تحوّلت مناقشة أطروحة دكتوراه في العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية للباحث محمد موسى علوش إلى مساحة فكرية نابضة جمعت الأكاديميين والمثقفين والفاعليات الدينية والسياسية والقانونية والصحافيين والطلاب، حيث كشفت الأطروحة التي تحمل عنوان “التعليم في لبنان وإعادة الإنتاج الاجتماعي” خفايا النظام التعليمي في لبنان وأعادت قراءة الواقع التربوي بجرأة غير مسبوقة، ما إعتبر بأنه “جرس إنذار فكري عن واقع تربوي مأزوم اعتدنا عليه وكأنه طبيعي”.
استهل علوش جلسة المناقشة بعرض موجز ومكثف لأطروحته، استعرض خلاله موضوعها، خلفيتها النظرية، والمراحل التي مرت بها وصولاً إلى النتائج المفصلية. وبأسلوب سلس وعميق، نجح علوش في تبسيط المفاهيم المعقدة وتقريبها من الحضور.
وأعرب عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتور حسين رحال، عن إعجابه بالعرض، مؤكدا أن “الجامعة اللبنانية بخير بوجود هذا النوع من الطلاب”. وشدد على أن الأطروحة مثال نادر عن التكامل النموذجي بين النظرية والميدان، بين المفهوم والتطبيق العملي. إذ نجح الباحث في تبيئة نظرية عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو وتكييفها وتطوير مفاهيمها مع ما ينسجم مع المجتمع اللبناني، ما يجعل منها مرجعا أساسياً للباحثين في المستقبل”.
من جهته إعتبر أستاذ منهجية البحث وعلم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية الدكتور نزار أبو جودة أن الأطروحة كسرت الصمت حول واحدة من أعقد وأخطر قضايا لبنان. “هي أول أطروحة تضع الإصبع على الجرح بعمق. التعليم في لبنان ليس محايداً، بل يعيد إنتاج واقع مأزوم اعتدنا عليه وكأنه طبيعياً. اعتماد الباحث على التثليث المنهجي – أي استخدام ثلاث تقنيات بحثية متوازية للتحقق من صدقية المعطيات – هو أسلوب متقدم جداً ومعتمد في كبرى الجامعات الأميركية، ويكشف متابعة دقيقة من الباحث للمستجدات العلمية العالمية”
وأضاف: أما النتائج التي تم التوصل اليها فتهدم أوهام النجاح الفردي، وتكشف أن كل شيء في المجتمع بنيوي وعميق الجذور.”
ولخص الدكتور حسيب فقيه أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، انطباعه بكلمات لافتة فقال: “نحن أمام باحث حقيقي بكل ما للكلمة من معنى، وأنا أقرأ هذه الأطروحة، شعرت وكأن بورديو نفسه حاضر في النبطية يجري هذه الدراسة الميدانية.”
بدورها، أثنت الدكتورة ربى الشعراني على الجهد البحثي الكبير، خصوصا لجهة “تحليل أكثر من 98 جدولاً بشكل عميق ما يعتبر هو إنجازا بحد ذاته، حيث قدم الباحث قراءة سوسيولوجية معمقة للمعطيات الميدانية.”
المشرف على الأطروحة، الدكتور ناصيف نعمة أكد أن الجدية والصرامة العلمية جعلت الأطروحة مختلفة وتستحق أن تكون مرجعاً أكاديميا، إذ أن ما خرجت به الأطروحة لم يكن مجرد نتائج أكاديمية باردة، بل حقائق تهزّ الواقع اللبناني وتعيد طرح أسئلة جوهرية حول عدالة النظام التعليمي.
في ختام الإنجاز الذي اعتبر صرخة فكرية في وجه واقع تعليمي يعيد إنتاج الفوارق الطبقية والثقافية جيلاً بعد جيل، ودعوة جريئة إلى إعادة النظر في دور المدرسة اللبنانية بوصفها فضاءً للعدالة لا أداة للتمييز. تم منح الطالب محمد علوش درجة “جيد جداً” مع تنويه خاص بالأطروحة والتوصية بنشرها، خصوصا لكونها تشكل إضافة نوعية للبحث السوسيولوجي اللبناني والعربي. وقد اكد علوش انه سيعمل على تحويل البحث الى كتاب علمي في أقرب وقت ممكن ليكون في متناول الجميع.