عشية عيد الميلاد ورغم انحسار التطورات في المشهد الداخلي وغرق اللبنانيين في الاستعدادات لإحياء العيد وسط زحمة سير خانقة قياسية أقفلت شوارع ومداخل العاصمة والاوتوتسترادات المؤدية إلى المناطق لا سيما منها أوتوستراد بيروت جونية، تصدّر استحقاقان الاهتمامات الرسمية وأولوياتها وهما، إنجاز إقرار مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع في مجلس الوزراء، والاستعدادات الحثيثة لإنجاز المرحلة الأولى من خطة حصرية السلاح في جنوب الليطاني.
ويبدو واضحاً أن مرحلة ما بعد الأعياد ستطل على استحقاقات ضاغطة للغاية، منها ما يتصل بجلاء غبار التهديدات الإسرائيلية بحرب جديدة في لبنان، وذلك رهن لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نهاية الشهر الحالي، ومنها ما يطل على الأوضاع الداخلية واستحقاقاتها، علماً أنه إلى جانب إقرار قانون الفجوة المالية وقانون الموازنة العامة للسنة الجديدة، ستشكل بداية السنة الجديدة إشارة الانطلاق الحارة لاستحقاق الانتخابات النيابية وسط انقسام حاد في مجلس النواب حول تصويت المغتربين واتّساع الهوة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وقوى الأكثرية المعارضة لأداء بري حيال ملف تعديل قانون الانتخاب.
في جلسة ماراتونية مضت الحكومة في رحلة إقرار مشروع قانون الفجوة المالية، ورفع مجلس الوزراء جلسته التي بدأت صباحاً في السرايا برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام، للاستراحة لأربعين دقيقة، ثم عاودها حتى ساعات المساء. وأوضح وزير الإعلام بول مرقص مجريات الجلسة، وقال: “كان هناك نقاشاً عاماً حول أساسيات تتعلق بالقانون، وتم الدخول في الأرقام التي تتعلق بسيولة القطاع المصرفي وكلفة تطبيق هذا القانون وباحتسابات معينة نتيجة العمل بكيفية تسديد الودائع والدخول في جداول مالية من أجل حسن صياغة هذا القانون. والهاجس هو كسب ثقة المواطنين وليس فقط كسب ثقة المجتمع الدولي على أهميته وتثبيت حقوق المودعين في الضمانة التي تعرفونها، وهذا رهان محسوب وليس مجازفة، كما تم الاتفاق عليه في الجلسة نتيجة درس هذه الأرقام بطريقة محسوبة، وكان نقاشاً صريحاً أيضاً بين حاكمية مصرف لبنان والحكومة حول علاقة المديونية بينهما، وهذا شكل من أشكال الوضوح ورسم مسار واضح لكيفية الانتظام المالي في الدولة، وهذا القانون نعتبره من أهم القوانين منذ وضع قانون النقد والتسليف في أوائل ستينات القرن الماضي، لذلك نحن نأخذ هذا الوقت لحسن دراسته”.
ليس بعيداً، أكد رئيس الجمهورية جوزف عون أنه ابن القطاع العام وعاش معاناة المؤسسة العسكرية، وأنه من حق موظفي القطاع العام المطالبة بإنصافهم. وكشف عن تداول مجلس الوزراء ووزير المال مسالة إعادة النظر برواتب القطاع العام، مؤكداً إشراك ممثلي هذا القطاع في النقاش الدائر حول الموضوع، ومشدداً على التعاون معهم للوصول إلى حل يتوافق مع الإمكانات الحالية الموجودة.
في المقابل، أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع “أن وزراء القوّات سيصوتون ضد مشروع قانون الانتظام المالي في مجلس الوزراء”، وقال: “ما هو المعيار الذي نعتمده كـ”قوّات” للحكم على هذا القانون، ولتحديد ما إذا كنّا نؤيّده أم نعارضه؟ المعيار بسيط وواضح: هل يردّ هذا القانون ودائع الناس أم لا؟ لذا وانطلاقًا من هذا المعيار، نحن لا نؤيّد هذا القانون، لأنّه لا يردّ الودائع”. ولفت جعجع إلى أن “هذا القانون طال انتظاره، ولا شكّ في أنّ الصيغة المطروحة اليوم أفضل من القوانين التي قُدّمت سابقًا، إلّا أنّه لا يزال قاصرًا إلى حدّ كبير عن تلبية المتطلّبات اللازمة لكي يُعدّ قانونًا فعليًا وشاملًا”. وقال: “مهما تنوّعت التقنيات، وكثرت التفاصيل، وتشعّبت الآليات، يبقى الجوهر واحدًا: إمّا أن يعيد القانون الودائع، وإمّا لا. فإذا لم يُعدها، فنحن ضده، ولهذا السبب تحديدًا نقف في موقع المعارض له”.
أما في ما يتصل بالوضع بين لبنان وإسرائيل، فأفادت معلومات “النهار” أنه قبل السابع من كانون الثاني المقبل موعد اجتماع لجنة الميكانيزم، تجرى اتصالات لإصدار بيان موسع عنها يتناول جردة ما تم انجازه، ولا سيما من جهة لبنان الحريص على تبيان حقيقة ما حققه الجيش في المرحلة الاولى من خطة الحكومة في جنوب الليطاني حيث اصبحت كل هذه المنطقة تحت الإطار العملياتي للمؤسسة العسكرية، على أن تستكمل جمع كل سلاح “حزب الله” في هذه البقعة التي تضم عشرات القرى مع التأكيد على عدم أي نشاط عسكري لـ”حزب الله” في هذه المنطقة.
ويهدف التقرير المنتظر إلى جمع خلاصة ما تم تطبيقه على الأرض، ولو أن إسرائيل تطلب تنفيذ المزيد، في وقت يشيد فيه الأميركيون فضلاً عن الفرنسيين و”اليونيفيل” بأداء الجيش والمهمات التي نفذها.
وفي هذا السياق، رأى نائب رئيس الحكومة طارق متري أمس، أن “من حق اللبنانيين أن يتخوفوا بعض الشيء من أي احتمال تصعيدي إسرائيلي جديد على البلاد مطلع السنة المقبلة من دون ذرائع، نظراً إلى أنه لا يمكن التكهن بنوايا العدو”، لكنه اعتبر أن “المبالغة في التخوف مؤذية ولا تستند إلى معلومات جدية ولا لأسباب مقنعة”. وإذ نفى “وجود ضمانات أو تطمينات للبنان بعدم قيام العدو الاسرائيلي بتصعيد جديد”، شدّد على أنه “من واجبنا أن نقطع الطريق على أي ذريعة للعدو للاعتداء على لبنان”، لافتاً إلى أن “لجنة الميكانيزم سلكت هذا الطريق عبر البحث في كيفية التحقق من التزام الجيش اللبناني مهامه وفق الخطة التنفيذية التي وضعها”. وأشار إلى أننا “دخلنا مرحلة جديدة في التعامل الدولي مع لبنان، لا سيما على صعيد الجيش”، كاشفاً عن “التحضير لزيارة قريبة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن، ناهيك عن أن موافقة الولايات المتحدة الأميركية على إقامة مؤتمر خاص لدعم الجيش هو دليل أولي على الأقل أن موقف الجيش لم يعد كما كان”.
إلى ذلك، رأس قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة اجتماعًا استثنائيًّا، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات والأفواج العملانية، وعدد من الضباط، وتناول فيه آخر التطورات التي يمر بها لبنان والجيش. وتطرّق العماد هيكل إلى زيارته الأخيرة إلى فرنسا، لافتًا إلى الإيجابية التي لمسها خلال اجتماعاته حيال الأداء المحترف للجيش، ومشيرًا إلى أنّ هذا الأداء أصبح محل ثقة الدول الشقيقة والصديقة رغم اتهامات تطلَق بين حين وآخر، ومحاولات تضليل إسرائيلية تهدف إلى التشكيك بأداء الجيش وعقيدته. وتناول موضوع المؤتمر المرتقَب لدعم الجيش بالقول: “أحد أهم أسباب الثقة والدعم للجيش هو وفاؤه بالتزاماته وواجباته في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في الجنوب، رغم الإمكانات المتواضعة، وهذا أمر أثبتته التجربة”.
وأشار إلى أن الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته، وأنه يُجري التقييم والدراسة والتخطيط بكلّ دقة وتأنٍّ للمراحل اللاحقة، ويأخذ مختلف المعطيات والظروف في الحسبان.
كذلك أشاد بنجاح الوحدات في مختلف المهمات، بما في ذلك حفظ الأمن ومراقبة الحدود وحمايتها في ظل التنسيق القائم مع السلطات السورية.