رحل المنشد أحمد الحويلي صاحب الصوت المميز الذي يشبه النسيم الذي يطفئ لهيب القلوب المتعبة.
كان صاحب الصوت الرائع الذي ينسج من الألحان خيوطاً من الروحانية، تدعونا للتأمل في أعماق النفس، والتأمل في الوجود من حولنا. صوته كان يلامس القلوب ويرسم من الألحان كلمات من نور، وفي كل نغمة كان يصدح بها، كان يحمل رسالة صوفية عميقة، تدعو إلى الحب والسلام والتسامح.
أصبح صوته الآن صدىً يتردد في الأفق، كأنه ما زال يُنشد في جنبات الذاكرة يزرع فينا بذور الحب والسلام وفي كل نغمة من ألحانه كان هناك حكمة
تتراقص بين طيات الوجود،
تدعونا للتأمل في معنى الحياة.
عاش هذا المنشد حياة مليئة بالتحديات والصعوبات، وكان صراعه مع مرض السرطان أشبه برحلة إلى أعماق الذات، حيث اكتشف من خلالها قيمة الحياة وأهمية اللحظة الراهنة.
ورغم مرضه ووجعه قدم إلى مرضى السرطان أغنية بعنوان “عناق الأشعة” محاولاً التخفيف من آلامهم وإشعال الأمل في قلوبهم.
كانت الأغنية تجسد تجربته الشخصية، وتعبّر عن مشاعر الألم والعذاب، لكنها في الوقت ذاته كانت تفيض بالحب والتعاطف. استخدم أحمد صوته الرائع كوسيلة لنشر رسالة مفادها أن الأمل يمكن أن يكون حليفاً حتى في أصعب الأوقات حيث استطاع أن يلامس قلوب الكثيرين، ليكون منارة في ظلمات المرض، حتى في أصعب لحظاته لم يغفل عن جمال الحياة، بل ذكر الآخرين بأن الألم جزء من الرحلة، وأن الأمل يمكن أن ينمو ويُزهر من بين الرماد.
الشيخ احمد الحويلي، المنشد الذي برع في الغناء الصوفي حيث غنى قصائد الحلاج، ابن عربي، إبن فارض وجلال الدين الرومي بإحساس عالي ومميز .
لقد كان صوته يحمل طاقة شفائية، تعيد للأرواح المتعبة الأمل والسكينة في لحظات المرض، وعندما كانت آلامه تتجلى، كان يجد الراحة في الإنشاد والغناء، حيث يتحول الألم إلى طاقة إبداعية، تعكس قوة الروح الإنسانية في مواجهة الآلام.
غربت شمس المنشد الصوفي صاحب الصوت الصدّاح الذي غنى بإحترافية عالية قصيدة الحلاج :
“وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت
إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم
إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي..”
رحل المنشد الشيخ أحمد الحويلي تاركاً خلفه إرثاً فنياً وروحياً لا يُنسى حيث كانت ألحانه تنبض بالحياة، وتستمر في التأثير على كل من استمع إليها.
لقد رحل جسده، لكن صوته سيبقى يتردد في آذان محبيه، كأنه يدعوهم للإستمرار في البحث عن الجمال في كل زاوية من زوايا الحياة.
إن حياة هذا المنشد الصوفي، وصراعه مع المرض، كانت تجسيداً للفلسفة الصوفية بكل تفاصيلها الروحية التي تدعو إلى قبول الألم كجزء من الوجود، وتحويله إلى تجربة روحية تعزز من الوعي الداخلي
حتى أصبح صوته رمزاً للأمل والإلهام، واستطاع من خلال قوة الفن أن يتجاوز حدود الألم..
سيبقى صوته نجمة في سماء الروح، مشعاً بالأمل، محلقاً في فضاء الذاكرة، يذكرنا بأن الحياة، رغم صعوباتها، ستظل مليئة بالجمال والألحان التي لا تنسى.
رحل المنشد الشيخ أحمد الحويلي إلى عالمٍ آخر، حيث لا ألم ولا مرض، لكن صوته سيبقى خالداً يتردد في قلوب محبيه كأنه يحكي لهم قصة الفراق بقلب مليء بالسلام.
نم قرير العين يا أحمد وتغطى بعبائتك الصوفية، تلك التي نسجت من خيوط المحبة والإيمان، فهي تحميك من عواصف الفراق وتحتضن روحك الطاهرة في عالم الأنس والسكينة.
نم هانئاً، فذكراك ستبقى خالدة في قلوب محبيك، وشذى ألحانك سيظل يملأ الأجواء، كعطرٍ ينعش الروح في كل حين.
The post صدى الروح في صوت المنشد أحمد الحويلي.. نادين شعّار appeared first on .