تحت عنوان “مشاورات التكليف تنشط اليوم.. والحريري يرشّح نفسه”، كتبت صحيفة الجمهورية في افتتاحيتها:
خَرق الرئيس سعد الحريري جمود الاستحقاق الحكومي مساء أمس، معلناً «انني لا أرشّح نفسي للحكومة وأنا حُكماً مرشّح»، ومؤكداً «أنا مرشح طبيعي»، وقال: «سأقوم بجولة اتصالات للتأكد من التزام الجميع بورقة إصلاحات صندوق النقد وحكومة من الاخصائيين، فإذا وافقوا لن أقفل الباب». وقد استبَقَ الحريري بهذا الترشيح موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الخميس المقبل لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، ما دَلّ الى انّ نتيجة الاستشارات باتت شبه محسومة في اعتبار انّ غالبية القوى السياسية والكتل النيابية الكبرى تميل الى تأييد الحريري، خصوصاً بعد فشل تجربة تكليف الرئيس مصطفى اديب وقبلها فشل حكومة الرئيس حسان دياب، واندفاع البلاد الى مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي ومزيد من التصدع السياسي.
وبَدا الحريري، من خلال ما أطلقه من مواقف، مستنداً الى معطيات داخلية وخارجية متينة تشجّعه على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، فهو على رغم انتقاده القاسي لبعض القوى السياسية الداخلية واتهامها بتعطيل المبادرة الفرنسية التي اكد انها مستمرة وانها تشكّل فرصة مهمة لإنقاذ لبنان، شدّد على تمسّكه بمبادرته ان تبقى وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية، وكذلك أوحَى في الوقت نفسه انّ الجانبين السعودي والاميركي لا يعارضان عودته الى السرايا الحكومية.
أعلن الحريري في حوار تلفزيوني مساء امس، انه «مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة». وقال: «انني مرشّح لرئاسة الحكومة من دون جْميلِة حَدَا، لكنني لا اهدد كما يفعل غيري». واضاف: «هناك 3 مشاريع في البلد، مشروع «حزب الله» وحركة «أمل» المرتبط بالخارج، ومشروع يريد أن يخرج لبنان من هذه الأزمة ويعمل على مبدأ «لبنان أولاً»، ومشروع من المُزايدين الذين أوصَلوا البلد الى ما نحن عليه». وأوضح أن «لا معطيات إقليمية لديّ لتوقيت هذه الإطلالة، لكنّ الجميع تحدّث وانا لم أتكلّم عن موقفي بعد». وقال: «أردتُ الكلام اليوم لأنّه بعد ما حصل بالمبادرة الفرنسية انكشفَ لبنان على كل الاتجاهات». وشدد على أنّ «المبادرة الفرنسية أرادت انجاح لبنان وإخراجه من المأزق، ولا اعلم لماذا أفشلوها؟».
وكان سبق اطلالة الحريري هدوء لافت على جبهة الاستحقاق الحكومي، لكن لم يدل الى انّ القوى السياسية مُدركة استحالة التأليف لاعتبارات خارجية قبل ان تكون داخلية، وذهب البعض الى القول انّ هذه القوى لا تجد حاجة الى رفع السقوف تحسيناً لشروط ومواقع وحقائب وأحجام طالما انّ الحكومة محتجزة في الخارج لا الداخل. ولكنّ حقيقة المواقف ستظهر في ضوء ردود الفعل المنتظرة على مواقف الحريري بدءاً من اليوم.
وسألت بعض المصادر المعنية عن انه في حال عدم الاتفاق على الحريري او غيره هل سيُرجئ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاستشارات إلى موعد غير محدد؟ وقالت: «لا يمكن الجزم من الآن، وإن كان الاتجاه العام يميل نحو السلبية، إذ يخشى حتى لو تَمّت تسمية رئيس مكلف فإنه سيتعذّر عليه التأليف في ظل الخلاف المُستحكم بين وجهتي نظر، إلّا انّ الأزمة الكبرى التي لا يمكن لأي طرف التغاضي عنها هي الأزمة المالية والاجتماعية والمعيشية والاقتصادية المتفاقمة، واي مصير يتّجه إليه لبنان في حال رفع الدعم؟ فهل تتحمّل الدولة ثورة اجتماعية وغلياناً اجتماعياً؟
وتتوقع المصادر المعنية بالاستحقاق الحكومي ان تنشط المشاورات السياسية ابتداء من اليومن في وقت لم يظهر بعد ان ايّ فريق في وارد التراجع عن وجهة نظره، فيما المبادرة الفرنسية التي يضع الجميع أنفسهم تحتها ويؤيّدها، تبدو وكأنها معلّقة، ولم يسجل حتى الآن اي دخول فرنسي على الخط بعد ان حدّد رئيس الجمهورية موعد الاستشارات.
ولكن كان لافتاً أمس ما أشار اليه رئيس الجمهورية، في تغريدة عبر «تويتر»، كتب فيها: «من المعلوم انّ الأمم التي تفقد حسّها النقدي وتمتنع عن إعادة النظر بسلوكها، محكومة بالتخلّف ولا تستطيع بناء ذاتها ومواكبة العصر. فإلى متى يبقى وطننا رهينة تحجّر المواقف وغياب مراجعة الذات؟».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، في معرض تفسيرها لمضمون هذه التغريدة، انّ رئيس الجمهورية اراد حَضّ رؤساء الكتل النيابية ورؤساء الأحزاب الممثلة في المجلس النيابي، المدعوّين الى تحديد موقفهم من تسمية الرئيس الذي سيكلّف مهمة تشكيل الحكومة العتيدة، على إعادة النظر في مواقفهم المتحجّرة والمتصلّبة عبر مراجعة الذات، توصّلاً الى تعديل رؤيتهم إزاء بعض العناوين الأساسية لتتلاقى مجموعة الارادات على نقاط مشتركة».
وأضافت هذه المصادر: «انّ البلاد لا تُدار بمثل هذه الطريقة، وانّ التنازل مطلوب من الجميع توصّلاً الى التفاهم على من يتولى هذه المهمة الدستورية في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، لتخطو الخطوة الأولى المطلوبة بإلحاح في خريطة الطريق الى الحل التي تم التوافق عليها. فما هو مطلوب بات معروفاً لدى اللبنانيين، ولدى كل من يساند لبنان في مواجهة هذه الأزمة لاستعادة الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها».
من جهة ثانية، وغداة جلسة اللجان النيابية المشتركة التي ناقشت اقتراحات قوانين الانتخاب، غرّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عبر «تويتر»، فكتب: «برسم المزايدين: لولا وجودنا في المجلس النيابي لكانت مرّت بالأمس مؤامرة قانون الانتخاب».
وردّ المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي على هذه التغريدة ببيان أشار فيه إلى أنّ «كل قوانين الانتخابات السابقة يمكن اعتبارها مؤامرة على مستقبل لبنان ما عدا الإقتراح الحالي». وأضاف: «إقرأ بروحية النصر للبنان، وليس على الفريق الآخر».
وعلى صعيد ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل والمفاوضات المقررة في شأنها منتصف الشهر الحالي بوساطة الولايات المتحدة الاميركية وبرعاية الامم المتحدة، اكد «حزب الله» ان لا علاقة لهذا الترسيم بـ«المصالحة» أو «التطبيع» مع اسرائيل.
وقالت كتلة «الوفاء للمقاومة»، في بيان لها أمس: «خلافاً لكل الكلام الذي قيل هنا وهناك، انّ الإطار التفاوضي حول موضوع حصري يتصل بحدودنا البحرية الجنوبية واستعادة أرضنا وصولاً إلى ترسيم مواقع سيادتنا الوطنية، لا صِلة له على الإطلاق لا بسياق المصالحة مع العدو الصهيوني الغاصِب لفلسطين، ولا بسياسات التطبيع التي انتهجتها مؤخرا وقد تنتهجها دول عربية لم تؤمن يوماً بخيار المقاومة، ولم تمارسه ضد عدو الامة في يوم من الأيام». وأكدت ان ّ«تحديد إحداثيات السيادة الوطنية هي مسؤولية الدولة اللبنانية، المعنية حصراً بأن تعلن أن ّهذه الأرض وهذه المياه هي أرض ومياه لبنانية».
الى ذلك أكد السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان أهمية توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود، حتى يتمكن الجانبان من الاستفادة من مواردهما الطبيعية.
وفي الوقت نفسه، اعتبر فيلتمان أنّ «حزب الله» «سيستخدم ورقة مزارع شبعا حجّة للإبقاء على ترسانته العسكرية، التي تشكل خطراً على لبنان».
وعلى الصعيدين المالي والاقتصادي، يواصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء مسيرته التصاعدية التي بدأها بعد فترة قصيرة من سقوط المبادرة الفرنسية، وبالتوازي مع الضجة التي أثيرت في شأن نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، واقتراب موعد وقف دعم السلع. وعلى رغم انّ مصرف لبنان المركزي أعلن، على لسان حاكمه رياض سلامة قبل يومين، ان الدعم سيستمر لكن الطريقة ستتغيّر، واصَل سعر صرف الدولار الارتفاع. فهل يعني ذلك انّ هبوط الليرة سيتواصل بصرف النظر عن موضوع الدعم؟
في المعلومات المتوافرة انّ اسباب ارتفاع دولار السوق السوداء لا يرتبط حصراً بملف رفع الدعم، بل انّ المشكلة تكمن في نمو حجم الكتلة النقدية بالليرة، بما يعكس الاستمرار في طباعة العملة. ويتم ذلك في غياب موازنة ترعى الانفاق والايرادات. وبالتالي، فإنّ الاسباب الاقتصادية والمالية كافية للاستنتاج بأنّ سعر صرف العملة الوطنية يتعرّض لضغوط اقتصادية، بالاضافة الى العوامل النفسية التي تتسبّب بها النكسات السياسية.
وفي هذا السياق، يمكن القول انّ الوضع المالي مقبلٌ على فترات صعبة، خصوصاً انّ الطبقات الشعبية والعمال يستعدون لرفض اي محاولة لتقليص الدعم، بما يعني انّ الاموال ستنفد، في غياب خطط الانقاذ، الأمر الذي سيؤدي الى كارثة تتجمّع مؤشراتها تِباعاً. واذا كان الاتحاد العمالي رفعَ أمس اللاءات التالية: لا لرفع الدعم عن المحروقات والادوية والقمح وكل المواد الاساسية، لا للمَسّ بأموال المودعين، لا لبيع ممتلكات الدولة، لا للمَسّ بالذهب، فإنّ السؤال المطروح: اذا لم يتحرك الوضع السياسي، واذا بقيت الدولة بلا خطة وبلا أمل في الحصول على مساعدات خارجية، واذا تجاوبت مع لاءات الاتحاد العمالي، كيف سيكون المشهد بعد بضعة أشهر من الآن؟
في غضون ذلك، عُقد أمس اجتماع بين فريق عمل شركة التدقيق الجنائي Alvarez & Marsal برئاسة جيمس دانيال، والفريق الذي عَيّنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمتابعة عملية التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
وخلال الاجتماع تم البحث في لائحة المعلومات المطروحة من قبل شركة Alvarez & Marsal، على أن يرسل مصرف لبنان المعلومات المطلوبة الثلاثاء المقبل.