كثر ضجيج المنتقدين وعلا صراخ المعترضين، مطالبين الرئيس عون بحلول فوريّة لمشاكل جذرية طغت على الدولة لأكثر من ٣٠ سنة. نعم لبنان يعاني. نعم لبنان يصارع أخطبوط الفقر، ولكنّه لن يسقط ولن ينهار كما يتوّعد البعض. وهذا ليس فقط بقدرة رئيسٍ جبّار لم تهزّه صراعات التاريخ، بل بعزيمة وإرادة شعبٍ لا يستسلم ولا ييأس ابداً.
ما من مرحلة صعبة الا وتخطّاها شعب لبنان العظيم...وفي المرحلة العصيبة الحالية التي تمرّ بها البلاد، ورغم إصرار المحرّضين على زرع الهلع في قلوب اللبنانيّين، سيبقى الأمل في قوة الصمود وحكمة الرئيس كبيراً ومرسّخاً .نعم لقد كان من المحّتم أن يتجسّد الاقتصاد الفاشل والفساد والشقاق السياسي في اضطرابات مدنية ومعيشيّة شاقّة، ولكن في خضم إلقاء اللوم على الإدارة الحالية وموجة التحليلات المتباينة والشهادات غير الدقيقة، من المهم فهم جميع الحقائق والعوامل التي قادت لبنان إلى التدهور الحالي.
كيف تراكمت ديون لبنان؟
تم التوصل إلي اتفاق ألطائف في عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان. وفقاً عليه، انتقلت السلطة من رئيس الجمهورية وأُسندت إلى مجلس نواب منقسم بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين (ومن الشروط الإضافية ما يلي: تنظيم إدارات الرئاسة اللبنانية وعملها، وإنشاء نظام برلماني من خلال مراقبة العمل وتنفيذ نظام للمساءلة، وإنشاء نظام حكم قضائي مستقل، وتنظيم إدارة الوزارات، وتحقيق اللامركزية في جميع الإدارات في الحكومة، وإطلاق خطة العمل (التي سبق وضعها) لتطوير البلد؛ لم يتم تنفيذ أيّ منها).
وفي عام 1992، اعتبرت حكومة رئيس الوزراء رفيق الحريري ووزير المالية فؤاد السنيورة أن المرحلة الانتقالية من اتفاق الطائف قد انتهت، فتجاهلت الديون السابقة، مما خلق تناقضات اقتصادية كبيرة. عند تأسيس سوليدير ومن اجل ارضاء الناس، أنشأ الرئيس الحريري العديد من الصناديق غير المنظمة، وبدأ اقتراض ألأموال بفائدة عالية. تفاقمت المشكلة الاقتصادية في عام 1997 عندما توصل مجلس الوزراء إلى قرار بالبدء في اقتراض مبالغ كبيرة من المال بالدولار الأمريكي، رغم أنّ لبنان يعتمد فقط على السياحة، مع عدم وجود نشاط في التصدير (مثلاً الزراعة والصناعة). في عام 1998، فشلت حكومة رئيس الوزراء سليم الحص في إدراك مخاطر الاقتراض غير المقيد بالدولار الأمريكي والحدّ منها. في عام 2007، بغية "تجاوز" الانهيار الاقتصادي وكسب الدعم السياسي، واصلت حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الاقتراض، بعد قمة باريس 3.استمرّ اتباع هذا الأسلوب المتهوّر في الحكومات اللاحقة مما أدى إلى ديون مفرطة بلغت 100 مليار دولار في عام 2019...
أمّا حاكم مصرف لبنان، فكان دوره في تدهور الإقتصاد كبيراً. منذ تعيينه في التسعينيات، اعتمد رياض سلامة سياسة الرئيس الراحل رفيق الحريري بالتركيز على السياحة و الإستثمار في العقارات لتشجيع تدفق العملات الأجنبية – اهمها الدولار الأمريكي - إلى البلاد، بدلاً من تشجيع الزراعة والصناعات والإستثمارات التي تجعل الاقتصاد متنوعاً وبالتالي مزدهراً. أخفت هذه الواجهة نظامًا ماليًا متداعيًا تم تصميمه لتبرير تدهور العملة وضخامة أرباح القطاع المصرفي. ولجذب الأموال من الخارج من أجل تمويل الديون الحكومية، رفع سلامة أسعار الفائدة على الودائع الدولارية، لتصل في بعض الأحيان إلى 14%، في حين تراوح متوسط سعر الفائدة الدولي المكافئ بين 1% و2%. كل هذا بدلاً من تنويع استثمارات البنوك لحماية أموال المودعين...
ما نعيشه اليوم ̶ ما ورثه رئيس لبنان ميشال عون وإدارته ̶ هي تداعيات عقودٍ طويلة من الفساد والاستغلال، إلى جانب البنية المختلة لاتفاق الطائف الذي يحد من سلطة كبار المسؤولين في التسلسل الهرمي الحكومي واوّلهم رئيس الجمهورية. لذلك، امامنا خياران: إمّا الصمود ومساندة الرئيس لكي يتمكّن من إنقاذ البلاد، وإمّا الإستسلام لليأس والفتنة والتخلّي عن لبنان...
إن كان شعب لبنان ما زال، كما يعهده التاريخ، صلباً،عظيماً، ومؤمناً بوطنه، فالخيار واضح...
--مارلين السبع