التظاهر على الحدود..أفضل من الحرب
2021-05-16 23:55:54
حتى ولو كانت مجرد إستعراض، لا بأس من التظاهرات التي تنظم على الحدود اللبنانية الجنوبية مقابل مواقع العدو الاسرائيلي. هي أهم بلا شك من السير في شوارع بيروت أو صيدا أو طرابلس.. وهي أفضل طبعاً من فتح جبهة قتال في الجنوب، لا تخدم الفلسطينيين ولا تخفف من وطأة الحملة العسكرية الاسرائيلية الوحشية التي يتعرضون لها.
وحتى ولو كان الأمر مجرد مهربٍ من أزمات الداخل اللبناني، لا ضرر من أن تتحول المسيرات إلى مهرجان مفتوح تشارك به مختلف الأحزاب اللبنانية من دون إستثناء، بغض النظر عن صلتها بفلسطين وموقفها من قضيتها، وتتسابق لتحجز دورها في الوقوف قرب المواقع الاسرائيلية، وإلقاء الخطابات وإطلاق الشعارات والتلويح بالاعلام.. ولإحياء الذكرى ال73 للنكبة، التي كانت شبه منسية من الجمهور اللبناني.
العيب الوحيد في تلك التظاهرات، هي أنها تذكر بمسيرات العودة التي نظمها النظام السوري وحلفاؤه على حدود الجنوب والجولان، قبل عشر سنوات، والتي كان المطلوب أن يسقط ضحايا من المشاركين فيها، يعيدون إنتاج صلة مفتعلة، بل مغرضة، بالقضية الفلسطينية، والتمهيد لتظهير قيادات فلسطينية جديدة في لبنان وسوريا.. فضلا عن أنها، في الجوهر، كانت رسالة التحذير الاولى التي وجهها نظام الرئيس السوري بشار الاسد الى إسرائيل، من مخاطر سقوطه نتيجة الثورة السورية التي كانت قد دخلت شهرها الثالث.
تجديد الصلة بفلسطين، او بالاحرى تحديث الوعي الفلسطيني في الخطاب السياسي اللبناني، واجب اليوم وكل يوم، بإعتبار أن الفلسطينيين يقاومون اليوم، ويدفعون ثمناً باهظاً، دفاعاً عن أنفسهم أولا، وعن العرب جميعاً، بلا أي مبالغة، من التوسع الاسرائيلي الذي يتجاوز الارض الفلسطينية، والذي تجلى أخيراً بسقوط دول خليجية بحكامها وشعوبها أمام العدو... وبإعتبار أن تلك المقاومة الفلسطينية هي، بالتعريف المبسط، أحد عناصر قوة الدفاع عن الكيان اللبناني، الذي تعرض، في تاريخه، لجميع أنواع الخطر الاسرائيلي، العسكري منها والأمني والسياسي، أكثر من أي بلد عربي آخر.
من دون تلك المقاومة التي تستبسل اليوم في الداخل الفلسطيني، يمكن ان يتجدد ذلك الخطر، وتتزايد الاختراقات الاسرائيلية للبنان، من الحدود وصولا الى العاصمة بيروت، لتثير، كما هي العادة، الخلاف اللبناني القديم حول القضية الفلسطينية ومسؤولياتها وأعبائها، وحول الموقف من العدو الاسرائيلي وخلفياته السياسية ومعاييره الاخلاقية.
ولعل التضامن والتفاعل مع ما يجري في فلسطين اليوم، يكون فرصة لطي صفحة الماضي اللبناني الاليم، الذي كان اللجؤ ثم السلاح الفلسطيني من أسبابه الرئيسية، ولفتح نقاش لبناني جديد يبنى على الحاجة الى المصالحة مع ذلك الماضي، ويتطلع الى إكتساب المزيد من اللبنانيين في صف الدفاع عن القضية الفلسطينية، والمواجهة مع العدو الاسرائيلي.. أو على الاقل للتفاهم على مخاطر التسامح مع فكرة التطبيع مع ذلك العدو، التي تسللت في الاونة الاخيرة الى أذهان بعض اللبنانيين.
هي مسألة عسيرة طبعا، لكنها مسؤولية الجمهور اللبناني المنتصر اليوم لفلسطين، ألا يستفز ولا يزايد وألا يتسبب بأي إنقسام.. حتى على سلاح حزب الله، الذي تحرمه التظاهرات الحدودية، كما تجرده إنتفاضة الداخل الفلسطيني، من فرصة ان يظل عنواناً رئيسياً للانقسام الوطني، وتضعه في مكانه الخاص، الذي لا يستدرج الحرب مع إسرائيل ولا ينخرط بها، والذي يصبح بالفعل خياراً وطنياً، يندرج يوماً ما في الاستراتيجية الدفاعية، ويخرج من كونه سلاحاً إيرانياً يستخدم في سوريا واليمن والعراق وفي المفاوضات النووية مع أميركا.
ما جرى على الحدود الجنوبية، بمبادرة أولية من الحزب نفسه شجعت الجميع على التوجه جنوباً، حسمت، بما لا يدع مجالا للشك، أن الحزب لن يتورط في الحرب الدائرة في الداخل الفلسطيني، وسيحصر دوره في حماية ورعاية المتظاهرين اللبنانيين والفلسطينيين. وهو ما قابلته إسرائيل بعدم استخدام العنف المفرط، أو بارتكاب مجزرة شبيهة بتلك التي نفذتها بحق المشاركين في مسيرات العودة في منتصف أيار العام 2011.
لدى لبنان الكثير مما يقوله ويفعله من أجل فلسطين، وشعبها، وهو بذلك يحمي نفسه، وشعبه من الخطر الاسرائيلي.
وكالات