تنظّم غداً السبت، مجموعات من 17 تشرين، تجمّعات بعنوان "يوم غضب شعبي" تأكيداً على مطلب تشكيل حكومة انتقالية من خارج المكوّنات السياسية الحاكمة، ومع صلاحيات استثنائية، كمخرج للأزمة المتنقلة من السياسة إلى المال والاقتصاد والصحة. وفي هذا الإطار، تطرح "شبكة مدى" خريطة طريق للإصلاحات الأساسية والقرارات السياسية المطلوب تنفيذها، كمدخل لإنهاء الأزمة. فتأتي هذه الخريطة رداً على مزاعم أحزاب السلطة ومكوّناتها على عدم وجود بديل عنها لمعالجة أزمة، تسبّبت هي بها على مدى سنوات وعقود من القرارات الخاطئة، ومراكمة الثروات على حساب تضخّم الدين العام وخزينة الدولة والقطاعات الفاعلة. فمن بين أبرز العناوين التي تطرحها الشبكة، التأكيد على التدقيق الجنائي الشامل في كل القطاع المالي، وإعادة هيكلة المصارف عبر الاعتراف بالخسائر والأموال المسروقة، مع تحييد الودائع الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى إقرار قانون "كابيتال كونترول"، والتفاوض على الدين العام بإعادة هيكلته، وقيام شبكة أمان أجتماعي. أما من بين الخطوات السياسية المطالب بتنفيذها، فهي أولاً على مستوى القضاء لجهة إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، وكف يد القضاء العسكري في الحريات العامة. إضافة إلى الالتزام بتحقيق جدي وشامل في جريمة انفجار مرفأ بيروت، والتحضير لانتخابات نيابية والعديد من العناوين الأخرى. بالنسبة لـ"مدى"، وغيرها من مجموعات 17 تشرين، لا ثقة ولا أمل يرجى في السلطة الحالية بتحاصصاتها وانقساماتها ومصالحها. لذا، الدعوة واضحة لتشكيل حكومة إنتقاليّة بصلاحيات تشريعيّة استثنائيّة، ومستقلة عن التبعيّة لأي قطب من أقطاب هذا النظام. وهذا بعض مما جاء في الدعوة:خريطة طريقلقد بات واضحاً للجميع أن ما شهدناه منذ أكثر من سنة وأربعة أشهر، لم يكن سوى ثمن سقوط نموذج اقتصادي ومالي ريعي غير مستدام، وغير عادل، حرصت على نشوئه وبقائه السلطات المتعاقبة، لخدمة مصالح النافذين في النظامين المالي والسياسي. لقد قام هذا النموذج على تشجيع القطاعات الريعيّة غير المنتجة، لخدمة تراكم الثروة لدى حلقة ضيّقة من المستفيدين منها، فيما مثّل تضخّم الدين العام وخسائر مصرف لبنان الناتجة عن تمويل عشوائي للاستيراد وتمويل دين الدولة بشكل مخالف للقانون، مجرّد قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار في أي لحظة. كل ذلك تكامل مع الفساد ومنظومة الزبائنيّة، التي تغذّت من تضخّم الدين والعجز في الميزانيّة العامّة.إعادة إنعاش السلطةوكما دفعنا ثمن ازدهار هذا النموذج الفاشل والمرهق، ندفع اليوم كلفة انهياره، بفضل قرارات وسياسات ممنهجة ومتعمّدة، عطّلت جميع سبل المعالجة العادلة التي تحمي الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. لقد حصرت السلطة جميع خياراتها المتاحة للتعامل مع الانهيار في سياسة الاستدانة من جديد، لإعادة انعاش هذا النموذج، من خلال الرهان على أموال مؤتمر سيدر أولاً، وصندوق النقد الدولي بعد التعثّر في سداد الديون. ورغم ذلك، فشلت الحكومتان في انجاز أي تفاهم مع الجهات الدوليّة على هذا المستوى، لتناقض شروط الحل مع مصالح وجوديّة عميقة ترتبط بالأقطاب النافذة في النظامين المالي والسياسي. وهذا ما شهدناه من خلال عرقلة التدقيق الجنائي والكابيتال كونترول والاعتراف بخسائر المصارف ومعالجتها والتعيينات القضائيّة وخطة الكهرباء وغيرها.حكومة انتقاليةبسبب كل ذلك، بات جليّاً أن ما نحتاجه للخروج من حالة الانهيار الراهنة، يتناقض جذريّاً مع مصالح أقطاب النظام الطائفي المهيمن على شؤون البلاد اليوم، لا بل بتنا على قناعة أن هؤلاء سيستميتون قبل القبول بأي مساس بهذه المصالح، ولو كان الثمن إحراق ما تبقى من مقومات العيش في هذه الجمهوريّة. لهذا، نعلنها اليوم صراحةً، أن لا ثقة بأية حكومة ستمثّل هذه المصالح، وأن لا حل سوى بحكومة انتقاليّة بصلاحيات تشريعيّة استثنائيّة، ومستقلة عن التبعيّة لأي قطب من أقطاب هذا النظام.إصلاحات أساسيةلطالما اتُهمنا من مناهضي ثورة 17 تشرين أننا لا نملك البديل، ولا نملك أدوات الحل والخطط، فجئنا اليوم لدحض كل الأكاذيب ولنقدم توجّهاً للإصلاحات التي يجب اتباعها من الحكومة المطالب بها والتي يقوم برنامجها على ما يلي:
- تدقيق جنائي شامل في القطاع المالي، يشمل ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة على حد سواء، للوقوف عند حجم الخسائر الموجودة وأسبابها والمسؤولين عنها، على أن يشمل التدقيق في مسار موازٍ الصناديق والإدارات الرسميّة. - إعادة هيكلة القطاع المصرفي عبر الاعتراف بهذه الخسائر والأموال المسروقة، بعد تحديدها، ومعالجتها، لاستعادة الانتظام في القطاع المالي وحل أزمة المودعين، على أن تجري هذه المعالجة وفق سلّم أولويّات يبدأ من شطب رساميل المساهمين في النظام المصرفي، ويضمن تحييد أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة عن أي ضرر. - إقرار قانون كابيتال كونترول، ينظّم عمليّة استخدام السيولة المتبقية في النظام المالي، لمنع الاستنسابيّة في التعامل بين المودعين، ولمنع تهريب أي مساعدات مستقبليّة، ولضمان عودة الانتظام التدريجي إلى عمل النظام المالي لاحقاً. - الشروع بخطة شاملة لمعالجة أزمة فوضى أسعار الصرف وتعددها، مع وضع أولويّة خاصّة لحماية الفئات الأكثر هشاشة في هذه المرحلة. - بدء التفاوض على الدين العام فوراً، تمهيداً لإعادة هيكلته وفق قيم واستحقاقات وفوائد جديدة، وتحرير الميزانية العامة من عبء خدمة الديون الثقيل. - القيام بتعداد علمي ودقيق للمقيمين لمعرفة أحوال هذا المجتمع وتقييم القدرات البشرية والإنتاجية له، فمعلومات كالعمر، والحالة الصحية، والسكن، والمستوى التعليمي، والدخل، وحجم الأسر، وغيرها من المعلومات يعطي فكرة أوضح عن حاجات هذا المجتمع وقدراته الإنتاجية، خصوصاً وأن آخر تعداد رسمي حصل منذ حوالى 90 عاماً. - إقرار شبكة حماية اجتماعيّة جديّة، تكفل بدائل عن سياسات الدعم الحالي، وتحيّد التعليم الرسمي والمستشفيات الحكوميّة وسائر الخدمات الحيويّة عن أي سياسات تقشفية. - الشروع بوضع خطة اقتصادية متكاملة وشاملة، تطلق جهود إنعاش القطاعات الانتاجيّة كافّة، وتحمي المؤسسات العاملة في هذه القطاعات عن تبعات الانهيار الحاصل. على أن تمثّل هذه الخطة بداية لمرحلة انتقاليّة تعيد هيكلة الاقتصاد اللبناني.قرارات سياسيةإن هذه الإصلاحات الماليّة العاجلة، لا يمكن إلا أن تتوازى مع قرارات سياسيّة جريئة، تعيد الثقة بعمل المؤسسات، وتؤسس لاستعادة شرعيتها:
- إقرار قانون استقلاليّة السلطة القضائيّة. والشروع بتشكيلات قضائيّة جديدة بمعزل عن أي تدخّل سياسي، لتعزيز استقلالية القضاء ودوره في مكافحة الفساد. - كف يد القضاء العسكري عن التدخل في الحريات العامة، ووقف مسلسل القمع المتمادي والتعدي على حرية الرأي. - التحضير لانتخابات نيابيّة نزيهة، في موعدها ووفق قانون عصري يضمن صحة التمثيل وعدالته، مع انشاء هيئة مستقلة واسعة الصلاحيات لإدارتها والإشراف عليها. - العمل الفوري والجدي على وقف مزاريب الهدر وأهمها إقفال المعابر غير الشرعية. - رفض الإصطفافات الإقليميّة والتدخلات الخارجيّة على أنواعها. - الإلتزام بتحقيق جدّي وشامل يكشف أسباب انفجار مرفأ بيروت وجميع المتورطين في الملف، ومحاسبتهم. - إقرار التغطية الصحيّة الشاملة لجميع اللبنانيين. - إعادة هيكلة الإدارة عبر إقصاء كبار الموظفين المتورطين بملفات الفساد، والمحسوبين على زعماء المنظومة، وإجراء تعيينات جديدة تقوم على مبدأ النزاهة والكفاءة. - وضع وتطبيق خطة طوارىء صحيّة لمواجهة جائحة كورونا بشكل علمي وجدي. - الشروع بالانتقال نحو نظام لامركزي من خلال إقرار اللامركزية الإداريّة. - العمل على إقرار مرسوم مشروع قانون مدني موحد للأحوال الشخصيّة، يكفل المساواة والعدالة الجندريّة وحماية المرأة من العنف الأسري.
إننا ندعو عبر تحركنا هذا إلى أوسع التفاف شعبي حول بنود الحل هذه، لتكون برنامج عمل وطني، تقوم على أساسه الحكومة الانتقاليّة المستقلّة التي نريد فرضها.