حضرت القاضية غادة عون إلى قصر العدل اليوم بلا جمهور. لم يرفع أنصارها صيحات "تاراتاتاتا.. (جنرال) غادة عون" ولم يهتفوا لها. دخلت بمفردها، مع مرافق شخصي لها، وخرجت بالأسلوب نفسه. فملعب التفتيش القضائي، لا يحتمل جمهوراً ولا إعلاماً أو عراضات. ما يحصل على أرض هذا الملعب، يبقى فيه، من دون كاميرات ولا تصريحات ولا تجاوزات قانونية أخرى. أربع ساعات استمع فيها رئيس التفتيش القضائي، القاضي بركان سعد، إلى القاضية عون في عدد كبير من الشكاوى المقدّمة ضدها. في المقابل سجّلت عون شكوى تقدّمت بها ضد المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات لمخالفته القانون بالتعميم الذي أصدره حول توزيع الأعمال في النيابة العامة الاستئنافية. كما تتّجه القاضية عون إلى الادعاء على عويدات أمام مجلس شورى الدولة أيضاً لإبطال القرار الصادر عنه.23 شكوىفي سجلّ القاضية عون، أكثر من 23 شكوى مقدّمة من قبل قضاة وسياسيين. فموضوع شركة مكتّف لتحويل الأموال، والتجاوزات التي قامت بها عون خلال الأيام الماضية، لم يكن وحيداً على طاولة التفتيش القضائي. بل ثمة العديد من الشكاوى الأخرى المتعلّق بأداء القاضية عون بملفات عدة، منها قروض سكنية وكسارات ومصلحة السير وغيرها. كلّها تنفجر اليوم في وجه القاضية التي رفعت تجاوزاتها إلى المنسوب الأعلى خلال هذا الأسبوع، بامتناعها عن الالتزام بكفّ يدها عن الجرائم المالية، وعمدت إلى جرم الكسر والخلع لاستكمال التحقيقات.التفتيش القضائيقانونياً، يفترض أن يتّخذ الملف مساراً واضحاً. إذ يحيل رئيس التفتيش القضائي الملف إلى هيئة التفتيش التي تحفظ الملف أو تحيل القاضية إلى المجلس التأديبي. والأخير يقوم بالتحقيقات وتدوين الإفادات ويتّخذ الإجراء التأديبي اللازم بحق القاضي المعني. لتتراوح هذه الإجراءات من لوم وتنبيه مروراً بتدبير خفض الدرجات وصولاً إلى العزل والصرف. وفي هذا الإطار، لا بد من التشديد على نصّ المادة 113 من قانون تنظيم القانون العدلي، التي تنصّ على التزام رئيس هيئة التفتيش القضائي وأعضائها بسرّ المهنة، ما يعني أنّ أياً من هذه التحقيقات التي تقوم بها الهيئة تبقى محصورة على طاولتها.ضغوط طبيعيةوحسب أجواء محيطة بالقاضية عون، أو "جمهورها" إن صحّ التعبير، لم تتردّد الأخيرة خلال جلسة اليوم "في الدفاع عن نفسها وعن قناعتها في مبدأ ملاحقة الفاسدين". وأسفت هذه الأجواء، في ما قالته لـ"المدن"، لواقع أنّ "عون باتت في قفص الاتهام والشبهة في حين هي من تلاحق الفاسدين"، مضيفةً أنه "من الطبيعي أن تتعرّض القاضية لهذا الكمّ من الضغوط الإعلامية والسياسية لكونها تمكّنت من هزّ فاسدين عن كراسيهم"، في إشارة مثلّثة تجاه قضاة وسياسيين وسلطات مالية اصطدمت عون بهم خلال الأشهر الأخيرة.