حين قدّم الدبلوماسي والسياسي، ناصيف حتي، استقالته من وزارة الخارجية اللبنانية قبل أشهر، قال في بيان إنه اضطر لاتخاذ القرار بعد "تعذر أداء مهامه". كما اشتكى من "غياب رؤية لإدارة البلاد وغياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الشامل"، وحذر من أن "لبنان ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة"، داعياً الحكومة والمسؤولين عن إدارة البلاد إلى "إعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات"... وأعلنت الرئاسة اللبنانية العونية، عبر حسابها في "تويتر"، آنذاك، قبول استقالة حتي، وتعيين شربل وهبة خلفاً له، وهو سفير سابق من مواليد العاقورة في بلاد جبيل. وكان من حظ ناصيف حتي، أنه استقال قبل أيام من انفجار المرفأ في 4 آب، وكان محقاً حين حذر لبنان من الانزلاق الى الدولة الفاشلة، بدءاً من استعراضات جيمس بوند-القضاء، غادة عون، وصولاً الى الرمان المحشو بالكبتاغون، مروراً بتحقيقات جريمة مرفأ بيروت، وصولاً إلى أزمة الحكم في تشكيل الحكومة، من دون أن ننسى نهب أموال المودعين...
لم تتمهل رئاسة الجمهور اللبنانية ساعات، إلى أن يخرج حتي من قصر بسترس، فعيّنت "الدبلوماسي العريق" شربل وهبة، كأنها وجدت "الكنز" الذي سينقذ لبنان ويعيد السوية الى علاقته مع الأشقاء والأصدقاء والحلفاء... استقال حتي، لأنه رفض أن يكون مجرد قناع لجبران باسيل، وأتى شربل وهبة الذي يزايد على باسيل في سقطاته وهفواته، ويحفظ الدرس عن كيف يكون في مستنقع المحاور... ومنذ وصوله، بدت وزارة الخارجية كأنها في حالة غيبوبة، حتى في أبسط الأمور، حالها حال حكومة حسان دياب التي أنجزت 97 في المئة من الخراب...
أتى شربل وهبة ليكون دوره بمثابة إلغاء لوزارة الخارجية اللبنانية، بدلاً من أن يكون صانع إنقاذ وسياسات، وبدلاً من أن يعيد الى لبنان دوره المحوري الذي ربما يخرجه من جموده وموته السريري. والحال أن الدبلوماسي الباسيلي، صمت دهراً ونطق كفراً، وفجّر أزمة مع البلدان الخليجية، بتعابير تبيّن أنها لم تمر مروراً بقرب العمل الدبلوماسي. قال مكنونه الغرائزي، وخرجت رئاسة الجمهورية لتقول إن موقفه "يعبّر عن رأيه الشخصي"، و"لا يعكس في أي حال من الأحوال موقف الدولة اللبنانية ورئيسها العماد ميشال عون الحريص على رفض ما يسيء الى الدول الشقيقة والصديقة"... كان الأحرى بالوزير "اللبيب" أن يستقيل، والأحرى برئاسة الجمهورية أن تعتذر عن كلامه بدلاً من أن تقول إنه "يعبّر عن رأيه الشخصي ولا يمثّل"... فقناة "الحرة" لم تستضفه بوصفها طباخاً أو ناشطاً ثورياً أو مواطناً عادياً، بل بوصفه وزير خارجية لبنان... وعوضاً عن تحسين علاقته مع الأشقاء، وصفهم بـ"البدو" في سياق تجريح اجتماعي، واتهمهم بتمويل الدواعش...لا جديد في تصريحات وهبة. هي جزء من ثقافة عونية باسيلية عامة سائدة، ثقافة عنصرية طائفية تقولها تغريدات "وجهاء" العونيين وتصريحاتهم. فالخليجيون بالنسبة إلى شربل وهبة هم البدو، والسنّة بالنسبة إلى ناجي حايك هم دواعش، والثوريون بالنسبة إلى شربل خليل هم "زعران"، والدروز بالنسبة إلى سكارليت حداد هم "شلعوطين"، وطرابلس بالنسبة إلى باسيل هي قندهار، من دون أن ننسى مواقفهم الذكورية من بولا يعقوبيان وديما صادق... دائماً يبحثون عن عداء وكراهية مع الآخر، يتعاطون بعنجهية وفوقية لا مثيل لها، لم تعلمهم التجارب شيئاً. أوجدوا لغة للتخاطب كأنهم في حرب دائمة، وتولوا دبلوماسية لبنان كأنهم يتقصدون عزله عن العالم ودفعه نحو الهاوية.
مختصر القول إن الخارجية اللبنانية في زمن غابر، كانت صانعة سياسات في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سواء وافقنا على سياستها أم لم نوافق... ومنذ مدة، في الزمن العوني تحديداً، أصبحت الخارجية اللبنانية صانعة مهازل وهفوات وغرقت في الفسادستان، من مؤتمرات اغترابية إلى أموال ووظائف درجة أولى. لم تعد الخارجية اللبنانية تجلب للبنان سوى الويلات. بات الكثير من المغتربين يدعون لربهم أن يبقى الوزير صامتاً، أو يخفف عنهم عبء طموحاته المحاورية الممانعاتية وسقطاته اللفظية... ماتت الدبلوماسية اللبنانية كما مات الدور اللبناني، في انتظار مغيث ما.