على رغم ثبوت الحديث عن “مهلة جديدة” نهائية أمام لبنان، واكب زيارة الوفد المالي – الامني الاميركي لبيروت وسقفها آخر السنة الحالية لإبراز السلطات اللبنانية خطوات حاسمة في اتجاهي نزع سلاح “حزب الله” وتجفيف مصادر تمويله، ظلّل الغموض الشديد المشهد الداخلي وسط تزايد معالم القلق بعد الموقف الأميركي الذي صار في حكم المثبت أنه لا يبدي اقتناعاً بمستوى الجدية اللبنانية في تنفيذ الالتزامات بحصرية السلاح، فيما تتوالى للأسبوع الثالث حملة التهديدات والإنذارات المركزة في إسرائيل بعملية واسعة في لبنان، ولو أن التضارب حيال توقيتها لا يزال يشوب هذه الحملة. وعلى غرار الأسابيع الأخيرة التي أبرزت صورة لبنان المحاصر بين فكي كماشة التهديدات الإسرائيلية وسياسات الإنكار ومناهضة الدولة والذرائع المجانية لإسرائيل التي يدأب عليها “حزب الله”، جاءت المواقف الأخيرة للأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أمس لتعيد رسم هذه المعادلة الاستفزازية التي أريد من جولتها الأحدث مناطحة تداعيات الضغوط الأميركية على لبنان والتهديدات الاسرائيلية بعملية واسعة، بتصعيد سياسة تقديم الذرائع بل وإطلاق تهديدات جديدة سافرة بتحرك وشيك للحزب سعياً لإضعاف السلطة وفرض الأجندة الإيرانية القابعة وراء هذا النمط المتدحرج في تعريض لبنان للانكشاف والخطر.
وترصد الأوساط الديبلوماسية والسياسية تداعيات الزيارة التي قام بها الوفد الأميركي لبيروت، والتي اعتبرت بمثابة إيداع السلطات اللبنانية التحذير الأخطر من مغبة مزيد من التلكؤ في تشديد كل الاجراءات الآيلة إلى مكافحة وسائل تمويل “حزب الله”، علماً أن اللافت في ما لاحظه كثيرون من النواب والسياسيين الذين قابلوا الوفد تمثّل في عدم تمييز الوفد كلامه عن الجانب المتعلق بالتشدد المالي والمصرفي عن الجانب المتصل بنزع السلاح، بما ترك انطباعاً واسعاً حيال مهلة الربط المحكم بين المسارين.
ولكن في المقابل، فإن رئيس الجمهورية جوزف عون لم يخفِ أمس أن مطلب لبنان الضغط على إسرائيل لم يثمر إيجاباً بعد. وفي لقاءاته في صوفيا في إطار الزيارة الرسمية التي قام بها إلى بلغاريا زار الرئيس عون أمس رئيس الحكومة البلغارية روزين جيليازكوف في مقر رئاسة الحكومة البلغارية، وعقد معه اجتماعاً. وتحدث الرئيس عون عن “استمرار إسرائيل في انتهاك الاتفاق الذي أعلن عنه قبل عام، من خلال استمرارها في الأعمال العدائية وانتهاك قرار مجلس الأمن الرقم 1701، وإبقاء احتلالها لأراض لبنانية وعدم إعادة الأسرى اللبنانيين”. وأضاف “أن لبنان طلب من الدول الصديقة المساعدة في الضغط على إسرائيل لالتزام الاتفاق، ولكن حتى الآن لم نصل الى نتيجة إيجابية”. وشرح بناء على استيضاح رئيس الحكومة البلغارية، المهمات التي يقوم بها الجيش اللبناني في الجنوب، كما عرض للواقع الأمني في البلاد وهو أفضل مما كان عليه في السابق.
بدوره، قال رئيس الحكومة نواف سلام في احتفال إحياء العيد الثمانين لتأسيس شركة طيران الشرق الأوسط، “إنني عملت مع فخامة رئيس الجمهورية على إعادة وصل لبنان بالعالم العربي بعد سنوات من الانكفاء والعزلة. وكذلك عملنا على إعادة بناء الثقة بالدولة عبر الإصلاح المؤسساتي كما في استعادة السيادة وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل الأراضي اللبنانية”.
وأما الشيخ نعيم قاسم في كلمته في “يوم الشهيد”، فأعاد سردية تفسير حزبه لاتفاق 27 تشرين الثاني، وتوعّد “بأن العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر بلا رادع، وأن الصمت على الخروقات الإسرائيلية لن يدوم طويلًا”. وتحدث باسم لبنان كله قائلاً: “العدو يواصل اعتداءاته، ويمنع الأهالي من العودة إلى قراهم، لكن لبنان لن يبقى متفرجًا على هذه الانتهاكات”، مشيرًا إلى أن هناك حدًا للصبر، وأن العدوان سيكون له نهاية”. كما كرر أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يتعلق فقط بالجنوب اللبناني، وتحديدًا جنوب نهر الليطاني. وقال: “إسرائيل يجب أن تخرج من لبنان وتحرّر الأسرى، لأن هذا الاتفاق واضح ومُلزم، ولا يمكن تحريفه أو تغييره”.
وفي هجوم على الولايات المتحدة، اعتبر قاسم “أن واشنطن تمارس وصاية مباشرة على الحكومة اللبنانية عبر الضغط الإسرائيلي”، مشددًا على رفض تدخلات أميركا في الشؤون اللبنانية. وقال: “ما تطلبه أميركا من لبنان هو أوامر تُنفّذ بيد إسرائيل، وهذا التدخل مرفوض بشكل كامل”. وانتقد تصريحات المسؤول الأميركي توم برّاك، “الذي دعا إلى تسليح الجيش اللبناني لمواجهة الشعب المقاوم”. وقال: “كيف يمكن الحكومة أن ترضى بذلك؟”. وأضاف: “لن أناقش خدام إسرائيل الذين لا يدافعون عن وطنهم ولا يستنكرون الاعتداءات الإسرائيلية، بل أسأل الأحرار: لماذا لا تضع الحكومة خطة زمنية لاستعادة السيادة الوطنية وتكليف القوى الأمنية بتنفيذها؟”. وفي ختام كلمته، حذر قاسم من “أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى مزيد من التدهور”، قائلاً: “إذا كان الجنوب يعاني اليوم، فإن النزيف سيطال كل لبنان بسبب أميركا وإسرائيل. لا يمكن أن يستمر الوضع كما هو، فلكلّ شيءٍ نهاية، ولكلّ صبرٍ حدود”.
وفي المقابل اتّهم الجيش الاسرائيلي “حزب الله” بأنه يعمل جنوب نهر الليطاني في انتهاك لاتفاق الهدنة ويحاول استعادة قدراته القتالية وتهريب الأسلحة من سوريا.
وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، “إن اتفاق وقف النار قد ينهار خلال أيام، بل إنّ بعض المراقبين يجادل بأن الاتفاق بات فعليًا حبراً على ورق”. وتحدثت عن “ارتفاع احتمالات أن تتطور الهجمات الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة إلى حرب شاملة جديدة، وأن يفضّل “حزب الله” – رغم ضعفه الحالي – خيار الحرب على خيار نزع السلاح. فما زال الحزب يمتلك آلاف الصواريخ والمسيّرات القادرة على ضرب شمال إسرائيل ووسطها، وهو ما يعني أن عودة النيران إلى بلدات الشمال الإسرائيلي، بعد أشهر قليلة فقط من عودة السكان إلى منازلهم، احتمال لا يمكن الاستهانة به”.
وعلى الصعيد الميداني، استهدفت المدفعية الإسرائيلية أحد أحياء بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل، من دون وقوع إصابات. وألقت مسيّرة قنبلة صوتية على سطح مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية في بلدة الطيبة. وتسللت قوة من الجيش الإسرائيلي فجراً إلى منطقة الخانوق في بلدة عيترون وعمدت إلى تفخيخ وتفجير أربعة منازل. كما ألقت مسيّرة قنبلة على بلدة الضهيرة. وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر حسابه على “أكس”: “في إطار نشاط ليلي لقوات اللواء 769 في جنوب لبنان: تدمير عدد من المباني التي استخدمت كبنى تحتية إرهابية تابعة لحزب الله الإرهابي”. أضاف: “خلال ساعات الليلة الماضية (الاثنين)، دمّرت قوات اللواء 769 عدة مبان استخدمت كبنى تحتية إرهابية في قرية حولا بجنوب لبنان. كما وخلال نشاط آخر جرى الشهر الماضي في المنطقة ذاتها، كشفت القوات وسائل قتالية وعبوات ناسفة قديمة كانت مخزّنة داخل تلك المباني وتم احباط مفعولها”. وختم: “وجود هذه البنى الإرهابية يشكّل خرقًا للاتفاق بين إسرائيل ولبنان حيث سيواصل جيش الدفاع العمل لإزالة أي تهديد على أراضي دولة إسرائيل”.