غريب بيان رئاسة الجمهورية اللبنانية بشأن تصريحات شربل وهبة. ليس لأن الرئاسة لم تعتذر بشكل واضح. ففي هذا، بدت متسقة مع ذاتها ومزاودة عليها في التهذيب، وهي التي خاطبت مواطنيها من قبل، ويدها على خاصرتها: "اللي مش عاجبه.. يهاجر". ومن بعد، بشَّرتهم بالجحيم. ومن قبل، قالت لشركاء في النظام السعيد: "ما بتوصل لتحت زناري" مفتتحة جدلاً فقهياً عميقاً في الفوارق ما بين البطن والكاحل. بل غريب البيان، لأن "فخامة رئيس الجمهورية" تبرّأ من وزير خارجية بدلاً من تقليده وسام الاستحقاق بدرجة فارس الخطاب العَوني. باعَه قبل صياح الديك، وجعله شرارة/ضحية "حملة إعلامية مبرمجة"، فأفقده أغلى ما يملك، والغلاء سببه النّدرة: فرعه في شجرة البرتقال الوارفة، وذكاءه الدبلوماسي.لم يخطئ شربل وهبة. هكذا يكون العَوني الأصيل. هكذا يكون الوزير العَوني صادقاً مع نفسه وقيادته، ومواطنيه الذين يكتفي منهم بجمهوره. شفاف، شربل. لا يختبئ وراء العلم اللبناني المرفرف على باب وزارته، ولا يتوارى خلف توصيفه الوظيفي. قلبه الطيب، كنزه، يندلق ما فيه على لسانه بلا تحفّظ، ويأنف الكذب والتكاذب. مُخلِص شربل، ليس فقط لـ"مون جنرال"، بل لتربيته الحزبية التي يعتز بتعاليمها الضاربة حتى النخاع، وطِباع مؤسِّسها التي يتعمَّد بها المنتسبون والمناصرون. خلق تزيده المساءلة ضيقاً، والردّ بالحجج مضيعة للوقت. التقريع والحَرَد والصراخ. هذا هو الردّ القوي. آباء كلهم، من كل المقاسات. والمؤمن لا يخفي شيئاً من إيمانه. المؤمن الحق أكبر من التّقية، وليحدث ما يحدث، لا شيء سيحدث أصلاً، فلا غِنى للعالم عنه وسيذعن في النهاية لصموده العنيد، لوجوده المحض. ولّى زمن "أهل الذمة" إلى غير رجعة، والرفاق الجنود "التياريين" في الساحات الافتراضية يبذلون أرواحهم بسخاء حتى تكاد الروائح تنبعث من "فايسبوك" و"تويتر"، فكيف بالقيادي وجه الصحّارة التي حيّرت العالم، شرقه وغربه، فما استطاع أن ينتقي منها حبّة؟لم يسقط، شربل، بل شمخ وتسامَى بأمّهات الأفكار العَونية:العرب بدو. ولنكن أدقّ: السنّة متخلّفون ومجرمون، الدواعش صنيعتهم وقد صدّروهم لنا. وهذه جريمتهم الثانية بعد جريمة أولى تقيّح جرحُها ولما يندمل رغم توالي السنين: صلاحيات مجلس الوزراء المسروقة من رئاسة الجمهورية اللبنانية. واللبناني متفوق بجيناته، يفتخر بأنه عنصري بلبنانيته. إن قالها جبران باسيل، فلماذا يوارب شربل؟ سيذهب إلى النهاية. رئيس الجمهورية أهم من الجمهورية. سوريا الأسد ليست أفضل منا، ولا مصر السيسي. وكيف يسلم الشرف الأقلّوي من الأذى إن لم يُرَق على جوانبه الدم؟ دم الدولة، السيادة، دم اللبنانيين المغتربين الذين بالكاد ما زالوا يضخون أنفاساً متقطعة في صدور عائلاتهم، ودم الماكثين الغارقين في الإفلاس والانهيار، وقريباً في العتمة الشاملة والمحروقات والأدوية المفقودة.. فليكن. والمساعدة التي ستأتينا من طريق "البدو" الذين نصدّر لهم بدورنا رمّان المخدرات، لا نريدها، إن كان ثمنها حكومة من دون القائد ورئاسة من دون الوريث، فالكرامة قبل كل شيء.هذا هو شربل. كما في الكواليس، كذلك على الهواء مباشرة. الكفاءة الوحيدة التي يمكن أن تخلف جبران باسيل، والوحيدة التي تؤهّل العَوني لعَونيته، بل هي جوهر العقيدة التي نُفض عنها الغبار أخيراً واستحقت الضوء والانكشاف. قدِّروه لذاته، لا لمنصبه. لوفائه، لا لمسؤولياته. عندها فقط ستفهمونه وستبتسمون في محبسكم وعزلتكم إلا من صحبة هذا البارّ وأبيه الذي في بعبدا والسلاح المقدس.