحتمي الآخرون معه. كلاجئ أو مهاجر وصل إلى الولايات المتحدة ويريد إقفال باب الهجرة وراءه فيقترع لترامب. هو أدنى الشعور الإنساني، أعلى درجات الانحطاط الاجتماعي، أبهى ترجمات الحقارة والخساسة."هذا مني لكم"بعد كل الجلبة، وحفلة الشتائم بحق الدولة وأصحاب المحطة والموظف الشيطان، يبدأ الطابور بالتحلّل. زوجان فقدا أعصابهما للتوّ، يقفان قرب سيارتهما. يقترب منهما شاب بثياب مدنية. التمس للتوّ غضبهما، الذي لو لم يكن سوى من المشاعر والأحساسيس، الذي لو كان له جزيئات ومصنوعاً من المادة لفجّر المحطة بمن فيها، وببنزينها المقطوع أيضاً. اقترب وعرض المساعدة. "ممكن إخدمكم؟". لا مكان لهذا السؤال في قاموس غضب وذلّ. أي خدمة وأي هدوء يتحدّث به هذا المخلوق الذي قال:ممكن إخدمكم؟". سؤال. "إذا بالزعبرة لا". "بتسمحوا لي بالركوب معكم، لا زعبرة ولا شي؟". يصعد إلى السيارة. يوجّه طريقها. قبل الوصول إلى طابور جديد. يعرّف عن نفسه. عسكري يريد خدمة الناس. "كلنا وضعنا مزري، قديش معاشي فكركم؟ يا عمي في عسكر عم يعبّوا بنزين ويبيعوه سوق سودا. في عسكر عم يشتغلوا شو ما كان بالكهربا بالباطون بالأفران تياكلوا". تدخل السيارة إحدى الثكنات العسكرية. يأمر أحد العسكريين بملء "تنكة" بنزين من "بون" على حسابه. بهذه البساطة. يرفض المال ثمن "البون" رفضاً قاطعاً. "ستجعل مني أحاول رشوتك، وستجعل من نفسك مرتشٍ، أرجوك خذ المال". لا يستجيب، "هذا مني لكم". تخرج السيارة من الثكنة، تكمل طريقها وسط ذهول تام.
ما هذا الملاك الذي وصل فجأة إلى محطة بنزين وحافظ على ملائكيته رغم جمع العسكر؟ هو ملاك. وحضور الملاك، وحده يذهل. لا أجنحه له ولا هالة ولا نور يشعّ من حوله. لماذا اختار الزوجين؟ لماذا وصل في هذه اللحظة؟ لماذا هو موجود أساساً في هذا الجحيم؟ هو ملاك، سأسمّيه "خالد"، حتى لا يموت. كي يبقى أقله ملاك على هذه الأرض.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top