احتفل برنامج لوريال-اليونسكو "من أجل المرأة في العلم" بنسخته الثانية عشرة في منطقة المشرق العربي، بتكريم ست باحثات شابات استثنائيات تساهم أعمالهن العلمية الرائدة في تشكيل مستقبل البحث العلمي والابتكار في المنطقة. وقد جسّد هذا الحفل المرموق ، الذي أقيم تحت رعاية وحضور سعادة السفيرة سحر بعاصيري في المركز التدريبي لشركة طيران الشرق الأوسط في بيروت ، القناعة الراسخة التي يقوم عليها البرنامج: العالم يحتاج إلى العلم، والعلم يحتاج إلى المرأة.
وخلال كلمتها الملهمة، أكّدت سعادة السفيرة سحر بعاصيري على أن تمكين المرأة في المجالات العلمية يتجاوز كونه ضرورة وطنية وإقليمية ملحّة، ليصبح إيمانًا عميقًا بأن الموهبة والإبداع لا يعرفان جنسًا ولا حدودًا. لقد شددت على أن كل فائزة وشابة طموحة اليوم لا تحمل جائزة فحسب، بل تحمل رسالة قوية تكون فيها قدوةً تضيء الطريق لغيرها. وفي هذا السياق، أوضحت أن برنامج لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلوم لا يقتصر هدفه على تكريم الإنجازات العلمية فحسب، بل يسعى جاهدًا إلى إعادة كتابة قصة المرأة في العلوم وإلهام جيل قادم من الفتيات، ليتمكنّ من تحويل شغفهن بالبحث والابتكار إلى إنجازات عظيمة، تسهم في صياغة مستقبلٍ أكثر إشراقًا وتقدمًا للبشرية جمعاء.شهدت نسخة هذا العام تكريم ستّ عالِمات شابّات: ثلاث باحثات في مرحلة ما بعد الدكتوراه، وثلاث طالبات دكتوراه. تمّ اختيارهنّ من بين أكثر من مئة متقدّمة، استنادًا إلى تميّزهنّ العلمي اللافت. وقد أُجري التقييم بإشراف لجنة علميّة مرموقة، برئاسة البروفيسورة ماري عبّود مهنا، أستاذة الفيزياء في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وإحدى خرّيجات برنامج لوريال–اليونسكو (2009)
عن فئة باحثات ما بعد الدكتوراه
1. الدكتورة ميس الدغمي من الأردن: أستاذ مشارك في قسم العلاج الطبيعي في كلّية علوم التأهيل بالجامعة الأردنيّة. ويهدف مشروعها الحالي إلى تطوير برنامج تمارين علاجية عبر التأهيل عن بُعد لتوفير العلاج الطبيعي بشكل يسهل الوصول إليه لمرضى باركنسون – بهدف تحسين النوم والطاقة اليومية وجودة الحياة من المنزل2. الدكتورة ريم عبيدو من سوريا: باحثة ومحاضِرة في كلّية الصيدلة – جامعة إيبلا الخاصّة في سوريا. تعمل على تطوير طرائق تحليليّة خضراء ومستدامة لمراقبة جودة الأدوية في البيئات محدودة الموارد، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين دقّة التحليل. نالت جائزة OWSD-Elsevier لعام 2025 تقديرًا لأبحاثها الرائدة في مجال الاستدامة الدوائيّة.
3. الدكتورة ريتا حليحل من لبنان: باحثة في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت. تتركّز أبحاثها على الحد من إنتشار أكثر أنواع سرطانات الثدي خطورةً : سرطان الثدي الثلاثي السلبي و تطوير علاجات مخصّصة وفعّالة في مكافحته
عن فئة الدكتوراه
1. الدكتورة غنى الحاج شحادة من لبنان: طالبة دكتوراه في علم الأحياء الدقيقة في جامعة القدّيس يوسف. يهدف مشروعها إلى استخراج بلاستيك حيوي (PHA) من بكتيريا متطرّفة تم عزلها من ملاحات أنفه - لبنان، كحل مبتكر لمشكلة التلوث البلاستيكي ودعم الابتكار البيئي المحلي.
2. الدكتورة فرح أ. لازم من العراق: طالبة دكتوراه في فيزياء الليزر والكهروبصريات في جامعة الكرخ للعلوم. يركّز بحثها على تصميم مرنانات بصريّة دقيقة (Whispering Gallery Mode Microresonators) للكشف المبكر عن التغيّرات في الأنسجة الحيويّة دون الحاجة إلى تفاعلات كيميائيّة، ما يُمهّد لتقنيّات تشخيصيّة جديدة في المجال الطبّي.
3. الدكتورة سالي المعلّم من سوريا: طالبة دكتوراه في اختصاص التقانة الحيوية في كلّية الصيدلة – جامعة دمشق. يهدف مشروعها إلى تصميم وإنتاج أدوية بيولوجيّة مناعيّة تربط الخلايا السرطانيّة بالخلايا المناعية (الخلايا القاتلة الطبيعيّة) لتعزيز الفعالية المناعية المضادة للورم، مع تطوير بروتوكولات إنتاج محليّة مستدامة للأدوية البيولوجيّة.
وقد شارك في الحفل عددٌ من الشخصيّات البارزة، من بينهم السيّد باولو فونتاني، مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت، والدكتور شادي عبد الله، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلميّة في لبنان. وقدّمت الحفل الإعلاميّة رنيم بو خزام، بحضور أكثر من 300 مدعوّ من شخصيّات دبلوماسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وممثّلين عن المؤسّسات الأكاديميّة والعلميّة والبحثيّة.
مؤسّسة لوريال: تدعم مؤسّسة لوريال النساء وتمكّنهنّ من تشكيل مستقبلهنّ وإحداث فرق في المجتمع، مع التركيز على ثلاثة مجالات رئيسيّة: البحث العلمي، والجمال الشامل، والعمل المناخي.
منذ عام 1998، عمل برنامج لوريال–اليونسكو من أجل المرأة في العلم على تمكين المزيد من العالِمات من تجاوز العوائق التي تعيق تقدّمهنّ والمشاركة في حلّ التحدّيات الكبرى في عصرنا، لما فيه مصلحة الجميع. على مدار 27 عامًا، دعم البرنامج أكثر من 4700 باحثة من أكثر من 140 دولة، مكافئًا التميّز العلمي وملهمًا الأجيال الشابّة من النساء لمتابعة مسيرتهنّ المهنيّة في مجال العلوم.
مقتنعةً بأنّ الجمال يساهم في عمليّة إعادة بناء الحياة، تساعد مؤسّسة لوريال النساء الضعيفات على تحسين ثقتهنّ بأنفسهنّ من خلال علاجات الجمال والعافية المجّانيّة. كما تُتيح للنساء المحرومات الوصول إلى فرص العمل من خلال تدريبات مهنيّة متخصّصة في مجال الجمال. في المتوسّط، يحصل حوالي 16,000 شخص على هذه العلاجات المجّانيّة كلّ عام، كما شارك أكثر من 35,000 شخص في تدريبات مهنيّة في مجال الجمال منذ بداية البرنامج.
أخيرًا، لا تزال النساء يُعانين من التمييز وعدم المساواة المستمرّين القائمَين على النوع الاجتماعي، والتي تفاقمت بسبب التغيّر المناخي. وعلى الرغم من أنّهنّ في الخطوط الأماميّة للأزمة، إلّا أنّهنّ لا يزلن مُمثّلات تمثيلًا ناقصًا في عمليّة صنع القرار المناخي. يدعم برنامج المرأة والمناخ التابع لمؤسّسة لوريال بشكل خاصّ النساء اللواتي يُطوّرن مشاريع عمل مناخي تُعالج الأزمة المناخيّة العاجلة، كما يعمل على زيادة الوعي بأهمّية الحلول المناخيّة الحسّاسة للنوع الاجتماعي.
اليونسكو: تُساهم منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة، التي تضمّ 194 دولة عضوًا، في تعزيز السلام والأمن من خلال قيادة التعاون متعدّد الأطراف في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتّصال والمعلومات. يقع مقرّها الرئيسي في باريس، ولديها مكاتب في 54 دولة، ويعمل بها أكثر من 2300 موظّف. تُشرف اليونسكو على أكثر من 2000 موقع للتراث العالمي ومحميّات المحيط الحيوي والمتنزّهات الجيولوجيّة العالميّة؛ وشبكات المدن الإبداعيّة والتعليميّة والشاملة والمستدامة؛ وأكثر من 13,000 مدرسة ومنصب أكاديمي في الجامعات ومؤسّسات تدريب وبحث. تشغل منصب المدير العام لليونسكو أودري أزولاي.
“بما أنّ الحروب تبدأ في عقول البشر، فإنّه في عقول البشر يجب أن تُبنى دفاعات السلام” – دستور اليونسكو، 1945.
كلمة سعادة السفيرة سحر بعاصيري
اسمحوا لي أن أبدأ بتهنئة الفائزات الست، نجماتنا هذا المساء. مبروك مجددا.
السيدات والسادة
الحضور الكريم،
إن لبرنامج لوريال – اليونسكو من أجل المرأة في العلوم مكانة خاصة في قلبي، لأنه لا يمنح الجوائز فقط، بل يعيد كتابة قصة لم تُرو بعد كما تستحق: قصة المرأة في العلوم.
هذه القصة ليست جديدة، لكن الضوء الذي اعطي لها لم يكن كافيا بعد.
لكن عندما نعرف ان سبع عالمات من بين الفائزات في البرنامج نلن لاحقا جائزة نوبل ندرك عمق التغيير. فهذا ليس رقماً عابراً، بل دليل على ما يحدث حين نؤمن بالمرأة ونمنحها الفرصة.
والأجمل هذا العام هو اطلاق برنامج "من أجل الفتيات في العلوم" لأن حكاية العالمات تبدأ هناك، مع طفلة تفكّك العابها، أو تطرح أسئلة لا تنتهي عن كيف ولماذا.
الا ان هذه الشرارة الصغيرة تحتاج إلى بيئة تصغي إليها. هل تجد الفتاة من يشجّعها على التجربة، أم من يطلب منها التراجع لأن “هذه الأسئلة ليست للبنات”؟ هل تجد مدرسة ومجتمعاً يفتحان باب الشغف، أم يعيدان رسم حدود الطموح أمامها؟
الإجابات على هذه الأسئلة هي التي تحدد إن كانت ستولد عالِمة… أو سيطفأ حلمها في بداياته.
السيدات والسادة،
اليوم، لا نحتفل بالعلم وحده، بل بمن يضفن إلى العلم وجهاً إنسانياً؛ بالنساء اللواتي لا يكتفين بفهم العالم، بل يسعين الى تغييره.
لكن مع ان النساء حاضرات في كل مساحة يتقدّم فيها العالم: في الطب، والهندسة، والبيئة، والتكنولوجيا، فإن الطريق لا يزال طويلا.
تخبرنا الأرقام ان نسب حضور النساء في مجالات علمية عديدة لا تزال اقل من المطلوب عالميا، وانه في منطقتنا العربية، ورغم أن الفتيات يشكّلن أكثر من نصف طلاب الجامعات، لا يزال حضورهن في التخصصات العلمية الدقيقة محدوداً.
لكن الأرقام لا تقول كل شيء.
فالمساواة في العلوم ليست مسألة نسب، بل مسألة حق وعدل وضرورة للتقدّم.
وتمكين المرأة في العلوم ليس مجاملة بل استثمار في المستقبل. فكرة تولد في عقل فتاة صغيرة قد تصبح اكتشافاً يغيّر حياة إنسان. وتجربة تجريها طالبة في مختبر مدرستها قد تحلّ أزمة صحية أو بيئية أو تكنولوجية.
وهذا هو معنى برنامج لوريال – اليونسكو: مساحة تُروى فيها القصة كما تستحق، ودليل على أن الإيمان بالنساء يفتح آفاقاً لا حدود لها.
لكن لنعترف ان العالِمة لا تزال تواجه تحديات كثيرة: صوراً نمطية، ضغوطاً اجتماعية، صعوبة الموازنة بين طموحها المهني وحياتها الخاصة، وبيئات عمل لا تكون دائماً عادلة أو آمنة.
لذلك، فإن دعم المرأة في العلوم يعني بناء بيئة كاملة تسمح لها بأن تدخل… وتبقى… وتتقدّم… وتقود.
وبهذا المعنى، علينا أن نعيد تعريف صورة العالِم، لتصبح صورة إنسان يسأل ويبتكر… رجلاً كان أو امرأة.
فإلى كل نجمة من نجماتنا اليوم اقول: أنت لا تحملين جائزة فحسب، بل تحملين رسالة. وانت دليل حيّ على أن الموهبة لا تعرف جنساً ولا حدوداً، وأن الشغف حين يجد فرصة يتحوّل إلى إنجاز قادر على تغيير الواقع.
ربما شعرت في مرحلة ما أنك "الوحيدة" أو "المختلفة"، لكنك اليوم من الاوائل تفتح الطريق لغيرها، وتكون قدوة لفتيات كثيرات يحلمن بمستقبل مماثل. ألف مبروك مجدداً.
وإلى كل فتاة هنا او في اي مكان في عالمنا العربي، أقول:
لا تدعي أحداً يقنعك أن العلم ليس لك. العلم لا يفرّق بين رجل وامرأة، بل بين من يسأل ومن لا يسأل. كل سؤال في ذهنك هو بداية طريق، وكل خطوة نحو المعرفة توسّع حدود العالم.
وإلى المؤسسات وصنّاع القرار اقول: دعم النساء في العلوم ليس ترفا، بل ركيزة للتقدّم. فمن خلال فرص عادلة، وبيئات آمنة، وسياسات واضحة للترقّي، نغلق الفجوة بين ما نحن عليه وما نستحق أن نكونه.
وعندما تتقدم النساء في منطقتنا بالعلوم فإننا لا نكون نطور المعرفة فحسب، بل نسرع مسيرة الاستقرار والازدهار، وبناء القدرة على الصمود في المستقبل.
إن منطقتنا زاخرة بالمواهب، وعندما تُمنح النساء فرصة حقيقية، يصبحن قوة تغيير عابرة للحدود.
دعونا نكتب معاً قصة المرأة في العلوم كما تستحق: قصة إصرار وثقة وايمان بان المعرفة هي أعظم أشكال القوة وأعمق اشكال الحرية.
فتحية للوريال واليونسكو،
وتحية لكل امرأة تؤمن، وكل رجل يؤمن، بأن العلم والمعرفة هما أعظم أشكال القوة وأعمق أشكال الحرية.
شكرا