ترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر قداسا لراحة أنفس شهداء وضحايا وجرحى إنفجار ٤ آب، وعلى نيّة شفاء من لا يزالون على سرير الألم، وذلك في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، وبرعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في كنيسة مار يوسف في بيروت.
وألقى عبد الساتر عظة قال فيها: “أنقل إليكم صلاة وتعزية صاخب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي الكلّي الطوبى الذي لم يستطع أن يكون بيننا في هذا الصباح ولكنه كلفني بأن أؤكد لكلّ واحد وواحدة من بينكم محبته ووقوفه إلى جانبكم دومًا من أجل الوصول إلى الحقيقة في ما يتعلق بانفجار ٤ آب وبمرتكبيه وتحقيق العدالة.
غلب شهداؤنا وضحايانا الموت والشر، كلَّ موت وكلَّ شر. فها هم اليوم أمام ربِّهم قائمون يتمتعون برؤية وجهه ويسمعون منه كلمات الحنان والمحبّة بعيدًا عن كلِّ وجع وحزن وقهر. فلا تنسوا يا أهلنا هذه الحقيقة أبدًا لأنَّ فيها وحدها العزاء والرجاء.
وإلى أحبائنا شهداء وضحايا الأنانيّة والأشرار والمتسلّطين نقول، خمس سنوات مرَّت وأنتم حاضرون دومًا فينا، في روحنا وفي قلبنا وفي فكرنا. نحملكم معنا حيثما حللنا ونخبر عنكم مَن حولنا مِن دون ملل ولا كللٍ، ونسهر معكم نحدثكم عمّا يجري لنا من بعدكم وثم نغرق في ذكرياتنا عنكم ويمتزج الحزن والضعف بالرجاء والقوّة.
خمس سنوات مرَّت ونحن لا نزال نراكم كلّ يوم في كلّ جوانب البيت لأنكم ما غادرتموه قط. نراكم كما اعتدنا، ببسمتكم وأحيانًا بعبستكم، بحماستكم وأحيانًا بقلقكم. نسمع صوتكم وضحكتكم وحتى نفَسَكم وتنزل دموعنا ممزوجة بالعزاء الذي من عند الله المحبّة.
وإلى المسؤولين عمّا جرى في مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠، إلى هؤلاء المسؤولين عن هدر كلِّ هذه الدماء الزكيَّة والمسبّبين لمعاناة ولآلام الجرحى وآلاف الأشخاص الأبرياء نقول:
إنّ دماء الأبرياء تصرخ نحو الله طالبة العدل لها وهو يسمعها. فلا تظنوا أنه سيغفل عنكم ولو اختبئتم في أعماق الأرض أو احتميتم بزعيم فاسد أو اشتريتم ضمير قاض مرتشٍ.
لا زلتم ومنذ خمس سنوات تناورون وتكذبون وتعطّلون متذرعين بحصاناتكم ومحتمين خلف أسوارٍ من أتباعكم. قولوا لي، ألا تسمعون أنين الأم على ابنها وابنتها؟ ألا ترون دموع الطفل أمام قبر والده ووالدته؟ أتظنون حقًا أنكم لن تُحاسبوا على الشر الذي اقترفته أيديكم؟ نحن هنا وسنبقى هنا ولو لسنوات بعد. لن نُهادن ولن نتراجع ولن نتوقف عن المطالبة بتحقيق العدالة. ستروننا واقفين أمامكم أينما كنتم حاملين صور أحبائنا لتروا وجوه من تسببتم بموتهم وبجراحاتهم. ستروننا واقفين في قصر العدل حاملين صور أحبائنا حتى لا يتأخر أي قاضٍ عن القيام بواجبه في هذه القضية.
إخوتي وأخواتي، مع شكرنا لكل المسؤولين الذين عملوا ويعملون بصدق من أجل معرفة حقيقة إنفجار بيروت الجريمة ومَن وراءَها ومحاكمتهم، نطلب منهم، إكرامًا للذين ماتوا ولحزن أهلهم وتعزية للجرحى وتشجيعًا لذويهم، أن يستمروا في العمل ويمنعوا التدخلات السياسية والحزبية في القضاء حتى يصدر القرار الظني وثم الحكم فترتاح القلوب وتطمئن على مستقبل البلاد والعباد. ولهم نقول:
الشعب كلّه يريد الحقيقة الكاملة حول انفجار المرفأ ويريد أن يعرف أسماء كلّ المسببين لهذه الإبادة أأفرادًا كانوا أو جماعات أو دولًا. الشعب كلّه يُريد أن لا يُستخدم القرار الظني لإنهاء القضية أوإسكات أهلها وأن لا يُستخدم الحكم فيما بعد لتحقيق انتصارات سياسية أو للإساءة للآخر. الشعب اللبناني يريد أن يُستخدم القرار الظني والحكم من أجل تحقيق العدالة وإحقاق الحق فقط. الشعب كلّه يريد أن يقوم كلّ مسؤول بما عليه حتى لا تتكرَّر المأساة في مكان آخر من بلدنا أو مع مواطنين آخرين.
أحباءنا شهداء وضحايا انفجار ٤ آب ٢٠٢٠، أنتم باقون فينا ونحن باقون على العهد. لن ننسى ولن نتعب ولن نسكت، من أجلكم ومن أجلنا ومن أجل وطننا لبنان. آمين”.