تحت ذريعة شروط البنك الدولي ومعاييره، المرفقة باتفاقية القرض المخصّص لشبكة الأمان الاجتماعي، البالغة قيمته 246 مليون دولار، اتخذ وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، رمزي مشرفية، قراره بصرف أكثر من 100 عامل من برنامج الأسر الأكثر فقراً، ووضع ملفات أكثر من 480 عاملاً على طاولته لاختيار من ستقع عليهم "القرعة" وصرفهم من وظائفهم تعسفياً، فلا تعويضات تُستحق لهم ولا تقديمات.تحوير بشروط البنك الدوليمع اقتراب موعد حصول لبنان على أموال قرض البنك الدولي، وتمهيداً لحسن توزيعه بعد إجراء مسح اجتماعي دقيق وعلمي، ارتأى وزير الشؤون الاجتماعية "فلترة" العاملين في برنامج الأسر الأكثر فقراً، المخوّلين إجراء المسوحات المطلوبة، وصرف غير الكفوئين منهم وغير المختصين بالشأن الاجتماعي مقابل الاستعانة ببدائل عنهم من خريجي الجامعات، ذوي الاختصاصات التي تعنى بالشأن الاجتماعي والنفسي. هذا ما أوضحه أحد المقرّبين من مكتب الوزير مشرفية. هذا الكلام يلتقي بجانب منه مع حديث مستشار الوزير عاصم أبي علي مؤخراً إلى "المدن"، غير أن الأخير وهو ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية في المفاوضات مع البنك الدولي، يصرّ على أن عملية صرف العاملين من برنامج الأسر الأكثر فقراً تأتي تماشياً مع توصيات ديوان المحاسبة ومتطلبات البنك الدولي وهنا بيت القصيد، هل فعلاً تستلزم متطلبات البنك الدولي صرف فئة من العاملين مع وزارة الشؤون قبل صرف القرض؟ وهل للبنك الدولي الحق بفرض معايير محدّدة على الكادر البشري المخوّل إجراء المسح الإجتماعي؟
إصرار أبي علي على أن صرف العاملين يأتي انسجاماً مع ما تم الاتفاق عليه مع البنك الدولي، وهو تحديد مواصفات العامل الاجتماعي الذي من المفترض أن يعمل في برنامج الأسر الأكثر فقراً، والذي يجب أن يتمتع بشهادة ذات صله بعمله وبكفاءات معيّنة، جُبه بانتقادات عديدة من قبل متابعين لعملية التفاوض مع البنك الدولي. فالبنك الدولي لم يفرض ولم يتدخّل بتفاصيل ومواصفات الكادر البشري المخوّل تنفيذ مهمة المسح الاجتماعي. ويؤكد مصدر رفيع في الوزارة، أن العاملين في البرنامج حالياً والبالغ عددهم 480 شخصاً يتمتعون بالكفاءات العملية. وقد قاموا بكل ما طُلب منهم على مدار سنوات، على الرغم من أن رواتبهم لا تتعدى 900 ألف ليرة، ولا يتمتعمون بأي امتيازات وظيفية.الاتفاقية تكذّب ادعاء الوزارةأما الكلمة الفصل في صحة ادعاء الوزارة وزعمها بأن صرف العاملين يأتي انسجاماً مع متطلبات البنك الدولي، فتعود إلى نص اتفاقية القرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، لتنفيذ المشروع الطارىء لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد - 19 والازمة الاقتصادية، والتي وردت في قانون رقم 219/2021، نشر بتاريخ 15/4/2021 وتنص الاتفاقية على الآتي:
ستعمل وزارة الشؤون الاجتماعية على وضع آلية لتشغيل حوالى 480 عاملاً اجتماعياً لديها مع الاستعانة بأشخاص من الصليب الأحمر وطلاب الجامعات والجمعيات والهيئات الإنسانية، لتعبئة الاستمارات للأسر الأكثر فقرأ، أو التي تعيش تحت خط الفقر. وسيتم دفع مستحقات إضافية للعاملين بالليرة اللبنانية من هبة البنك الدولي، الذي سيقوم بتحويل الأموال إلى برنامج الأغذية العالمي، والذي بدوره سيدفع إلى العمال الاجتماعيين، كونه من الصعب جدأ التحويل المالي من البنك الدولي إلى وزارة الشؤون الإجتماعية.
يتّضح من نص الاتفاقية أن العاملين في البرنامج سيبقى على ما هو عليه اليوم أي 480، ويُضاف إليهم أشخاص من الصليب الأحمر وطلاب الجامعات والجمعيات والهيئات الإنسانية للإستعانة بهم. إذاً لماذا يقوم الوزير مشرفية بـ"فلترة" العاملين وصرف عدد كبير منهم؟ يكشف المصدر عن نوايا لدى القيّمين على الملف بتوظيف عاملين جدد، من المحسوبين عليهم والمقرّبين منهم، لاسيما انه بات مرجّحاً أن يتم تعديل مخصّصات العاملين في البرنامج وزيادتها بعد الحصول على قرض البنك الدولي.شكوى أمام الضمانعلى الوزارة الإبقاء على العاملين في البرنامج وتطبيق القانون فيما يخص أوضاعهم الوظيفية، وتنسيبهم إلى الضمان الاجتماعي وفق الاصول. هذا ما يسعى إليه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، وقد استدعى منه الأمر التقدم بشكوى إلى إدارة الضمان الاجتماعي، للمطالبة بتسجيل العاملين في برنامج الأسر الأكثر فقراً. وقد قام الضمان من جهته بإحالة الملف إلى التفتيش.
تقدم الأسمر بالشكوى إلى الضمان بتاريخ 6 شباط 2021، فاستتبع الخطوة إحالة كتاب من الوزير مشرفية إلى المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 19 شباط 2021 يطلب منه إيداعه الإجراء الذي يجب اتباعه، لكي يحصل العاملون في برنامج الأسر الأكثر فقراً على تقديمات الضمان الاجتماعي. ولم يتم التقدّم منذ ذلك الحين بأي خطوة، فلم تكتف الوزارة بعدم تنسيب العاملين إلى الضمان وحسب، بل اتجهت إلى التخطيط لصرف عدد كبير منهم بعد أكثر من 11 عاماً من العمل من دون أي تعويضات أو حقوق.
وإذ يؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ضرورة تنسيب العاملين في البرنامج إلى الضمان الاجتماعي، يأسف كيف يمكن أن تستخدمهم الوزارة على مدى 11 عاماً برواتب ضئيلة جداً تقارب الحد الأدنى للأجور، ومن دون بدلات نقل ولا تقديمات ضمان اجتماعي، ولا أي امتيازات أو حقوق. ويقول في حديث إلى "المدن": عادة ما يقابل عمليات الصرف توظيفات جديدة فكيف يمكن الإقدام على عمليات صرف في ظل المرحلة السيئة التي يواجهها العاملون. وتعليقاً منه على مسألة عدم كفاءة العاملين، يرى الأسمر أنها ذريعة واهية. خصوصاً أن المهام المطلوبة منهم هي ملء استمارات وكشوفات، وليس إعادة تأهيل وتدريب. علماً أنهم اكتسبوا خبرة واسعة خلال السنوات الـ11.
ورفضاً لقرار صرف عدد من العاملين من برنامج الأسر الأكثر فقراً في وزارة الشؤون الإجتماعية، نفذ العاملون في البرنامج اعتصاماً احتجاجياً اليوم الجمعة 23 نيسان، أمام مقر الوزارة، رفضاً لتهديهم بالصرف من العمل بحجج واهية، وهم يتقاضون بدلات تقارب الحد الأدنى للأجور في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، يعيشها ويعرفها الجميع في السلطة وخارجها.