لم يحُل افتقاد كتائب "القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، لصفحات رسمية لها في "فايسبوك" و"تويتر"، دون الحضور بقوة في هذه المساحة الافتراضية؛ ذلك ان رواد السوشال ميديا بينهم إعلاميون تطوعوا لا إرادياً في عملية نشر رسالة "القسام" بمجرد نشرها عبر موقع الكتائب في قناة "تليغرام".وثمة موقعان للكتائب في "تليغرام"، أحدهما لـ"القسام" وآخر باسم "ابو عبيدة" الناطق باسم الكتائب. وقد رصدت "المدن" أن أحد الموقعين توقف عن العمل خلال الحرب الحالية لفترة قصيرة جداً، ثم سرعان ما عاد إلى العمل. لهذا، حضر محتوى "القسام" في "تويتر" و"فايسبوك" وبقية منصات السوشيال ميديا، رغم الافتقار إلى صفحة رسمية للكتائب في الموقعين الشهيرين، لا سيما أن "تويتر" أغلق سابقاً صفحة "القسام"، ما دفع الكتائب إلى منهج مختلف لفرض نفسها في شبكات الإعلام البديل، لا سيما في خضم الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة، لإرسال الرسائل وإجادة الحرب النفسية.وبمجرد خروج إعلان عسكري على لسان "ابو عبيدة"، سواء عبر تلفزيون "الأقصى" التابع لـ"حماس"، أو مباشرة عبر قناة الكتائب في "تليغرام"، فإن محتوى "القسام" سرعان ما ينتشر بشكل مهول في السوشال ميديا عبر النشطاء والمتفاعلين، ثم يتناقله الإعلام الاسرائيلي بشكل سردي. ومثال بارز على ذلك يتمثل في إنذار "ابو عبيدة" لسكان تل ابيب بأن ينتظروا "رد القسام المزلزل على إجر ونصف رداً على نسف الاحتلال لأحد أبراج غزة".. ثم عاد الناطق القسّامي ليلاً ليعلن أمراً جديداً من القائد العام للقسام، محمد الضيف، يقضي برفع حظر التجوال عن تل أبيب ومحيطها مدة ساعتين، قبل أن يعود الإسرائيليون للوقوف على "رجل واحدة"، على حد تعبيره. وراحت وسائل إعلام اسرائيلية تبث تهديد "ابو عبيدة" في نشرات الأخبار، بدليل أن شوارع تل أبيب ومحيطها كانت فارغة تماماً، ولازَم الإسرائيليون منازلهم. حرصت الدائرة الاعلامية للكتائب، على وضع عنوان جاذب يساهم في عملية النشر والمشاركة من قبل المتلقّين.. بهذا المعنى، كانت قناتا "القسام" في "تليغرام" بوابة مهمة لنشر المحتوى الإلكتروني الخاص بها، و بدرجة أقل عبر وسائل الإعلام التقليدية الخاصة بحركة "حماس" مثل قناة "الأقصى"؛ إذ أن ابو عبيدة خرج على الشاشة المستطيلة مرتين خلال المعركة المستمرة منذ ثمانية ايام؛ الأولى في خطاب له بالصوت والصورة، والثانية بتسجيل صوتي، كما يؤكد "للمدن"، رئيس "شبكة الأقصى الإعلامية" الحمسوية، وسام عفيفة. وأوضح أن ثمة عملية تزامن لافتة، بين إعلان "القسام" البلاغ العسكري من جهة، وسرعة انتشاره في الشبكة العنكبوتية من جهة أخرى، ما جعل حضور الكتائب في العالم الافتراضي مختلفاً ولافتاً، مقارنة بالمرات السابقة، مضيفاً أن تطوع الناس والإعلاميين ساعد في مهمة نشر المحتوى، وهو ما وسّع دائرة النشر والاتصال الخارجي "للقسام".وهذا يعني أن اعتماد "القسام" لا يقتصر على وسائل الإعلام والمواقع التقليدية، بل مثلت قناة "تليغرام" مساحة للالتفاف على عمليات التشويش الالكتروني التي استهدفت بها اسرائيل قنوات "حماس" التقليدية..وهذا ما جعل القدرة الإسرائيلية على التشويش على رسالة "القسام" في خضم الحرب، أقل هذه المرة، لأن الوسيلة التقليدية ليست الوحيدة بين يدي الكتائب.وفي ظل الشعور بأن "فايسبوك" و"انستغرام" يطاردان المحتوى الفلسطيني في مقابل خدمة الإسرائيلي، وسط عمليات "فلترة" شديدة، فإن "القسام" وجدت في "تليغرام" وبث المحتوى بالطريقة الفيروسية، ملاذاً لها، وحضوراً في مجمل هذه المواقع ولو بطريقة التفافية. وهنا، نُظر إلى القسام" على أساس أنها أجادت الحرب النفسية بطريقة لافتة في هذه الحرب، سواء على صعيد تعميم أوامرها العسكرية، أو نشر الصور والمقاطع الخاصة بعملياتها. ناهيك عن خروج أكثر من إيجاز صحافي "للقسام" في اليوم الواحد عن تطورات الميدان.وضمن مساعي "القسام" لإجادة العمل الإعلامي "الممنهج" بهدف إيصال رسالتها للجبهة الفلسطينية الداخلية أو الى اسرائيل، فإنها قدمت صورتين لقيتا تفاعلاً في الفضاء الالكتروني؛ الأول: إصابة صاروخ "كورنيت" لجيب إسرائيلي، والثانية لاستهداف منشأة كيميائية اسرائيلية بطائرة مُسيّرة.. وأرادت "القسام" بذلك أن تُثبت مصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني تحت عنوان "أنها إذا قالت، فعلت"، إضافة إلى ممارسة حرب نفسية ضد الاحتلال وخلق رأي عام إسرائيلي يضغط باتجاه وقف الحرب.بيدَ أن "القسام" لم تستطع أن تخلق رأيا عاماً اسرائيلياً يطالب بانهاء المعركة حتى اللحظة.. لكن، ربما يعود ذلك إلى أن الصحافة الاسرائيلية حاولت أن تتعامل مع هذا المحتوى من منظور أن "حماس نجحت تكتيكياً فقط".. فبينما أقر محللون اسرائيليون أن حماس كسبت المعركة بمجرد ظهورها في صورة "المبادِرة" والمُفاجِئة، إلا أنهم حاولوا في الوقت ذاته ألا يتحدثوا عن نصر مطلق أو هزيمة مطلقة لإسرائيل، وإنما الحاق خسائر كبيرة في صفوف "حماس".هذا إن علمنا أن الصحافي الإسرائيلي هو جندي في الحرب لكنه مع ميكروفون بدلاً من البندقية، وهذا ما ظهر جلياً في حالة مراسل القناة العبرية "13" الموك بوكير؛ إذ تساءل بطريقة يؤيد فيها الأداء الإسرائيلي في المعركة: "لماذا من المهم الاستمرار في العملية؟ من الآن إسرائيل تحدد جدول الأولويات".. ثم يجيب: "في السنوات الثلاث الماضية فقد الجيش الإسرائيلي قوة الردع، وحماس هي من يقرر كيف ومتى نعيش حياتنا. الآن حماس جثمت على ركبتيها وتستجدي وقف إطلاق النار، بالتالي حان الوقت لتحقيق الانتصار من أجل منطقة الغلاف"، يقول المراسل التلفزيون الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية. علماً أن المراسل نفسه كان قبل يومين قد انتقد الحكومة الإسرائيلية بشدة، وعلى الهواء مباشرة، بدعوى تمييزها بين مستوطنات "غلاف غزة" من جهة، والقدس وتل أبيب من جهة أخرى، وبدليل أنها كانت تصمت على قصف "الغلاف"، لكنها ردت فوراً على قصف تل أبيب والقدس!