
ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
“يستمرّ العدوّ باعتداءاته وإرهابه للّبنانيّين من خلال الغارات الّتي يشنّها على أكثر من منطقة لبنانيّة والاغتيال لمواطنين لبنانيّين والتّفجير للمنازل في القرى الحدوديّة وفي الطّيران المسيّر التّجسّسيّ الّذي لا يفارق الأجواء اللّبنانيّة ومنع الإعمار، فيما هو يثبّت احتلاله للمواقع الّتي يسيطر عليها داخل الأراضي اللّبنانيّة ولا يبدي أيّ استعداد لإطلاق سراح الأسرى اللّبنانيّين ممّا ينصّ عليه الاتّفاق الّذي جرى مع الدّولة للقيام، وهو يواكب ذلك بالتّهديدات الّتي يطلقها قادة كيان العدوّ بتصعيد أكبر على لبنان إن لم يخضع لما يريده العدوّ”.
ورأى ان”كلّ ذلك يأتي رغم وفاء لبنان بكلّ ما التزم به بموجب الاتّفاق وهو يوشك على الإعلان عن إنهاء وجود أيّ مظاهر مسلّحة في جنوب اللّيطاني تنفيذًا له، ما يؤكّد وبما لا يقبل الشّك، أنّ هذا العدوّ لن يكتفي بما جرى بل يسعى إلى مزيد من التّنازلات من الدّولة اللّبنانية والّتي بات يعلن عنها وهي رسم جديد للحدود اللّبنانيّة مع كيانه وإنشاء منطقة عازلة ذات بعد أمنيّ واقتصاديّ واستمرار امتلاكه لحريّة الحركة على الأراضي اللّبنانيّة في مواجهة ما يدعيه من تهديد لأمن”ه.
اضاف:”إنّنا أمام ما يجري، نعيد التّأكيد على الدّولة اللّبنانيّة أن تصرّ على موقفها الثّابت أمام اللّجنة المكلّفة بتنفيذ وقف إطلاق النّار والدّول الرّاعية له بتحمّل مسؤوليّتها بإلزام العدوّ بأن يقوم بما عليه بوقف العدوان المستمرّ على لبنان والانسحاب من المواقع الّتي احتلّها وعودة الأسرى بعد وفاء لبنان بما التزم به، وأن لا تقدّم أيّ تنازلات مجانيّة في وقت لم يقم العدوّ بما هو مطلوب منه بل هو سيطلب المزيد منها، في الوقت الّذي ندعوها وأمام التّهديدات الّتي تجعل منه أن تضع خطّة طوارئ تحسّبًا لأيّ مغامرة قد يقدم عليها العدوّ، وبتفعيل ديبلوماسيّتها والّتي لا بدّ من استنفارها في هذه المرحلة، فيما نجدّد دعوتنا للّبنانيّين إلى تجاوز الخلافات الّتي تعصف بهم وتضعفهم والّتي يسعى العدوّ بكلّ جهده لتسعيرها والاستفادة منها لتحقيق أهدافه وأن يكون موقفهم موحّدًا في مواجهة غطرسة العدوّ واعتداءاته الّذي يمسّ كلّ لبنان لا طائفة أو مذهبًا فيه”.
واشار إلى” الجدل الدّائر داخل الحكومة حول قانون الفجوة الماليّة، والّتي تسعى من خلالها إلى إقرار قانون تريد من خلاله أن تطوي صفحة الماضي الّذي عانى منه اللّبنانيّون على كلّ المستويات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة”، وقال:”إنّنا أمام ذلك نعيد التّأكيد على الحكومة أن لا يطوى هذا الملف بحيث ينجو من أساؤوا الأمانة في حفظ ثروات الوطن من العقاب، بل بمحاسبة كلّ من أوصل البلد إلى ما وصل إليه، حيث لا يبنى بلد بلا محاسبة ومحاسبة الماضي هي مقدّمة لبناء المستقبل وما لم تتم سيتكرّر ما حصل، وفي الوقت نفسه فإنّنا نؤكّد ألا يكون هذا القانون على حساب المودعين فهو حقّ لهم، وأن يكون ضمن جدول زمني واقعيّ، فالمصارف ومن ورائها الدّولة معنيّون بإعادة الأمانات إلى أصحابها وأيّ مقاربة لا تؤدّي إلى استعادتهم لحقوقهم كاملة سوف لن تعيد الثّقة إلى الدّولة ولا إلى المصارف وسيبقى هذا الجرح مفتوحًا”.
واردف:”إنّنا نريد للبلد أن ينتظم على الصّعيد الماليّ وللمصارف أن تعود إلى عملها الطّبيعيّ لكن هذا لن يكون إلّا بقانون منصف وعادل لا ينبغي أن يكون على حساب المودعين الّذين بدونهم لن تسير عجلة المصارف أو تستعيد الدّولة موقعها”.
واذ اشار إلى “خطورة ما يتداول في وسائل الإعلام حول ظروف اختطاف النّقيب في الأمن العام اللّبنانيّ من قبل الموساد الإسرائيليّ”، دعا “الدّولة اللّبنانيّة أن تقوم بدورها وتقديم الإيضاحات عمّا جرى وكشف غموضه والسّعي لإعادته”.
وعن الوضع في فلسطين المحتلّة، لفت الى ان” العدوّ يستمرّ بممارسة عدوانه في غزّة وخرقه لاتّفاق وقف إطلاق النّار، فيما هو يتابع مخطّطه التّهويديّ الّذي بدأه في الضّفّة الغربيّة بإقراره بناء مشاريع استيطانيّة جديدة، حيث لا يخفي العدوّ سعيه للإطباق عليها ما يستدعي وقفة عربيّة وإسلاميّة جادّة تجاه ما يجري قبل أن تسقط البقيّة الباقية من حقوق الفلسطينيّين وأرضهم وربّما قضيّتهم”.
وختم فضل الله مهنئا “المسلمين والمسيحيّين بميلاد السّيّد المسيح الّذي نأمل أن يكون محطّة تسهم في تفعيل التّلاقي بين المسلمين والمسيحيّين وتعاونهم للعمل على تعزيز القيم الأخلاقيّة والرّوحيّة الّتي دعا إليها السّيّد المسيح”.
واكد إنّ” البشريّة هي أحوج ما تكون لهذا التّعاون بين الرّسالتين والعمل معًا لمواجهة التّردّي القيمي والأخلاقي الرّوحي الّذي بات يعصف في العالم وللوقوف في وجه مظاهر الظّلم والاستكبار والتّوحش الّتي لا تزال تتوالى صورها اليوميّة في أكثر من ساحة دوليّة وإقليميّة، فيما نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون السّنة الميلاديّة القادمة سنة خير وتزال عنّا الغمّة الّتي عانينا ولا نزال نعاني منها في لبنان وفلسطين وسوريا… وفي أكثر من بقعة من بقاع العالم وأن تحمل إلينا تباشير الأمل والسّلام الّذي نريده في هذا البلد ولكلّ العالم”.