في حزيران 1967، وقف الرئيس السوري الراحل نور الدين الأتاسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذروة الصدمة العربية بعد النكسة. حمل صوته آنذاك اتهاماً مباشراً لإسرائيل بخرق السيادة والاعتداء على الأرض العربية، في لحظة جسّدت الانكسار السياسي والعسكري الذي اجتاح المنطقة.
اليوم، وبعد ستين عاماً، يعود رئيس سوري آخر – أحمد الشرع – إلى المنبر نفسه. يختلف السياق لكن المضمون لا يزال متشابهاً: إسرائيل تواصل التوسع، والصراع العربي الإسرائيلي يتفاقم، فيما تخرج سوريا من عقدٍ دموي أرهق مجتمعها، وأعاد تشكيل دورها الإقليمي ومكانتها الدولية.
الغياب الحاضر
منذ الأتاسي وحتى الشرع، تعاقب على سوريا حضورٌ مختلف في الأمم المتحدة عبر حافظ الأسد ثم ابنه بشار. لكن خطاب دمشق في تلك المرحلة اتخذ مساراً مغايراً؛ ركّز على ملفات جانبية من لبنان إلى العراق إلى الخليج، فيما تورطت البلاد في سياسات أنهكت صورتها: دعم حركات متنازعة، الارتهان لتحالفات ضيقة، والانسياق وراء اقتصاد الظل الذي مثّله الكبتاغون. بذلك فقدت سوريا تدريجياً مكانتها كصاحبة الصوت العربي الجامع.
خطاب الشرع اليوم يُقدَّم كرسالة عودة، جوهرها ثلاث ركائز:
ـ الشعب أولاً: أي محاولة استعادة الشرعية الداخلية عبر إصلاحات سياسية ومصالحة وطنية حقيقية.
ـ صفر مشكلات: تبنّي سياسة إقليمية تقوم على تسوية النزاعات بدلاً من تأجيجها، على غرار بعض التجارب الناجحة في الجوار.
ـ الاستثمارات: التعويل على الاقتصاد كمدخل لإعادة بناء الدولة، وترميم موقعها الإقليمي والدولي.
غير أن المهمة التي يحملها الشرع ليست كتلك التي واجهها الأتاسي.
ـ محلياً: لا بد من مصالحة شاملة مع مجتمع أنهكته الحرب والانقسام، وهو شرط أساس لأي استقرار مستدام.
ـ إقليمياً: النفوذ الإيراني والتركي والإسرائيلي يضغط على سوريا من كل الاتجاهات، ما يقلل من حرية حركتها.
ـ دولياً: القوى الكبرى من الولايات المتحدة إلى روسيا وأوروبا تنظر إلى دمشق من زاوية مصالح أمنية واقتصادية، أكثر من كونها شريكاً سياسياً.
من الهزيمة إلى الأمل.
بعد ستة عقود، تعود سوريا إلى منبر الأمم المتحدة بوجه آخر. من خطاب الانكسار عام 1967 إلى خطاب الأمل عام 2025، تتبدل النبرة لكن التحدي يبقى قائماً حول إمكان تحول دمشق من ساحة صراع ضربت عمق دول الجوار عبر تسهيل تسلل النفوذ الإيراني إلى المنطقة بالإضافة إلى إغراق الخليج العربي بالكبتاغون، إلى دولة فاعلة ترسم مستقبلها سياسياً واقتصادياً عبر تشريع أبواب دمشق أمام الاستثمار والتعاون والحوار.
يقف الرئيس أحمد الشرع اليوم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد 58 عاماً من الغياب الرئاسي السوري ليثبت شرعية التغيير الثوري في الداخل ويجدد خطاب سوريا في الخارج، ويفتح صفحة جديدة مع محيطها والعالم. فهل تستعيد سوريا بهذه العودة دورها الريادي؟.