عن كاسيت عناية جابر "المعتقل".. ودعوة مؤجلة إلى "الويمبي"
2021-05-12 12:55:51
هنا بعض مما كُتب في فايسبوك في رحيل الشاعرة عناية جابر...
أحمد بيضونمع الأسَفِ الغامرِ لرَحيلِها، استَوْلى عَلَيّ، هذا الصباح،َ نَدَمٌ فظيعٌ لأنّني لم أكُنْ ألْتَقي عناية جابر أكْثَرَ ممّا كنتُ ألْتَقيها. يا لخسارتي، يا عناية! ويا لها من خدعةٍ متواصلةٍ هذه الحياةُ التي تَحْمِلُنا على التَصَرّفِ وكأنّها باقيةٌ أمامَنا!
عباس بيضون
آن أن نقول لعناية جابر ما تريثنا في أن نقوله بلا سبب: أنت هي الشاعرة.
لطيفة الدليمي
في وداع صديقتي التي رحلت وحيدة إلا من ألمها الشاعرة اللبنانية عناية جابر... آخر ما دوّنته عناية في صفحتها في فايسبوك يوم 9 ايار: "إذا لمست قلبي ولو بريشة يصرخ من الألم".
قبل سنوات أرسلت لي الصديقة عناية جابر مختاراتها الشعرية "لا أخوات لي" مع كاسيتات أغان عربية كلاسيكية بصوتها، احتجزوا الطرد في المطار، كبلوا القصيدة والصوت، مرّ شهر كامل ثم أنبأوني أنهم أفرجوا عن الكلمات وصوت الشاعرة.كتبت لي عناية: ستسمعين تسجيلاً سيئاً لكنه يوصل لك ما أريد من الغناء.. في المطار عاينوا رهافة صوتها الحلو حين أداروا الكاسيت الذي ظنوه منشوراً خطيراً للحب، أو لربما تخيلوه بياناً سرياً لأنوثة الحرية، ولعل واحداً من المتلصصين قال: حاذروا مكيدة الشعر، خطير شعر النساء حين يتنكر بزهرة صبار ومزاج جامح.. فاجأهم البحر حين فاضت زرقته في الفضاء قبل ان ينصتوا برهة إلى ليلى مراد وعبد الوهاب وقد بعثا في نبرة الشاعرة، ضربهم الموج، كبسوا زر جهاز التسجيل فانسكب ضوء من نشيج يمام النساء، دهشوا من خفق اليمام وتقشف القصيدة، وصوت عناية يرتل "لا أخوات لي"، واضطربت الغرفة في لجة الشعر وحطت غابة نجوم على المكاتب ونباتات الظل الهشة. شغلوا الكاسيت الثاني فتدفق لحن تعزفه قيثارة وحيدة، عزلوا صوت الشاعرة المغنية عن الأوركسترا وغلفوه بالأختام الزرق، نزعوا قميص "ساتانها الأبيض" عن الكلمات ثم قطفوا العطر من فستانها المزهر، كان أحدهم يدخن سيجارة ويلثغ بالمحظورات ويفض جسد الكاسيت بنظرته الكاسرة. تربصوا بأغاني عناية التي أرسلتها لي طيُّ الغمام، فككوا أول الأمر حاشية الغيوم و"فكرة سوداء طويلة" عنوان إحدى قصائدها ظنوها عباءة أو حجاباً لكنها كشفت بوحاً بليغ الحشمة، قبل أن يكتشفوا طفولة النبرة في أغنية "ليه تلاوعيني" توهموا أن أغنية "حيرانة ليه" شفرة سرية للنيلِ من سلطة الذكورة وطوطم القبيلة.. حين فتحت المظروف وعليه عشرة من الأختام الرسمية الزرق، أطلت زهرة صبار وردية من غلاف قصائد "لا أخوات لي"، وقرأت أول ما قرأت إهداءها وقصيدة "الشمس مقبلة". أيقنت لحظتها أن هناك امرأة تغامر بالشعر فتزج الخطى في الوضوح الأبيض، تقفز من سفينة الشعر لتعوم في ضوء الغناء، لا تبالي بالبرق أو الجليد، تلمس بالرهافة ذاتها أريج الغابة وقميص الساتان،تتحرى شذا الصندل وعتمة البيت، وتصنع قصيدة من كلمة بالغ صمتها ومن وراء الحزن أو من أمامه تمر عناية مكسوة بالقصائد، لها هدوء راهب بوذي ومشية جنيّة، تراقص الليل او تحنو على نرجسها وفي الصوت حيف رفيع كأوتار الكمان،
في الليل الطويل تطوي عناية أوهامنا تحت لامبالاتها الفاتنة وتسحبنا الى كهوف الزمن الفالت، تلاطف الألم كأخت وحيدة وترتل الهجاء الصغير كقبلة نضرة لفتاة سرقوا رائحتها وهي تجرجر رؤانا وتنثرها في حقل قمح أو تحت قمر ذاهل، كم هي متوحشة وأليفة قصائد البنت التي لا أخوات لها، أما يكفيها أنها تطل علينا بوجوهها المترادفة وهي تلعب دور غيمة أو ملاك كما تقول في قصيدة "مسرح"؟أما يكفيها أن "لجسدها حركة البحر" في القصيدة ولصوتها دفق النبع في مهابة الجبل؟ الشاعرة نهمة للحياة لذا توجز القصيدة كجوهرة مجلّوّة وتمحو الكلام الفائض عن حاجة الشعر، تمحو الأثر كي تضلل العدم عن خطوتها المترنحة.
لكنها في العاشر من أيار 2021 استسلمت للعدم ومضت مجنحة بقصائدها.
غنت لي اغنيتي المفضلة: هذا مو انصاف منك غيبتك هلكد تطول - أحبت الاغاني الكلاسيكية العراقية وغنتها.
ناظم السيدعن ذلك الضعف يا عناية
انقطعت عن مواقع التواصل أكثر من سنة ونصف. استحدثت هذا الحساب قبل نحو ثلاثة أسابيع لأرى رسالة من عناية جابر عبارة عن سؤال واحد: كيف حالك؟ أنا منقطع عن الكتابة منذ أكثر من 11 سنة. وما زلت أواصل هذا الانقطاع بكامل عجزي. الرثاء يحتاج إلى بلاغة لستُ أجيدها. لهذا أودّعك صديقتي بهذا المقال الذي كتبته عنك قبل 12 سنة. عن الألم والجسد الهش والموت في شعركِ.يحيى جابر
رصيف. شارع الحمرا.
ضاحكة "انت ما بتحب شعري"
ضاحكاً "وانتِ كمان ما بتحبي شعري"
ضاحكة "انت ليه ما بتحبني أساساً"
ضاحكا "وأنت كمان ما بتحبيني من أساس الأساس"
ضاحكة "بطلت تمرق عالسفير. ميّل نشرب قهوة"
ضاحكاً "انزلي عالويمبي. في نميمة ناطرتك للأحتساء"
اليوم ماتت عناية جابر، وانعطفت عند المفرق كدخان سيجارتها..
انا مازلت على الرصيف..
الحياة مزحة كموتكِ الآن.. ولا أضحك.مارسيل خليفة
كَتَبَتْ ما استطاع القلب أن يدونه في ومضة من زمان عجِلٍ لا ينتظر.
عناية جابر شكراً لكِ.
عادل محمود
ماتت عناية جابر.
لازم ابكي عليها كذئب ابيض.
واندب صوتها الحنون كمهرجان حزن.
وأعيد قراءة قلبها الشاعر
كنشيد أنشاد في أريحا قديمة.
وأحبها كنسمة وربيع وسنونو.
عناية... ما كان اجملك في كل شيء.محب جميل رحلت الشاعرة اللبنانية عناية جابر عن الحياة، تحدثنا ذات مرة عبر فايسبوك عن الشِعر والكتابة والموسيقى. أحبّت مصر بشدّة. تعرفت إليها من خلال مختارات شعرية عذبة بعنوان "لا أخوات لي" عن سلسلة آفاق عربية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، التي كان يرأس تحريرها الروائي الكبير إبراهيم أصلان. على ظهر الكتاب، كتب عنها الشاعر اللبناني الأنيق بسام حجار: هذا ليس كتاب النجاة. كل نجاة بالشِعر كاذبة. سوف تقرأ وعندما تفرغ من قراءة هذه القصائد، قصائد عناية جابر، لن يزول ألمكَ، ولن تبرأ من حزنك أو خوفك أو لا مبالاتك أو مساومات عيشك مع الأشياء.
كانت أشعارها طفولية تفيض بمسحة شفيفة من الرِقة والحزن والألم معًا. عفوية بطريقة خاصة، كأنها تكتب كل ما يتبادر إلى ذهنها من دون تجميل أو مواربة. مقاطع رشيقة صغيرة تنفذ إلى القلب مباشرة، كأن تقول:
لم تكم حياة باهرة
كأنني لم أفعل
سوى لملمة الكلمات
من مكتبة عامة.
لو أن لي عينين كبيرتين
عينين غزيرتين
لبان الرعب
الذي يجبرني على النوم.
بجوارب صوفية
ومصباح مضيء
رأسي مثقل بالرسوم
وغرف الفنادق
ولا أملك رسمًا
ولا وجهة
ولا أتوانى
عن ضحكتي العالية.
وكالات